Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 120-120)
Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
" الحسنة والسيئة " في هذه الآية لفظ عام في كل ما يحسن ويسوء ، وما ذكر المفسرون من الخصب والجدب واجتماع المؤمنين ودخول الفرقة بينهم وغير ذلك من الأقوال ، فإنما هي أمثلة وليس ذلك باختلاف وذكر تعالى " المس في الحسنة " ليبين أن بأدنى طروء الحسنة تقع المساءة بنفوس هؤلاء المبغضين ، ثم عادل ذلك بالسيئة بلفظ الإصابة وهي عبارة عن التمكن ، لأن الشيء المصيب لشيء فهو متمكن منه أو فيه ، فدل هذا المنزع البلغ على شدة العداوة ، إذ هو حقد لا يذهب عند الشدائد ، بل يفرحون بنزول الشدائد بالمؤمنين ، وهكذا هي عداوة الحسد في الأغلب ، ولا سيما في مثل هذا الأمر الجسيم الذي هو ملاك الدنيا والآخرة وقد قال الشاعر : [ البسيط ] @ كلُّ العداوةِ قَدْ تُرجى إزالَتُها إلاّ عداوةَ مَنْ عَادَاكَ مِنْ حَسَدِ @@ ولما قرر تعالى هذا الحال لهؤلاء المذكورين ، ووجبت الآية أن يعتقدهم المؤمنون بهذه الصفة ، جاء قوله تعالى : { وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً } تسلية للمؤمنين وتقوية لنفوسهم ، وشرط ذلك بالصبر والتقوى ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع : " لا يضِرْكم " بكسر الضاد وجزم الراء وهو من ضار يضير بمعنى ضر يضر وهي لغة فصيحة ، وحكى الكسائي : ضار يضور ، ولم يقرأ على هذه اللغة ، ومن ضار يضير في كتاب الله { لا ضير } [ الشعراء : 50 ] ومنه قول أبي ذؤيب الهذلي : @ فَقِيلَ تَحْمَّلْ فَوْقَ طَوْقِكَ إنّها مُطَبَّعَةٌ مَنْ يأتِها لا يَضِيرُها @@ يصف مدينة ، والمعنى فليس يضيرها ، وفي هذا النفي المقدر بالفاء هو جواب الشرط ، ومن اللفظ قول توبة بن الحمير : @ وَقالَ أُنَاسٌ لا يُضِيرُكَ نَأْيُها بَلَى كلُّ ما شقَّ النُّفوسَ يَضِيرُها @@ وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي : " لا يضُرُّكم " بضم الضاد والراء والتشديد في الراء ، وهذا من ضر يضر ، وروي عن حمزة مثل قراءة أبي عمرو ، وأما إعراب هذه القراءة فجزم ، وضمت الراء للالتقاء ، وهو اختيار سيبويه في مثل هذا إتباعاً لضمة الضاد ، ويجوز فتح الراء وكسرها مع إرادة الجزم ، فأما الكسر فلا أعرفها قراءة ، وعبارة الزجّاج في هذا متجوز فيها ، إذ يظهر من درج كلامه أنها قراءة ، وأما فتح الراء من قوله " لا يضرَّكم " فقرأ به عاصم فيما رواه أبو زيد عن المفضل عنه ، ويجوز أيضاً أن يكون إعراب قوله ، " لا يضركم " ، رفعاً إما على تقدير ، فليس يضركم ، على نحو تقدم في بيت أبي ذؤيب ، وإما على نية التقدم على " وإن تصبروا " كما قال [ جرير بن عبد الله ] : [ الرجز ] @ يَا أقْرَعُ بْنَ حَابِسٍ يَا أَقْرَعُ إنَّكَ إنْ يُصْرَعْ أَخْوكَ تُصْرَعُ @@ المراد أنك تصرع ، وقرأ أبي بن كعب : " لا يضرركم " براءين وذلك على فك الإدغام وهي لغة أهل الحجاز وعليها قوله تعالى في الآية { إن تمسسكم } ولغة سائر العرب الإدغام في مثل هذا كله ، و " الكيد " الاحتيال بالأباطيل وقوله تعالى : { وأكيد كيداً } [ الطارق : 16 ] إنما هي تسمية العقوبة باسم الذنب ، وقوله تعالى : { إن الله بما يعملون محيط } وعيد ، والمعنى محيط جزاؤه وعقابه وبالقدر والسلطان ، وقرأ الحسن : " بما تعملون " بالتاء ، وهذا إما على توعد المؤمنين في اتخاذ هؤلاء بطانة ، وإما على توعد هؤلاء المنافقين بتقدير : قل لهم يا محمد .