Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 96-99)

Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

" وجد " في هذا المعنى تتعدى إلى مفعولين لأنها من أفعال النفس ، ولذلك صح تعديها إلى ضمير المتكلم في قول الشاعر : @ تَلَفَّتُّ نحو الحيِّ حتَّى وجدتُني وَجِعْتُ من الإصغاءِ لِيتاً وأخدعا @@ وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الضب : " إنه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه " ، وحرصهم على الحياة لمعرفتهم بذنوبهم وأن لا خير لهم عند الله تعالى . وقوله تعالى : { ومن الذين أشركوا } قيل المعنى وأحرص من الذين أشركوا ، لأن مشركي العرب لا يعرفون إلا هذه الحياة الدنيا ، ألا ترى إلى قول امرىء القيس [ الطويل ] : @ تمتّعْ من الدنيا فإنك فان @@ والضمير في { أحدهم } يعود في هذا القول على اليهود ، وقيل إن الكلام تم في قوله { حياة } ، ثم استؤنف الإخبار عن طائفة من المشركين أنهم { يود أحدهم } وهي المجوس ، لأن تشميتهم للعاطس لفظ بلغتهم معناه " عِشْ ألف سنة " فكأن الكلام : ومن المشركين قوم { يود أحدهم } ، وفي هذا القول تشبيه بني إسرئيل بهذه الفرقة من المشركين ، وقصد " الألف " بالذكر لأنها نهاية العقد في الحساب . وقوله تعالى : { وما هو بمزحزحه } : اختلف النحاة في { هو } ، فقيل هو ضمير الأحد المتقدم الذكر ، فالتقدير وما أحدهم بمزحزحه وخبر الابتداء في المجرور ، و { أن يعمر } فاعل بمزحزح ، وقالت فرقة هو ضمير التعمير ، والتقدير وما التعمير بمزحزحه والخبر في المجرور ، و { أن يعمر } بدل من التعمير في هذا القول ، وقالت فرقة { هو } ضمير الأمر والشأن ، وقد رد هذا القول بما حفظ عن النحاة من أن الأمر والشأن إنما يفسر بجملة سالمة من حرف جر ، وقد جوز أبو علي ذلك في بعض مسائله الحلبيات ، وحكى الطبري عن فرقة أنها قالت هو عماد ، وقيل { ما } عاملة حجازية و { هو } اسمها والخبر في { بمزحزحه } ، والزحزحة الإبعاد والتنحية . وفي قوله { والله بصير بما يعملون } وعيد ، والجمهور على قراءة " يعملون " بالياء من أسفل ، وقرأ قتادة والأعرج ويعقوب " تعملون " بالتاء من فوق ، وهذا على الرجوع إلى خطاب المتوعدين من بني إسرائيل . وقوله تعالى : { قل من كان عدواً لجبريل } الآية : نزل على سبب لم يتقدم له ذكر فيما مضى من الآيات ، ولكن أجمع أهل التفسير أن اليهود قالت : جبريل عدونا ، واختلف في كيفية ذلك ، فقيل إن يهود فدك قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : نسألك عن أربعة أشياء فإن عرفتها اتبعناك ، فسألوه عما حرم إسرائيل على نفسه ، فقال : لحوم الإبل وألبانها ، وسألوه عن الشبه في الولد ، فقال : أي ماء علا كان الشبه له ، وسألوه عن نومه ، فقال : تنام عيني ولا ينام قلبي ، وسألوه عمن يجيئه من الملائكة ، فقال : جبريل ، فلما ذكره قالوا ذاك عدونا ، لأنه ملك الحرب والشدائد والجدب ، ولو كان الذي يجيئك ميكائيل ملك الرحمة والخصب والأمطار لاتبعناك ، وقيل إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يتكرر على بيت المدراس فاستحلفهم يوماً بالذي أنزل التوراة على موسى بطور سيناء أتعلمون أن محمداً نبي ؟ قالوا نعم ، قال : فلم تهلكون في تكذبيه ، قالوا : صاحبه جبريل وهو عدونا ، وذكر أنهم قالوا سبب عداوتهم له أنه حمى بختنصر حين بعثوا إليه قبل أن يملك من يقتله ، فنزلت هذه الآية لقولهم . وفي جبريل لغات : " جِبرِيل " بكسر الجيم والراء من غير همز ، وبها قرأ نافع ، و " جَبرِيل " بفتح الجيم وكسر الراء من غير همز ، وبها قرأ ابن كثير ، وروي عنه أنه قال : " رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم وهو يقرأ جبريل وميكال فلا أزال أقرؤهما أبداً كذلك " ، وجَبرَيل بفتح الجيم والراء وهمزة بين الراء واللام وبها قرأ عاصم ، و " جَبرَءيل " بفتح الجيم والراء وهمزة بعد الراء وياء بين الهمزة واللام ، وبها قرأ حمزة والكسائي وحكاها الكسائي عن عاصم ، " وجبرائل " بألف بعد الراء ثم همزة وبها قرأ عكرمة ، و " جبرائيل " بزيادة ياء بعد الهمزة ، و " جبراييل " بياءين وبها قرأ الأعمش ، و " جَبرَئلّ " بفتح الجيم والراء وهمزة ولام مشددة ، وبها قرأ يحيى ابن يعمر ، و " جبرال " لغة فيه ، و " جِبرِين " بكسر الجيم والراء وياء ونون ، قال الطبري : " هي لغة بني أسد " ولم يقرأ بها ، و " جبريل " اسم أعجمي عربته العرب فلها فيه هذه اللغات ، فبعضها هي موجودة في أبنية العرب ، وتلك أدخل في التعريب كجبريل الذي هو كقنديل ، وبعضها خارجة عن أبنية العرب فذلك كمثل ما عربته العرب ولم تدخله في بناء كإبريسم وفرند وآجر ونحوه . وذكر ابن عباس رضي الله عنه وغيره أن " جبر " و " ميك " و " سراف " هي كلها بالأعجمية بمعنى عبد ومملوك ، وإيل اسم الله تعالى ، ويقال فيه إلّ ، ومنه قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه حين سمع سجع مسيلمة : هذا كلام لم يخرج من إلّ . وقوله تعالى : { فإنه نزّله على قلبك } الضمير في { فإنه } عائد على الله عز وجل ، والضمير في { نزّله } عائد على جبريل صلى الله عليه وسلم ، والمعنى بالقرآن وسائر الوحي ، وقيل : الضمير في " إنه " عائد على جبريل وفي { نزله } على القرآن ، وخص القلب بالذكر لأنه موضع العقل والعلم وتلقي المعارف ، وجاءت المخاطبة بالكاف في { قلبك } اتساعاً في العبارة إذ ليس ثم من يخاطبه النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الكاف ، وإنما يجيء قوله : فإنه نزله على قلبي ، لكن حسن هذا إذ يحسن في الكلام العرب أن تحرز اللفظ الذي يقوله المأمور بالقول ويحسن أن تقصد المعنى الذي يقوله فتسرده مخاطبة له ، كما تقول لرجل : قل لقومك لا يهينوك ، فكذلك هي الآية ، ونحو من هذا قول الفرزدق [ الطويل ] @ ألم تَرَ أنّي يوم جو سويقة بكيت فنادتْني هنيدةُ ما ليا @@ فأحرز المعنى ونكب عن نداء هنيدة " ما لك " ، و { بإذن الله } معناه : بعلمه وتمكينه إياه من هذه المنزلة ، و { مصدقاً } حال من ضمير القرآن في { نزله } و { ما بين يديه } : ما تقدمه من كتب الله تعالى ، { هدى } إرشاد ، والبشرى : أكثر استعمالها في الخير ، ولا تجيء في الشر إلا مقيدة به ، ومقصد هذه الآية : تشريف جبريل صلى الله عليه وسلم وذم معاديه . وقوله تعالى : { من كان عدواً لله } الآية وعيد وذم لمعادي جبريل عليه السلام ، وإعلام أن عداوة البعض تقتضي عداوة الله لهم ، وعداوة العبد لله هي معصيته واجتناب طاعته ومعاداة أوليائه ، وعداوة الله للعبد تعذيبه وإظهار أثر العداوة عليه ، وذكر جبريل وميكائيل وقد كان ذكر الملائكة عمهما تشريفاً لهما ، وقيل خصا لأن اليهود ذكروهما ونزلت الآية بسببهما ، فذكرهما واجب لئلا تقول اليهود إنا لم نعاد الله وجميع ملائكته ، وقرأ نافع " ميكائل " بهمزة دون ياء ، وقرأ بها ابن كثير في بعض ما روي عنه ، وقرأ ابن عامر وابن كثير أيضاً وحمزة والكسائي ، " ميكائيل " بياء بعد الهمزة ، وقرأ أبو عمرو وعاصم " ميكال " ، ورويت عن ابن كثير منذ رآها في النوم كما ذكرنا ، وقرأ ابن محيصن " ميكئل " بهمزة دون ألف ، وقرأ الأعمش " ميكاييل " بياءين ، وظهر الاسم في قوله : { فإن الله } لئلا يشكل عود الضمير ، وجاءت العبارة بعموم الكافرين لأن عود الضمير على من يشكل سواء أفردته أو جمعته ، ولو لم نبال بالاشكال وقلنا المعنى يدل السامع على المقصد للزم تعيين قوم بعداوة الله لهم ، ويحتمل أن الله تعالى قد علم أن بعضهم يؤمن فلا ينبغي أن تطلق عليه عداوة الله للمآل . وروي أن رجلاً من اليهود لقي عمر بن الخطاب فقال له : أرأيت جبريل الذي يزعم صاحبك أنه يجيئه ذلك عدونا ، فقال له عمر رضي الله عنه : { من كان عدواً لله } إلى آخر الآية ، فنزلت على لسان عمر رضي الله عنه . قال القاضي أبو محمد رحمه الله وهذا الخبر يضعف من جهة معناه . وقوله تعالى : { ولقد أنزلنا إليك آيات بينات } ، ذكر الطبري أن ابن صوريا قال للنبي صلى الله عليه وسلم : يا محمد ما جئت بآية بينة ؟ فنزلت هذه الآية . و { الفاسقون } هنا الخارجون عن الإيمان ، فهو فسق الكفر ، والتقدير : { ما يكفر بها } أحد { إلا الفاسقون } ، لأن الإيجاب لا يأتي إلا بعد تمام جملة النفي .