Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 61-61)
Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
كان هذا القول منهم في التيه حين ملوا المن والسلوى ، وتذكروا عيشهم الأول بمصر ، وكنى عن المن والسلوى { بطعام واحد } ، وهما طعامان ، لأنهما كانا يؤكلان في وقت واحد ، ولتكرارهما سواء أبداً قيل لهما { طعام واحد } ، ولغة بني عامر " فادعِ " بكسر العين . و { يخرج } : جزم بما تضمنه الأمر من معنى الجزاء ، وبنفس الأمر على مذهب أبي عمر الجرمي والمفعول على مذهب سيبويه مضمر تقديره مأكولاً مما تنبت الأرض ، وقال الأخفش : " من " في قوله : { مما } زائدة " وما " مفعولة ، وأبى سيبويه أن تكون " من " ملغاة في غير النفي ، كقولهم : ما رأيت من أحد ، و { من } في قوله : { من بقلها } لبيان الجنس ، و { بقلها } بدل بإعادة الحرف ، والبقل كل ما تنبته الأرض من النجم ، والقثاء جمع قثأة . وقرأ طلحة بن مصرف ويحيى بن وثاب : " قُثائها " ، بضم القاف . وقال ابن عباس وأكثر المفسرين : " الفوم الحنطة " . وقال مجاهد : " الفوم الخبز " . وقال عطاء وقتادة : " الفوم جميع الحبوب التي يمكن أن تختبز كالحنطة والفول والعدس ونحوه " . وقال الضحاك : " الفوم الثوم " ، وهي قراءة عبد الله بن مسعود بالثاء ، وروي ذلك عن ابن عباس ، والثاء تبدل من الفاء ، كما قالوا ، مغاثير ومغافير ، وجدث وجدف ، ووقعوا في عاثور شر ، وعافور شر ، على أن البدل لا يقاس عليه ، والأول أصح : أنها الحنطة ، وأنشد ابن عباس قول أحيحة بن الجلاح : [ الطويل ] @ قد كنت أغنى الناس شخصاً واجداً ورد المدينة عن زراعة فوم @@ يعني حنطة . قال ابن دريد : " الفوم الزرع أو الحنطة " ، وأزد السراة يسمون السنبل فوماً " ، والاستبدال طلب وضع الشيء موضع الآخر ، و { أدنى } مأخوذ عند أبي إسحاق الزجاج من الدنو أي القرب في القيمة . وقال علي بن سليمان : " هو مهموز من الدنيء البين الدناءة ، بمعنى الأخس ، إلا أنه خففت همزته " . وقال غيره : " هو مأخوذ من الدون أي الأحط ، فأصله أدون أفعل ، قلب فجاء أفلع ، وقلبت الواو ألفاً لتطرفها " . وقرأ زهير للكسائي : " أدنأ " ، ومعنى الآية : أتستبدلون البقل والقثاء والفوم والعدس والبصل التي هي أدنى بالمن والسلوى الذي هو خير ؟ والوجه الذي يوجب فضل المن والسلوى على الشيء الذي طلبوه ، يحتمل أن يكون تفاضلها في القيمة ، لأن هذه البقول لا خطر لها ، وهذا قول الزجاج ، ويحتمل أن يفضل المن والسلوى لأنه الطعام الذي من الله به وأمرهم بأكله ، وفي استدامة أمر الله تعالى وشكر نعمته أجر وذخر في الآخرة ، والذي طلبوا عارٍ من هذه الخصال ، فكأن أدنى من هذا الوجه ، ويحتمل أن يفضل في الطيب واللذة به ، فالبقول لا محالة أدنى من هذا الوجه ، ويحتمل أن يفضل في حسن الغذاء ونفعه ، فالمن والسلوى خير لا محالة في هذا الوجه ، ويحتمل أن يفضل من جهة أنه لا كلفة فيه ولا تعب ، والذي طلبوا لا يجيء إلا بالحرث والزراعة والتعب ، فهو { أدنى } في هذا الوجه ، ويحتمل أن يفضل في أنه لا مرية في حله وخلوصه لنزوله من عند الله ، والحبوب والأرض يتخللها البيوع والغصوب وتدخلها الشبه ، فهي { أدنى } في هذا الوجه . قال القاضي أبو محمد رحمه الله : ويترتب الفضل للمن والسلوى بهذه الوجوه كلها ، وفي الكلام حذف ، تقديره : فدعا موسى ربه فأجابه ، فقال لهم : { اهبطوا } ، وتقدم ذكر معنى الهبوط ، وكأن القادم على قطر منصب عليه ، فهو من نحو الهبوط ، وجمهور الناس يقرؤون " مصراً " بالتنوين وهو خط المصحف ، إلا ما حكي عن بعض مصاحف عثمان رضي الله عنه . وقال مجاهد وغيره ممن صرفها : " أراد مصراً من الأمصار غير معين " ، واستدلوا بما اقتضاه القرآن من أمرهم بدخول القرية ، وبما تظاهرت به الرواية أنهم سكنوا الشام بعد التيه . وقالت طائفة ممن صرفها : أراد مصر فرعون بعينها ، واستدلوا بما في القرآن من أن الله تعالى أورث بني إسرائيل ديار آل فرعون وآثارهم ، وأجازوا صرفها . وقال الأخفش : " لخفتها وشبهها بهند ودعد " وسيبويه لا يجيز هذا . وقال غير الأخفش : " أراد المكان فصرف " . وقرأ الحسن وأبان بن تغلب وغيرهما : " اهبطوا مصر " بترك الصرف ، وكذلك هي في مصحف أبيّ بن كعب وقالوا : " هي مصر فرعون " . قال الأعمش : " هي مصر التي عليها صالح بن علي " . وقال أشهب : " قال لي مالك : هي عندي مصر قريتك مسكن فرعون " . وقوله تعالى : { فإن لكم ما سألتم } يقتضي أنه وكلهم إلى أنفسهم . وقرأ النخغي وابن وثاب " سِألتم " بكسر السين وهي لغة ، { وضربت عليهم الذلة والمسكنة } معناه ألزموها وقضي عليهم بها ، كما يقال ضرب الأمير البعث ، وكما قالت العرب ضربة لازب ، أي إلزام ملزوم أو لازم ، فينضاف المصدر إلى المفعول بالمعنى ، وكما يقال ضرب الحاكم على اليد ، أي حجر وألزم ؛ ومنه ضرب الدهر ضرباته ، أي ألزم إلزاماته ، و { الذلة } فعلة من الذل كأنها الهيئة والحال ، { والمسكنة } من المسكين ، قال الزجاج : " هي مأخوذة من السكون وهي هنا : زي الفقر وخضوعه ، وإن وجد يهودي غني فلا يخلو من زي الفقر ومهانته " . قال الحسن وقتادة : " المسكنة الخراج أي الجزية " . وقال أبو العالية : " المسكنة الفاقة والحاجة " . { وباؤوا بغضب من الله } معناه : مروا متحملين له ، تقول : بؤت بكذا إذا تحملته ، ومنه قول مهلهل ليحيى بن الحارث بن عباد : " بؤ بشسع نعل كليب " . والغضب بمعنى الإرادة صفة ذات ، وبمعنى إظهاره على العبد بالمعاقبة صفة فعل ، والإشارة بذلك إلى ضرب الذلة وما بعده ، والباء في { بأنهم } باء السبب . وقال المهدوي : " إن الباء بمعنى اللام " والمعنى : لأنهم ، والآيات هنا تحتمل أن يراد بها التسع وغيرها مما يخرق العادة ، وهو علامة لصدق الآية به ، ويحتمل أن يراد آيات التوراة التي هي كآيات القرآن . وقرأ الحسن بن أبي الحسن : " وتقتلون " بالتاء على الرجوع إلى خطابهم ، وروي عنه أيضاً بالياء . وقرأ نافع : بهمز " النبيئين " ، وكذلك حيث وقع في القرآن ، إلا في موضعين : في سورة الأحزاب : { أن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي } [ الأحزاب : 50 ] بلا مد ولا همز ، { ولا تدخلوا بيوت النبي إلا } [ الأحزاب : 53 ] ، وإنما ترك همز هذين لاجتماع همزتين مكسورتين من جنس واحد ، وترك الهمز في جميع ذلك الباقون ، فأما من همز فهو عنده من " أنبأ " إذا أخبر ، واسم فاعله منبىء فقيل نبيء ، بمعنى منبىء ، كما قيل : سميع بمعنى مسمع ، واستدلوا بما جاء من جمعه على نبآء . قال الشاعر : [ الطويل ] @ يا خاتم النبآء إنك مرسل بالحقّ كلّ هدى الإله هداكا @@ فهذا كما يجمع فعيل في الصحيح " كظريف " وظرفاء وشبهه . قال أبو علي : " زعم سيبويه أنهم يقولون في تحقير النبوة : كان مسيلمة نبوته نبيئة سوء ، وكلهم يقولون تنبأ مسيلمة ، فاتفاقهم على ذلك دليل على أن اللام همزة " ، واختلف القائلون بترك الهمز في نبيء ، فمنهم من اشتق النبي من همز ثم سهل الهمز ، ومنهم من قال : هو مشتق من نبا ينبو إذا ظهر ، فالنبي الطريق الظاهر ، وكان النبي من عند الله طريق الهدى والنجاة ، وقال الشاعر : [ البسيط ] . @ لما وردنا نبياً واستتبّ بنا مسحنفر كخطوط السيح منسحل @@ واستدلوا بأن الأغلب في جمع أنبياء كفعيل في المعتل ، نحو ولي وأولياء وصفي وأصفياء ، وحكى الزهراوي أنه يقول نبوء إذا ظهر فهو نبيء ، والطريق الظاهر نبيء بالهمز ، وروي أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم : السلام عليك يا نبيء الله ، وهمز ، فقال له النبي صلى عليه السلام : لست بنبيء الله ، وهمز ، ولكني نبيّ الله ، ولم يهمز . قال أبو علي : " ضعف سند هذا الحديث ، ومما يقوي ضعفه أنه صلى الله عليه وسلم ، قد أنشده المادح يا خاتم النبآء ولم يؤثر في ذلك إنكار ، والجمع كالواحد " . وقوله تعالى : { بغير الحق } تعظيم للشنعة والذنب الذي أتوه ، ومعلوم أنه لا يقتل نبي بحق ، ولكن من حيث قد يتخيل متخيل لذلك وجهاً ، فصرح قوله : { بغير الحق } عن شنعة الذنب ووضوحه ، ولم يجترم قط نبي ما يوجب قتله ، وإنما أتاح الله تعالى من أتاح منهم . وسلط عليه ، كرامة لهم ، وزيادة في منازلهم ، كمثل من يقتل في سبيل الله من المؤمنين ، قال ابن عباس وغيره : " لم يقتل قط من الأنبياء إلا من لم يؤمر بقتال ، وكل من أمر بقتال نصر " . وقوله تعالى : { ذلك } رد على الأول وتاكيد للإشارة إليه ، والباء في { بما } باء السبب ، و { يعتقدون } معناه : يتجاوزون الحدود ، والاعتداء تجاوز الحد في كل شيء ، وعرفه في الظلم والمعاصي .