Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 234-234)
Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله عز وجل : { وَالذَّيِنَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَجاً يَتَرَبَّصْنَ بأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً } قال بعض نحاة الكوفيين : الخبر عن { الذين } متروك والقصد الإخبار عن أزواجهم بأنهن يتربصن ، ومذهب نحاة البصرة أن خبر { الذين } مترتب بالمعنى ، وذلك أن الكلام إنما تقديره يتربص أزواجهم ، وإن شئت قدرته . وأزواج الذين يتوفون منكم يتربصن ، فجاءت العبارة في غاية الإيجاز ، وإعرابها مترتب على هذا المعنى المالك لها المتقرر فيها ، وحكى المهدوي عن سيبويه أن المعنى : وفيما يتلى عليكم الذين يتوفون ، ولا أعرف هذا الذي حكاه لأن ذلك إنما يتجه إذا كان في الكلام لفظ أمر بعد . مثل قوله : { والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما } [ المائدة : 38 ] ، وهذه الآية فيها معنى الأمر لا لفظه فيحتاج مع هذا التقدير إلى تقدير آخر يستغنى عنه إذا حضر لفظ الأمر ، وحسن مجيء الآية هكذا أنها توطئة لقوله : { فلا جناح عليكم } ، إذ القصد بالمخاطبة من أول الآية إلى آخرها الرجال الذين منهم الحكام والنظرة ، وعبارة المبرد والأخفش ما ذكرناه ، وهذه الآية هي في عدة المتوفى عنها زوجها ، وظاهرها العموم ومعناها الخصوص في الحرائر غير الحوامل ولم تعن الآية لما يشذ من مرتابة ونحوها ، وحكى المهدوي عن بعض العلماء أن الآية تناولت الحوامل ثم نسخ ذلك بقوله : { وأولات الأحمال } [ الطلاق : 4 ] ، وعدة الحامل وضع حملها عند جمهور العلماء ، وروي عن علي بن أبي طالب وابن عباس وغيرهما أن تمام عدتها آخر الأجلين ، والتربص الصبر والتأني بالشخص في مكان أو حال ، وقد بين تعالى ذلك بقوله : { بأنفسهن } ، والأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم : متظاهرة أن التربص بإحداد وهو الامتناع عن الزينة ولبس المصبوغ الجميل والطيب ونحوه ، والتزام المبيت مسكنها حيث كانت وقت وفاة الزوج . وهذا قول جمهور العلماء وهو قول مالك وأصحابه . وقال ابن عباس وأبو حنيفة فيما روت عنه وغيرهما : ليس المبيت بمراعى ، تبيت حيث شاءت . وقال الحسن بن أبي الحسن : " ليس الإحداد بشيء ، إنما تتربص عن الزواج ، ولها أن تتزين وتتطيب " . قال القاضي أبو محمد : وهذا ضعيف . وقرأ جمهور الناس " يُتوفون " بضم الياء ، وقرأ علي بن أبي طالب رضي الله عنه " يَتوفون " بفتح الياء ، وكذلك روى المفضل عن عاصم ، ومعناه يستوفون آجالهم ، وجعل الله الأربعة الأشهر والعشر عبادة في العدة فيها استبراء للحمل ، إذ فيها تكمل الأربعون والأربعون والأربعون ، حسب الحديث الذي رواه ابن مسعود وغيره ثم ينفخ الروح ، وجعل الله تعالى العشر تكملة إذ هي مظنة لظهور الحركة بالجنين وذلك لنقص الشهور أو كمالها ولسرعة حركة الجنين أو إبطائها ، قاله سعيد بن المسيب وأبو العالية وغيرهما ، وقال تعالى : { عشراً } ، ولم يقل عشرة تغليباً لحكم الليالي إذ الليلة أسبق من اليوم والأيام في ضمنها ، وعشر أخف في اللفظ ، قال جمهور أهل العلم : ويدخل في ذلك اليوم العاشر وهو من العدة لأن الأيام مع الليالي ، وحكى منذر بن سعيد - وروي أيضاً عن الأوزاعي - : أن اليوم العاشر ليس من العدة بل انقضت بتمام عشر ليالٍ ، قال المهدوي : " وقيل المعنى وعشر مدد كل مدة من يوم وليلة " ، وروي عن ابن عباس أنه قرأ " أربعة أشهر وعشر ليال " . قوله عز وجل : { فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } أضاف تعالى الأجل إليهنّ إذ هو محدود مضروب في أمرهن ، والمخاطبة بقوله { فلا جناح عليكم } عامة لجميع الناس ، والتلبس بهذا الحكم هو للحكام والأولياء اللاصقين والنساء المعتدات ، وقوله عز وجل { فيما فعلن } يريد به التزوج فما دونه من التزين واطراح الإحداد . قال مجاهد وابن شهاب وغيرهما : أراد بما فعلن النكاح لمن أحببن إذا كان معروفاً غير منكر . قال القاضي أبو محمد : ووجوه المنكر في هذا كثيرة ، وقال بعض المفسرين : { بالمعروف } معناه بالإشهاد ، وقوله تعالى : { والله بما تعملون خبير } وعيد يتضمن التحذير ، و { خبير } اسم فاعل من خبر إذا تقصى علم الشيء .