Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 108-110)

Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الإشارة بتلك إلى هذه الآيات المتقدمة المتضمنة تعذيب الكفار وتنعيم المؤمنين ، ولما كان فيها ذكر التعذيب ، أخبر تعالى : أنه لا يريد أن يقع منه ظلم لأحد من العباد ، وإذا لم يرد ذلك فلا يوجد البتة ، لأنه لا يقع من شيء إلا ما يريد تعالى ، وقوله تعالى : { بالحق } معناه : الإخبار الحق ، ويحتمل أن يكون المعنى : { نتلوها عليك } مضمنة الأفاعيل التي هي " حق " في أنفسها ، من كرامة قوم ، وتعذيب آخرين ، وقرأ أبو نهيك : " يتلوها " بالياء ، وجاء الإعلام بأنه تعالى لا يريد ظلماً في حكمه ، فإذا لا يوجد . ولما كان للذهن أن يقف هنا في الوجه الذي به خص الله قوماً بعمل يرحمهم من أجله ، وآخرين بعمل يعذبهم عليه ، ذكر تعالى الحجة القاطعة في ملكه جميع المخلوقات ، وأن " الحق " لا يعترض عليه ، وذلك في قوله ، { ولله ما في السموات وما في الأرض } الآية ، وقال : { ما } ولم يقل " من " من حيث هي جمل وأجناس ، وذكر الطبري : أن بعض البصريين نظر قوله تعالى : { وإلى الله } فأظهر الاسم ، ولم يقل إليه بقول الشاعر : @ لا أرى الموتَ يسبقُ الموتَ شيءٌ نَغَّصَ الموتُ ذا الغنى والْفَقيرا @@ وما جرى مجراه ، وقاله الزجّاج ، وحكي أن العرب تفعل ذلك إرادة تفخيم الكلام والتنبيه على عظم المعنى . قال القاضي أبو محمد : والآية تشبه البيت في قصد فخامة النظم ، وتفارقه من حيث الآية جملتان مفترقتان في المعنى ، فلو تكررت جمل كثيرة على هذا الحد لحسن فيها كلها إظهار الاسم ، وليس التعرض بالضمير في ذلك بعرف ، وأما البيت وما أشبهه فالضمير فيه هو العرف ، إذ الكلام في معنى واحد ، ولا يجوز إظهار الاسم إلا في المعاني الفخمة في النفوس من التي يؤمن فيها اللبس على السامع ، وقرأ بعض السبعة ، " تَرجع الأمور " بفتح التاء على بناء الفعل للفاعل ، وقد تقدم ذكر ذلك . واختلف المتأولون في معنى قوله : { كنتم خير أمة أخرجت للناس } فقال عمر بن الخطاب : هذه لأولنا ، ولا تكون لآخرنا وقال عكرمة : نزلت في ابن مسعود وسالم ومولى أبي حذيفة وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل . قال القاضي أبو محمد : يريد من شاكلهم ، وقال ابن عباس رضي الله عنهما : نزلت في الذين هاجروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة . قال القاضي : فهذا كله قول واحد ، مقتضاه أن الآية نزلت في الصحابة ، قيل لهم { كنتم خير أمة } ، فالإشارة بقوله { أمة } إلى أمة محمد معينة ، فإن هؤلاء هم خيرها ، وقال الحسن بن أبي الحسن وجماعة من أهل العلم : معنى الآية ، خطاب الأمة بأنهم { خير أمة أخرجت للناس } ، فلفظ { أمة } ، على هذا التأويل اسم جنس كأنه قيل لهم كنتم خير الأمم ، ويؤيد هذا التأويل كونهم شهداء على الناس ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : " نحن الآخرون السابقون " الحديث . وروى بهز بن حكيم عن أبيه عن جده : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوماً وهو مسند ظهره إلى الكعبة ، " نحن نكمل يوم القيامة سبعين أمة نحن آخرها وخيرها " قال مجاهد : معنى الآية " كنتم خير الناس " - وقال الحسن : نحن آخرها وأكرمها على الله تعالى ، وقال أبو هريرة رضي الله عنه : معنى الآية كنتم للناس خير الناس . قال القاضي أبو محمد : { فأمة } على هذا التأويل ، اسم جنس ، قال أبو هريرة : يجيئون بالكفار في السلاسل فيدخلونهم في الإسلام . قال القاضي : ولم يبعث نبي إلى الأمم كافة إلا محمد صلى الله عليه وسلم ، فهو وأمته يدعون إلى الإيمان ويقاتلون العالم عليه ، فهم خير الناس للناس ، وليس يلزم على هذا التأويل أنها أفضل الأمم من نفس لفظ الآية ، لكن يعلم هذا من لفظ آخر ، وهي كقوله صلى الله عليه وسلم : أرأف أمتي بأمتي أبو بكر ، فليس يقتضي هذا اللفظ أن أبا بكر أرأف الناس على الإطلاق ، في مؤمن وكافر . قال القاضي : والرأفة على الإطلاق ليست بجارية مع الشرع كما يجب ، وأما قوله ، { كنتم } على صيغة المضي ، فإنها التي بمعنى الدوام ، كما قال : { وكان الله غفوراً رحيماً } [ النساء : 96 - 99 - 100 - 152 ، الفرقان : 70 ، الأحزاب : 5 - 50 - 59 - 73 ، الفتح : 14 ] ، إلى غير هذا من الأمثلة ، وقال قوم : المعنى كنتم في علم الله ، وقيل : في اللوح المحفوظ ، وقيل فيما أخبر به الأمم قديماً عنكم و { خير } على هذه الأقوال كلها خبر كان ، ويحتمل أن تكون كان التامة ، ويكون { خير أمة } نصباً على الحال ، وهذا يتجه على بعض التأويلات التي ذكرناها دون بعض . قال القاضي : وهذه الخيرية التي فرضها الله لهذه الأمة إنما يأخذ بحظه منها من عمل هذه الشروط من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإيمان بالله ، وقوله : { تأمرون بالمعروف } وما بعده ، أحوال في موضع نصب ، ثم أخبر تعالى عن أهل الكتاب على جهة التوبيخ المقرون بالنصح ، أنهم لو آمنوا لنحّوا أنفسهم من عذاب الله ، وجاءت لفظة { خير } في هذه الآية وهي صيغة تفضيل ، ولا مشاركة بين كفرهم وإيمانهم في الخير ، وإنما جاز ذلك لما في لفظة { خير } من الشياع وتشعب الوجوه ، وكذلك هي لفظة أفضل وأحب وما جرى مجراها ، وقد بيّن هذا المعنى في غير هذا الموضع بأوعب من هذا ، وقوله تعالى : { منهم المؤمنون } تنبيه على حال عبد الله بن سلام وأخيه وثعلبة بن سعية وغيرهم ممن آمن ، ثم حكم الله على أكثرهم بالفسق في كفره لأنهم حرفوا وبدلوا وعاندوا بعد معرفتهم بحقيقة أمر محمد صلى الله عليه وسلم ، فهم كفار فسقة في الكفر قد جمعوا المذمتين .