Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 280-281)
Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
حكم الله تعالى لأرباب الربا برؤوس الأموال عند الواجدين للمال ، ثم حكم في ذي العسرة بالنظرة إلى حالة اليسر . قال المهدوي : وقال بعض العلماء هذه الآية ناسخة لما كان في الجاهلية من بيع من أعسر بدين ، وحكى مكي : أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به في صدر الإسلام . قال القاضي أبو محمد : فإن ثبت فعل النبي صلى الله عليه وسلم فهو نسخ ، وإلا فليس بنسخ ، و " العسرة " ضيق الحال من جهة عدم المال ومنه جيش العسرة ، والنظرة التأخير ، والميسرة مصدر بمعنى اليسر ، وارتفع { ذو عسرة } بـ { كان } التامة التي هي بمعنى وجد وحدث . هذا قول سيبويه وأبي علي وغيرهما ، ومن هنا يظهر أن الأصل الغنى ووفور الذمة ، وأن العدم طارىء حادث يلزم أن يثبت . وقال بعض الكوفيين ، حكاه الطبري : بل هي { كان } الناقصة والخبر محذوف ، تقديره { وإن كان } من غرمائكم { ذو عسرة } وارتفع قوله : { فنظرة } على خبر ابتداء مقدر ، تقديره فالواجب نظرة ، أو فالحكم نظرة . قال الطبري : وفي مصحف أبي بن كعب : { وإن كان ذو عسرة } على معنى وإن كان المطلوب ، وقرأ الأعمش " وإن كان معسراً فنظرة " . قال أبو عمرو الداني عن أحمد بن موسى : وكذلك في مصحف أبي بن كعب ، قال مكي والنقاش وعلى هذا يختص لفظ الآية بأهل الربا ، وعلى من قرأ { وإن كان ذو عسرة } بالواو فهي عامة في جميع من عليه دين . قال القاضي أبو محمد : وهذا غير لازم ، وحكى المهدوي أن في مصحف عثمان ، " فإن كان " بالفاء { ذو عسرة } بالواو ، وقراءة الجماعة نظرة بكسر الظاء ، وقرأ مجاهد وأبو رجاء والحسن : " فنظْرة " بسكون الظاء ، وكذلك قرأ الضحاك ، وهي على تسكين الظاء من نظرة ، وهي لغة تميمية ، وهم الذين يقولون : كرم زيد بمعنى كرم ، ويقولون ، كبد في كبد ، وكتف في كتف ، وقرأ عطاء بن أبي رباح " فناظرة " على وزن فاعلة ، وقال الزجّاج : هي من أسماء المصادر ، كقوله تعالى : { ليس لوقعتها كاذبة } [ الواقعة : 2 ] وكقوله تعالى : { تظن أن يفعل بها فاقرة } [ القيامة : 25 ] ، وكخائنة الأعين وغيره ، وقرأ نافع وحده " ميسُرة " بضم السين ، وقرأ باقي السبعة وجمهور الناس " ميسَرة " بفتح السين على وزن مفعلة ، وهذه القراءة أكثر في كلام العرب ، لأن مفعلة بضم العين قليل . قال أبو علي : قد قالوا : مسربة ومشربة ، ولكن مفعلة بفتح العين أكثر في كلامهم ، وقرأ عطاء بن أبي رياح أيضاً ومجاهد : " فناظره إلى ميسُره " على الأمر في " ناظره " وجعلا الهاء ضمير الغريم ، وضما السين من " ميسُره " وكسر الراء وجعلا الهاء ضمير الغريم ، فأما ناظره ففاعله من التأخير ، كما تقول : سامحه ، وأما ميسر فشاذ ، قال سيبويه : ليس في الكلام مفعل ، قال أبو علي يريد في الآحاد ، فأما في الجمع فقد جاء قول عدي بن زيد : [ الرمل ] @ أَبْلِغِ النُّعْمَانَ عَنّي مَأْلُكاً أَنَّه قَدْ طالَ حَبْسي وانتظار @@ وقول جميل : [ الطويل ] @ بثين الزمي - لا - إنَّ - لا - إنْ لزمته على كثرةِ الواشين أيّ معون @@ فالأول جمع مالكة ، والآخر جمع معونة ، وقال ابن جني : إن عدياً أراد مالكة فحذف ، وكذلك جميل أراد أي معونة ، وكذلك قول الآخر : [ الراجز ] @ " ليومِ روعٍ أو فِعال مكْرَمِ " @@ " أرادَ مَكْرُمَة " ، فحذف قال : ويحتمل أن تكون جموعاً كما قال أبو علي . قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : فإن كان ميسر جمع ميسرة فيجري مجرى هذه الأمثلة ، وإن كان قارئه أراد به الإفراد فذلك شاذ ، وقد خطأه بعض الناس ، وكلام سيبويه يرده ، واختلف أهل العلم : هل هذا الحكم بالنظرة إلى الميسرة : واقف على أهل الربا أو هو منسحب على كل ذي دين حال ؟ فقال ابن عباس وشريح : ذلك في الربا خاصة ، وأما الديون وسائر الأمانات فليس فيها نظرة ، بل تؤدى إلى أهلها ، وكأن هذا القول يترتب إذا لم يكن فقر مدقع وأما مع الفقر والعدم والصريح ، فالحكم هي النظرة ضرورة ، وقال جمهور العلماء النظرة إلى الميسرة حكم ثابت في المعسر سواء كان الديْن ربا أو من تجارة في ذمة أو من أمانة ، فسره الضحاك . وقوله تعالى : { وأن تصدقوا } ابتداء وخبره { خير } ، وندب الله تعالى بهذه الألفاظ إلى الصدقة على المعسر وجلع ذلك خيراً من إنظاره ، قاله السدي وابن زيد والضحاك وجمهور الناس . وقال الطبري وقال آخرون معنى الآية وأن تصدقوا على الغني والفقير خير لكم ، ثم أدخل الطبري تحت هذه الترجمة أقوالاً لقتادة وإبراهيم النخعي لا يلزم منها ما تضمنته ترجمته ، بل هي كقول جمهور الناس ، وليس في الآية مدخل للغني ، وقرأ جمهور القراء : " تصَّدقوا " بتشديد الصاد على الإدغام من تتصدقوا . وقرأ عاصم " وأن تصْدقوا " بتخفيف الصاد وفي مصحف عبد الله بن مسعود " وأن تصدقوا " بفك الإدغام . وروى سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب أنه قال : كان آخر ما أنزل من القرآن آية الربا ، وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يفسرها لنا ، فدعوا الربا والريبة . وقال ابن عباس : آخر ما نزل آية الربا . قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : ومعنى هذا عندي أنها من آخر ما نزل ، لأن الجمهور الناس وابن عباس والسدي والضحاك وابن جريج وغيرهم ، قال : آخر آية قوله تعالى : { واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله } وقال سعيد بن المسيب : بلغني أن أحدث القرآن بالعرش آية الدين ، وروي أن قوله عز وجل : { واتقوا } نزلت قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم بتسع ليال ، ثم لم ينزل بعدها شيء ، وروي بثلاث ليال ، وروي أنها نزلت قبل موته بثلاث ساعات ، وأنه قال عليه السلام " اجعلوها بين آية الربا وآية الدين " ، وحكى مكي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " جاءني جبريل فقال اجعلها على رأس مائتين وثمانين آية ، من البقرة " . وقوله تعالى : { واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله } إلى آخر الآية ، وعظ لجميع الناس وأمر يخص كل إنسان ، و { يوماً } منصوب على المفعول لا على الظرف . وقرأ أبو عمرو بن العلاء " تَرجِعون " بفتح التاء وكسر الجيم ، وقرأ باقي السبعة " تُرجعَون " بضم التاء وفتح الجيم ، فمثل قراءة أبي عمرو { إن إلينا إيابهم } [ الغاشية : 25 ] ومثل قراءة الجماعة { ثم ردوا إلى الله } [ الأنعام : 62 ] { ولئن رددت إلى ربي } [ الكهف : 36 ] المخاطبة في القراءتين بالتاء على جهة المبالغة في الوعظ والتحذير ، وقرأ الحسن " يرْجعون " بالياء على معنى يرجع جميع الناس . قال ابن جني كأن الله تعالى رفق بالمؤمنين على أن يواجههم بذكر الرجعة إذ هي مما تنفطر له القلوب . فقال لهم : { واتقوا يوماً } ، ثم رجع في ذكر الرجعة إلى الغيبة رفقاً بهم ، وقرأ أبي بن كعب " يوماً تُردون " بضم التاء ، وجمهور العلماء على أن هذا اليوم المحذر منه هو يوم القيامة والحساب والتوفية ، وقال قوم هو يوم الموت ، والأول أصح بحكم الألفاظ في الآية ، وفي قوله : { إلى الله } مضاف محذوف تقديره إلى حكم الله وفصل قضائه ، وقوله { وهم } رد على معنى كل نفس لا على اللفظ إلا على قراءة الحسن " يرجعون " ، فقوله : { وهم } رد على ضمير الجماعة في " يرجعون " ، وفي هذه الآية نص على أن الثواب والعقاب متعلق بكسب الإنسان . وهذا رد على الجبرية .