Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 79-82)
Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ الذين } في هذه الآية يراد بهم الأحبار والرؤساء ، قال الخليل : الويل شدة الشر ، وقال الأصمعي : الويل القبوح وهو مصدر لا فعل له ، ويجمع على ويلات ، والأحسن فيه إذا انفصل الرفع ، لأنه يقتضي الوقوع ، ويصح النصب على معنى الدعاء أي ألزمه الله ويلاً ، وويل وويح وويس وويب تتقارب في المعنى ، وقد فرق بينها قوم ، وروى سفيان وعطاء بن يسار أن الويل في هذه الآية : واد يجري بفناء جهنم من صديد أهل النار ، وروى أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه وادٍ في جهنم بين جبلين يهوي فيه الهاوي أربعين خريفاً ، وقال أبو عياض : إنه صهريج في جهنم ، وروى عثمان بن عفان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جبل من جبال النار . وحكى الزهراوي عن آخرين أنه باب من أبواب جهنم ، و { الذين يكتبون } : هم الأحبار الذين بدلوا التوراة . وقوله تعالى : { بأيديهم } بيان لجرمهم وإثبات لمجاهرتهم الله ، وفرق بين من كتب وبين من أمر ، إذ المتولي للفعل أشد مواقعة ممن لم يتوله ، وإن كان رأياً له ، وقال ابن السراج : هو كناية عن أنه من تلقائهم دون أن ينزل عليهم ، وإن لم تكن حقيقة في كتب أيديهم ، والذي بدلوا هو صفة النبي صلى الله عليه وسلم ليستديموا رياستهم ومكاسبهم ، وقال ابن إسحاق : كانت صفته في التوراة أسمر ربعة ، فردوه آدم طويلاً ، وذكر السدي أنهم كانوا يكتبون كتباً يبدلون فيها صفة النبي صلى الله عليه وسلم ويبيعونها من الأعراب ويبثونها في أتباعهم ويقولون هي من عند الله ، وتناسق هذه الآية على التي قبلها يعطي أن هذا الكتب والتبديل إنما هو للأتباع الأميين الذين لا يعلمون إلا ما قرىء لهم . والثمن قيل عرض الدنيا ، وقيل الرشا والمآكل التي كانت لهم ، ووصفه بالقلة إما لفنائه وإما لكونه حراماً ، وكرر الويل لتكرار الحالات التي استحقوه بها ، { يكسبون } معناه من المعاصي والخطايا ، وقيل من المال الذي تضمنه ذكر الثمن . وقوله تعالى : { وقالوا لن تمسَّنا النارُ } الآية ، روى ابن زيد وغيره أن سببها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لليهود من أهل النار ؟ فقالوا : نحن ثم تخلفوننا أنتم ، فقال لهم : كذبتم لقد علمتم أنا لا نخلفكم ، فنزلت هذه الآية ، ويقال إن السبب أن اليهود قالت : إن الله تعالى أقسم أن يدخلهم النار أربعين يوماً عدد عبادتهم العجل ، قاله ابن عباس وقتادة ، وقالت طائفة : قالت اليهود إن في التوراة أن طول جهنم مسيرة أربعين سنة وأنهم يقطعون في كل يوم سنة حتى يكملوها وتذهب جهنم ، وقال ابن عباس أيضاً ومجاهد وابن جريج : إنهم قالوا إن مدة الدنيا سبعة آلاف سنة وإن الله تعالى يعذبهم بكل ألف سنة يوماً . و { اتخذتمْ } أصله " ايتخذتم " ، وزنه افتعلتم من الأخذ ، سهلت الهمزة الثانية لامتناع جمع همزتين فجاء " ايتخذتم " فاضطربت الياء في التصريف فجاءت ألفاً في ياتخذوا وواواً في " موتخذ " فبدلت بحرف جلد ثابت وهو التاء وأدغمت ، فلما دخلت في هذه الآية ألف التقرير استغني عن ألف الوصل ، ومذهب أبي علي أن { اتخذتم } من " تخذ " لا من " أخذ " وقد تقدم ذكر ذلك . وقال أهل التفسير : العهد من الله تعالى في هذه الآية الميثاق والوعد ، وقال ابن عباس وغيره : معناه هل قلتم لا إله إلا الله وآمنتم وأطعتم فتدلون بذلك وتعلمون أنكم خارجون من النار ؟ ، فعلى هذا التأويل الأول يجيء المعنى : هل عاهدكم الله على هذا الذي تدعون ؟ وعلى التأويل الثاني يجيء : هل أسلفتم عند الله أعمالاً توجب ما تدعون ؟ ، وقوله { فلن يخلف الله عهده } اعتراض أثناء الكلام . و { بلى } رد بعد النفي بمنزلة نعم بعد الإيجاب ، وقال الكوفيون : أصلها بل التي هل للإضراب عن الأول وزيدت عليها الياء ليحسن الوقف عليها وضمنت الياء معنى الإيجاب والإنعام بما يأتي بعدها ، وقال سيبويه : هي حرف مثل بل وغيره ، وهي في هذه الآية رد لقول بني إسرائيل { لن تمسنا النار } فرد الله عليهم وبين الخلود في النار والجنة بحسب الكفر والإيمان ، و { من } شرط في موضع رفع بالابتداء ، و " أولئك " ابتداء ثان ، و { أصحاب } خبره ، والجملة خبر الأول ، والفاء موطئة أن تكون الجملة جواب الشرط . وقالت طائفة : السيئة الشرك كقوله تعالى { ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار } [ النمل : 90 ] ، والخطيئات كبائر الذنوب ، وقال قوم : " خطيئته " بالإفراد ، وقال قوم : السيئةُ هنا الكبائر ، وأفردها وهي بمعنى الجمع لما كانت تدل على الجنس ، كقوله تعالى { وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها } [ إبراهيم : 34 ] ، والخطيئة الكفر ، ولفظة الإحاطة تقوي هذا القول وهي مأخوذة من الحائط المحدق بالشيء ، وقال الربيع بن خيثم والأعمش والسدي وغيرهم : معنى الآية مات بذنوب لم يتب منها ، وقال الربيع أيضاً : المعنى مات على كفره ، وقال الحسن بن أبي الحسن والسدي : المعنى كل ما توعد الله عليه بالنار فهي الخطيئة المحيطة ، والخلود في هذه الآية على الإطلاق والتأبيد في المشركين ، ومستعار بمعنى الطول والدوام في العصاة وإن علم انقطاعه ، كما يقال ملك خالد ويدعى للملك بالخلد . وقوله تعالى : { والذين آمنوا } الآية . يدل هذا التقسيم على أن قوله { من كسب سيئة } الآية في الكفار لا في العصاة ، ويدل على ذلك أيضاً قوله : { أحاطت } لأن العاصي مؤمن فلم تحط به خطيئته ، ويدل على ذلك أيضاً أن الرد كان على كفار ادعوا أن النار لا تمسهم إلا أياماً معدودة فهم المراد بالخلود ، والله أعلم .