Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 126-129)
Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الضمير في { جعله الله } عائد على الإنزال والإمداد ، و " البشرى " مصدر واللام في { ولتطمئن } متعلقة بفعل مضمر يدل عليه جعله ، ومعنى الآية : وما كان هذا الإمداد إلا لتستبشروا به وتطمئن به قلوبكم وتروا حفاية الله بكم ، وإلا فالكثرة لا تغني شيئاً إلا أن ينصر الله ، قوله : { وما النصر } يريد للمؤمنين ، وكذلك أيضاً هي الإدالة للكفار من عند الله . واللام في قوله تعالى : { ليقطع } متعلقة بقوله { وما النصر إلا من عند الله } وعلى هذا لا يكون قطع الطرف مختصاً بيوم ، اللهم إلا أن تكون الألف واللام في " النصر " للعهد ، وقيل : العامل فيه " ولقد نصركم " حكاه ابن فورك وهو قلق ، لأن قوله : { أو يكبتهم } لا يترتب عليه ، وقد يحتمل أن تكون اللام في قوله { ليقطع } متعلقة بـ { جعله } ، فيكون قطع الطرف إشارة إلى من قتل ببدر ، على ما قال الحسن وابن إسحاق وغيرهم ، أو إلى من قتل بأحد على من قال السدي ، وقتل من المشركين ببدر سبعون ، وقتل منهم يوم أحد اثنان وعشرون رجلاً ، وقال السدي : قتل منهم ثمانية عشرة والأول أصح ، و " الطرف " الفريق ، ومتى قتل المسلمون كفاراً في حرب فقد قطعوا { طرفاً } ، لأنه الذي وليهم من الكفار فكأن جميع الكفار رقعة وهؤلاء المقتولون طرف منها أي حاشية ، ويحتمل أن يكون قوله تعالى : { ليقطع طرفاً } بمنزلة ليقطع دابراً وقوله : { أو يكبتهم } معناه : أو يخزيهم ، والكبت الصرع لليدين ، وقال النقاش وغيره : التاء بدل من دال كبته أصله كبده أي فعل به يؤذي كبده ، وإذا نصر الله على أمة كافرة فلا بد من أحد هذين الوجهين ، إما أن يقتل منهم أو يخيبوا ، فذلك نوع من الهزم . وقوله تعالى : { ليس لك من الأمر شيء } توقيف على أن الأمر كله لله ، وهذا التوقيف يقتضي أنه كان بسبب من جهة النبي صلى الله عليه وسلم وروي في ذلك " أنه لما هزم أصحابه وشج في وجهه ، حتى دخلت بعض حلق الدرع في خده وكسرت رباعيته وارتث بالحجارة حتى صرع لجنبه ، تحيز عن الملحمة ، وجعل يمسح الدم من وجهه ويقول : لا يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم " ، هكذا لفظ الحديث من طريق أنس بن مالك ، وفي بعض الطرق ، وكيف يفلح ؟ وفي بعضها أن سالماً مولى أبي حذيفة كان يغسل الدم عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فأفاق وهو يقول : كيف بقوم فعلوا هذا بنبيهم وهو يدعوهم إلى الله ؟ فنزلت الآية : بسبب هذه المقالة . قال القاضي : وكأن النبي صلى الله عليه وسلم لحقه في تلك الحال يأس من فلاح كفار قريش ، فمالت نفسه إلى أن يستأصلهم الله ويريح منهم ، فروي أنه دعاء عليهم أو أستأذن في أن يدعو عليهم ، وروى ابن عمر وغيره : أنه دعا على أبي سفيان والحارث بن هشام وصفوان بن أمية باللعنة ، إلى غير هذا من معناه ، فقيل له بسبب ذلك ، { ليس لك من الأمر شيء } أي عواقب الأمور بيد الله ، فامض أنت لشأنك ودم على الدعاء إلى ربك ، قال الطبري وغيره من المفسرين : قوله : { أو يتوب عليهم } عطف على { يكبتهم } . قال القاضي : فقوله : { ليس لك من الأمر شيء } اعتراض أثناء الكلام ، وقوله : { أو يتوب } معناه : فيسلمون ، وقوله : { أو يعذبهم } معناه : في الآخرة بأن يوافوا على الكفر ، قال الطبري وغيره : ويحتمل أن يكون قوله { أو يتوب } بمعنى حتى يتوب أو إلى أن يتوب فيجيء بمنزلة قولك : لا أفارقك أو تقضيني حقي ، وكما تقول : لا يتم هذا الأمر أو يجيء فلان ، وقوله تعالى : { ليس لك من الأمر شيء } ليس باعتراض على هذا التأويل ، وإنما المعنى الإخبار لمحمد عليه السلام أنه ليس يتحصل له من أمر هؤلاء الكفار شيء يؤمله إلا أن يتوب عليهم فيسلموا ، فيرى محمد عليه السلام أحد أمليه فيهم ، أو يعذبهم الله بقتل في الدنيا ، أو بنار في الآخرة أو بهما ، فيرى محمد صلى الله عليه وسلم الأمل الآخر ، وعلى هذا التأويل فليس في قوله : { ليس لك من الأمر شيء } ردع كما هو في التأويل الأول ، وذلك التأويل الأول أقوى ، وقرأ أبي بن كعب ، " أو يتوبُ أو يعذبُ " ، برفع الباء فيهما ، المعنى : أو هو يتوب ، ثم قرر تعالى ظلم هؤلاء الكفار . ثم أكد معنى قوله { ليس لك من الأمر شيء } بالقول العام وذكر الحجة الساطعة في ذلك وهي ملكه الأشياء ، إذ ذلك مقتض أن يفعل بحق ملكه ما شاء ، لا اعتراض عليه ولا معقب لحكمه ، وذكر أن الغفران أو التعذيب إنما هو بمشيئته وحسب السابق في علمه ، ثم رجا في آخر ذلك تأنيساً للنفوس وجلباً لها إلى طاعته ، وذلك كله في قوله تعالى : { ولله ما في السموات وما في الأرض ، يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ، والله غفور رحيم } و { ما } في قوله { ما في السماوات وما في الأرض } ، إشارة إلى جملة العالم فلذلك حسنت { ما } ، وما ذكر في هذه الآية من أن هذه الآية ناسخة لدعاء النبي صلى الله عليه وسلم على المشركين كلام ضعيف كله ، وليس هذا من مواضع الناسخ والمنسوخ .