Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 24, Ayat: 1-2)
Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { سورة } قرأ الجمهور ، " سورةٌ " بالرفع ، وقرأ عيسى بن عمر ومجاهد " سورةً " بالنصب ، وروي ذلك أيضاً عن عمر بن عبد العزيز وعن أبي الدرداء ، فوجه الرفع خبر ابتداء مضمر تقديره هذه سورة ، أو ابتداء وخبره مقدم تقديره فيما يتلى عليكم ، ويحتمل أن يكون قوله " سورة " ابتداء وما بعدها صفة لها أخرجتها عن حد النكرة المحضة ، فحسن الابتداء لذلك ويكون الخبر في قوله : { الزانية } وفيما بعد ذلك ، والمعنى السورة المنزلة المفروضة كذا وكذا ، إذ السورة عبارة عن آيات مسرودة لها بدء وختم ولكن يلحق هذا القول : إن كون الابتداء هو الخبر ليس بالبين إلا أن نقدر الخبر في السورة بأسرها وهذا بعيد في القياس ، وقول الشاعر " فارس ما تركوه " ، ووجه النصب إضمار فعل قدره بعضهم اتلوا سورة أو نحوه ، وجعله بعضهم أنزلنا { سورة أنزلناها } ، وقال الفراء : هي حال من الهاء والألف والحال من المكنى يجوز أن يتقدم عليه ، وقرأ جمهور الناس : " وفرضناها " بتخفيف الراء ، ومعناه الإثبات والإيجاب بأبلغ وجوهه إذ هو مشبه بالفرض في الأجرام ، وقرأ مجاهد وغيره وأبو عمرو وابن كثير وعمر بن عبد العزيز وابن مسعود : " وفرّضناها " بشد الراء ومعناه جعلناها فرائض فرائض ، فمن حيث تردد ذلك ضعّف الفعل للمبالغة والتكثير ، وقرأ الأعمش " وفرضناها لكم " ، وحكى الزهراوي عن بعض العلماء أنه قال كل ما في السورة من أمر ونهي فرض لا حض بهذه اللفظة ، و " الآيات البينات " أمثالها ومواعظها وأحكامها ، وقال الزهراوي المعنى ليس فيها مشكل تأويلها موافق لظاهرها . قال القاضي أبو محمد : وهذا تحكم ، وقوله { لعلكم } أي على توقع البشر ورجائهم ، وقرأ جمهور الناس " الزانيةُ " بالرفع ، وقرأ عيسى الثقفي " الزانيةَ " بالنصب وهو أوجه عند سيبويه لأنه عنده كقولك زيداً أضرب ، ووجه الرفع عنده خبر ابتداء تقديره فيما يتلى عليكم { الزانية والزاني } ، وأجمع الناس على الرفع ، وإن كان القياس عند سيبويه النصب ، وأما الفراء والمبرد والزجاج فإن الرفع عندهم هو الأوجه والخبر في قوله { فاجلدوا } لأن المعنى { الزانية والزاني } مجلودان بحكم الله تعالى وهذا قول جيد وهو قول أكثر النحاة ، وان شئت قدرت الخبر ينبغي أن يجلدا ، وقرأ ابن مسعود " والزان " بغير ياء ، وقدمت { الزانية } في اللفظ من حيث كان في ذلك الزمن زنى النساء أفشى وكان لأمراء العرب وبغايا الوقت رايات وكن مجاهرات بذلك وإذا العار بالنساء ألحق إذ موضعهن الحجبة والصيانة ، فقدم ذكرهن تغليظاً واهتماماً ، والألف واللام في قوله : { الزانية والزاني } للجنس وذلك يعطي أنها عامة في جميع الزناة وهذه الآية باتفاق ناسخة لآية الحبس وآية الأذى اللتين في سورة النساء ، وجماعة العلماء على عموم هذه الآية وأن حكم المحصنين منسوخ منها ، واختلفوا في الناسخ فقالت فرقة الناسخ السنة المتواترة في الرجم ، وقالت فرقة بل القرآن الذي ارتفع لفظه وبقي حكمه وهو الذي قرأه عمر في المنبر بمحضر الصحابة : " الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة " ، وقال إنا قرأناه في كتاب الله ، واتفق الجميع على أن لفظه رفع وبقي حكمه ، وقال الحسن بن أبي الحسن وابن راهويه ليس في هذه الآية نسخ بل سنة الرجم جاءت بزيادة ، فالمحصن ، على رأي هذه الفرقة يجلد ثم يرجم ، وهو قول علي بن أبي طالب وفعله بشراحة ودليلهم قول النبي صلى الله عليه وسلم " والثيب بالثيب جلد مائة والرجم " ، ويرد عليهم فعل النبي صلى الله عليه وسلم حيث يرجم ولم يجلد ، وبه قال جمهور الأمة إذ فعله كقوله رفع الجلد عن المحصن وقال ابن سلام وغيره هذه الآية خاصة في البكرين . قال الفقيه الإمام القاضي : لإنه لم يبق من هذا حكمه إلا البكران واستدلوا على ذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم " البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام " ، وبقوله " على ابنك جلد مائة " ، واستدلوا على أنها غير عامة بخروج الإماء والعبيد وغيرهم منها ، وقد تقدم بسط كثير من هذه المعاني في سورة النساء ، و " الجلد " يكون والمجلود قاعد ، عند مالك ولا يجزىء عنده إلا في الظهر ، وأصحاب الرأي والشافعي يرون أن يجلد الرجل وهو واقف وهو قول علي بن أبي طالب ويفرق الضرب على كل الأعضاء ، وأشار ابن عمر بالضرب إلى رجلي أمة جلدها في الزنى والإجماع في تسليم الوجه والعورة والمقاتل ، ويترجح قول مالك رحمه الله بقول النبي صلى الله عليه وسلم " البينة أو حد في ظهرك " ، وقول عمر : أو لأوجعن مثناك ، ويعرى الرجل عند مالك والنخعي وأبي عبيدة بن الجراح وابن مسعود وعمر بن عبدالعزيز والحسن والشعبي وغيرهم يرون أن يضرب على قميص وهو قول عثمان ابن مسعود أيضاً ، وأما المرأة فتستر قولاً واحداً ، وقرأ الجمهور " رأْفة " همزة ساكنة على وزن فعلة ، وقرأ ابن كثير " رأَفة " على وزن فعَله بفتح العين ، وقرأ عاصم أيضاً " رآفة " على وزن فعالة كسآمة وكآبة ، وهذه مصادر أشهرها الأولى من رأف إذا أرق ورحم ، وقرأ الجمهور " تأخذكم " بالتاء من فوق ، وقرأ أبو عبد الرحمن " يأخذكم " بالياء من تحت واختلف الناس في الرأفة المنهي عنها فيم هي فقال أبو مجلز ولاحق بن حميد ومجاهد وعكرمة وعطاء هي في إسقاط الحد أي أقيموه ، ولا بد وهذا تأويل ابن عمر وابن جبير وغيرهما ومن رأيهم أن الضرب في الزنا والفرية والخمر على نحو واحد ، وقال قتادة وابن المسيب وغيرهما " الرأفة " المنهي عنها هي في تخفيف الضرب عن الزناة ، ومن رأيهم أن يخفف ضرب الخمر والفرية ، ويشتد ضرب الزنا ، وقال سليمان بي يسار نهي عن الرأفة في الوجهين ، وقال أبو مجلز إنا لنرجم المحدود ولكن لا نسقط الحد . قال الفقيه الإمام القاضي : وقول النبي عليه السلام في السوط دون هذا ، ضرب من الرأفة وقال عمر اضرب ولا تبدين إبطك ، واتفق الناس على أن الضرب سوط بين سوطين ، وقال الزهري ضرب الزنا والفرية مشدد لأَنهما بمعنى واحد وضرب الخمر مخفف ، وقوله { في دين الله } بمعنى في الإخلال بدين الله أَي بشرعه ، ويحتمل أن يكون " الدين " هنا بمعنى الحكم ، ثم قررهم على معنى التثبيت والحض بقوله : { إن كنتم تؤمنون بالله } وهذا كما تقول لرجل تحضه إن كنت رجلاً فافعل كذا أي هذه أفعال الرجال وقوله { وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين } ، المقصد بالآية الإغلاظ على الزناة والتوبيخ بحضرة الناس ، فلا خلاف أن " الطائفة " كلما كثرت فهو أليق بامتثال الأمر ، واختلف الناس في أَقل ما يجزىء فقال الحسن بن أبي الحسن لا بد من حضور عشرة رأى أن هذا العدد عقد خارج عن الآحاد وهي أقل الكثرة . وقال ابن زيد وغيره لا بد من حضور أربعة ، ورأوا أن شهادة الزنا كذلك وأن هذا باب منه ، وقال الزهري " الطائفة " ثلاثة فصاعداً ، وقال عطاء وعكرمة لا بد من اثنين وهذا مشهور قول مالك فرآها موضع شهادة ، وقال مجاهد : يجزىء الواحد ويسمى طائفة إلى الألف ، وقاله ابن عباس ونزعا بقوله تعالى : { فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة } [ التوبة : 122 ] ، وقوله : { وإن طائفتان } [ الحجرات : 9 ] ونزلت في تقاتل رجلين ، واختلف العلماء في التغريب ، وقد غرب الصديق إلى فدك وهو رأي عمر وعثمان وعلي وأبي ذر وابن مسعود وأَبي بن كعب ولكن عمر بعد نفى رجلاً فلحق بالروم فقال لا أنفي أحداً بعدها ، وفيه عن مالك قولان ، ولا يرى تغريب النساء والعبيد واحتج بقوله عليه السلام " لا تسافر المرأة مسيرة يوم إلا مع ذي محرم " ، وممن أبى التغريب جملة أصحاب الرأي ، وقال الشافعي ينفى البكر رجلاً كان أو امرأة ونفى علي امرأة إلى البصرة .