Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 285-285)

Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

سبب هذه الآية أنه لما نزلت { وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه } الآية التي قبلها . وأشفق منها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم ، ثم تقرر الأمر على أن { قالوا سمعنا وأطعنا } ، فرجعوا إلى التضرع والاستكانة ، مدحهم الله وأثنى عليهم في هذه الآية ، وقدم ذلك بين يدي رفقه بهم وكشفه لذلك الكرب الذي أوجبه تأولهم فجمع لهم تعالى التشريف بالمدح والثناء ورفع المشقة في أمر الخواطر ، وهذه ثمرة الطاعة والانقطاع إلى الله تعالى كما جرى لبني إسرائيل ضد ذلك من ذمهم وتحميلهم المشقات من المذلة والمسكنة والجلاء إذ قالوا سمعنا وعصينا ، وهذه ثمرة العصيان والتمرد على الله عاذنا الله من نقمه ، و { آمن } معناه صدق ، و { الرسول } محمد صلى الله عليه وسلم ، و { بما أنزل إليه من ربه } هو القرآن وسائر ما أوحي إليه ، من جملة ذلك هذه الآية التي تأولوها شديدة الحكم ، ويروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزلت عليه قال : ويحق له أن يؤمن ، وقرأ ابن مسعود " وآمن المؤمنون " ، و { كل } لفظة تصلح للإحاطة ، وقد تستعمل غير محيطة على جهة التشبيه بالإحاطة والقرينة تبين ذلك في كل كلام ، ولما وردت هنا بعد قوله { والمؤمنون } دل ذلك على إحاطتها بمن ذكر . والإيمان بالله هو التصديق به وبصفاته ورفض الأصنام وكل معبود سواه . والإيمان بملائكته هو اعتقادهم عباداً لله ، ورفض معتقدات الجاهلية فيهم . والإيمان بكتبه هو التصديق بكل ما أنزل على الأنبياء الذين تضمن ذكرهم كتاب الله المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ، أو ما أخبر هو به ، وقرأ ابن كثير ونافع وعاصم في رواية أبي بكر وابن عامر " وكتبه " على الجمع ، وقرؤوا في التحريم و " كتابه " على التوحيد ، وقرأ أبو عمرو هنا وفي التحريم " وكتبه " على الجمع ، وقرأ حمزة والكسائي " وكتابه " على التوحيد فيهما ، وروى حفص عن عاصم ها هنا وفي التحريم " وكتبه " مثل أبي عمرو ، وروى خارجة عن نافع مثل ذلك ، وبكل قراءة من هذه قرأ جمهور من العلماء ، فمن جمع أراد جمع كتاب ، ومن أفرد أراد المصدر الذي يجمع كل مكتوب كان نزوله من عند الله تعالى ، هذا قول بعضهم وقد وجهه أبو علي وهو كما قالوا : نسج اليمن ، وقال أبو علي في صدر كلامه : أما الإفراد في قول من قرأ " وكتابه " فليس كما تفرد المصادر وإن أريد بها الكثير ، كقوله تعالى : { وادعوا ثبوراً كثيراً } [ الفرقان : 14 ] ونحو ذلك ، ولكن كما تفرد الأسماء التي يراد بها الكثرة ، كقولهم : كثر الدينار والدرهم ونحو ذلك ، فإن قلت هذه الأسماء التي يراد بها الكثرة إنما تجيء مفردة وهذه مضافة ، قيل وقد جاء في المضاف ما يعني به الكثرة ففي التنزيل { وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها } [ إبراهيم : 34 ] وفي الحديث منعت العراق درهمها وقفيزها ، فهذا يراد به الكثير كما يراد بما فيه لام التعريف ، ومنه قول ابن الرقاع : @ يَدَعُ الْحَيَّ بالعشيِّ رَعَاهَا وَهُم عَنْ رَغِيفِهِمْ أَغْنِيَاءُ @@ ومجيء أسماء الأجناس معرفة بالألف واللام أكثر من مجيئها مضافة ، وقرأت الجماعة " ورسُله " بضم السين ، وكذلك " رسُلنا " و " رسُلكم " و " رسُلك " إلا أبا عمرو فروي عنه تخفيف " رسلنا " و " رسلكم " ، وروي عنه في " رسلك " التثقيل والتخفيف ، قال أبو علي من قرأ " على رسلك " بالتثقيل فذلك أصل الكلمة ، ومن خفف فكما يخفف في الآحاد مثل عنق وطنب ، فإذا خفف في الآحاد فذلك أحرى في الجمع الذي هو أثقل ، وقرأ يحيى بن يعمر " وكتْبه ورسْله " بسكون التاء والسين ، وقرأ ابن مسعود " وكتابه ولقائه ورسله " ، وقرأ جمهور الناس " لا نفرق " بالنون ، والمعنى يقولون لا نفرق ، وقرأ سعيد ابن جبير ويحيي بن يعمر وأبو زرعة بن عمر بن جرير ويعقوب " لا يفرق " بالياء ، وهذا على لفظ { كل } ، قال هارون وهي في حرف ابن مسعود " لا يفرقون " ، ومعنى هذه الآية أن المؤمنين ليسوا كاليهود والنصارى في أنهم يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض . وقوله تعالى : { وقالوا سمعنا وأطعنا } مدح يقتضي الحض على هذه المقالة وأن يكون المؤمن يمتثلها غابر الدهر ، والطاعة قبول الأوامر ، و { غفرانك } مصدر كالكفران والخسران ، ونصبه على جهة نصب المصادر ، والعامل فيه فعل مقدر ، قال الزجّاج تقديره اغفر غفرانك ، وقال غيره نطلب ونسأل غفرانك ، { وإليك المصير } إقرار بالبعث والوقوف بين يدي الله تعالى . وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزلت هذه الآية قال له جبريل يا محمد إن الله قد أجل الثناء عليك وعلى أمتك ، فسل تعطه ، فسأل إلى آخر السورة .