Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 142-143)
Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ أم } هي بمعنى الإضراب عن الكلام الأول والترك له ، وفيها لازم معنى الاستفهام ، فلذلك قدرها سيبويه ببل وألف الاستفهام ، و { حسبتم } معناه ظننتم . وهذه الآية وما بعدها تقريع وعتب لطوائف المؤمنين الذين وقعت منهم الهفوات المشهورة في يوم واحد ، وقوله : { ولما يعلم } نفي مؤكد وهو معادل لقول القائل : قد كان كذا ، فلما أكد هذا الخبر الموجب ، بقد ، أكد النفي المعادل له بلما ، وإذا قال القائل : كان كذا ، فمعادله لم يكن دون تأكيد في الوجهين ، قاله سيبويه : وقرأ جمهور الناس : بكسر الميم للالتقاء في قوله : { ولما يعلم } وقرأ يحيى بن وثاب وإبراهيم النخعي : " ولما يعلم " بفتح الميم إتباعاً لفتحة اللام ، وقرأ الجمهور " ويعلمَ " على النصب بإضمار - أن - عند البصريين ، وبواو الصرف عند الكوفيين وروي عن أبي عمرو بن العلاء أنه قرأ : " ويعلمُ " بالرفع على استئناف الفعل ، وقرأ الحسن بن أبي الحسن ويحيى بن يعمر وأبو حيوة وعمرو بن عبيد : " ويعلمِ " بكسر الميم جزماً معطوفاً على قوله { ولما يعلم } . ثم خاطب المؤمنين بقوله : { ولقد كنتم تمنون الموت } والسبب في ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج في غزوة بدر يريد عير قريش مبادراً فلم يوعب الناس معه ، إذ كان الظن أنه لا يلقى حرباً ، فلما قضى الله ببدر ما قضى وفاز حاضروها بالمنزلة الرفيعة ، كان المتخلفون من المؤمنين عنها يتمنون حضور قتال الكفار مع النبي صلى الله عليه وسلم ليكون منهم في ذلك غناء يلحقهم عند ربهم ونبيهم بمنزلة أهل بدر ، ولأنس بن النضر في ذلك كلام محفوظ ، فلما جاء أمر أحد - وحضر القتال لم يصدق كل المؤمنين ، فعاتبهم الله بهذه الآية وألزمهم تعالى تمني الموت من حيث تمنوا لقاء الرجال بالحديد ومضاربتهم به ، وهي حال في ضمنها في الأغلب الموت ، ولا يتمناها إلا من طابت نفسه بالموت ، فصار الموت كأنه المتمنى ، وإلا فنفس قتل المشرك للمسلم لا يجوز أن يتمنى من حيث هو قتل ، وإنما تتمنى لواحقه من الشهادة والتنعيم ، وقرأ الجمهور : " من قبل أن تلقوه " ، وقرأ الزهري وإبراهيم النخعي " من قبل أن تلاقوه " وهذه والأولى في المعنى سواء من حيث - لقي - معناه يتضمن أنه من اثنين وإن لم يكن على وزن فاعل ، وقرأ مجاهد " من قبلُ " بضم اللام وترك الإضافة ، وجعل { أن تلقوه } بدلاً من { الموت } ، وقوله تعالى : { فقد رأيتموه } يريد رأيتم أسبابه وهي الحرب المشتعلة والرجال بأيديهم السيوف ، وهذا كما قال عمير بن وهب يوم بدر : رأيت البلايا ، تحمل المنايا ، وكما قال الحارث بن هشام : [ الكامل ] @ وَوَجَدْتُ رِيحَ الْمَوْتِ مِنْ تِلْقَائِهِمْ في مَأْزقِ وَالْخَيْلُ لَمْ تتبددِ @@ يريد لقرب الأمر ، ونحو هذا قول عامر بن فهيرة : @ لقد رأيت الموت قبل ذوقه @@ يريد لما اشتد به المرض ، وقرأ طلحة بن مصرف " فلقد رأيتموه " ، وقوله تعالى : { وأنتم تنظرون } يحتمل ثلاثة معان : أحدها التأكيد للرؤية وإخراجها من الاشتراك الذي بين رؤية القلب ورؤية العين في اللفظ ، والآخر أن يكون المعنى وأنتم تنظرون في أسباب النجاة والفرار وفي أمر محمد عليه السلام هل قتل أم لا ؟ وذلك كله نقض لما كنتم عاهدتم الله عليه ، وحكى مكي عن قوم أنهم قالوا : المعنى : وأنتم تنظرون إلى محمد ، وهذا قول ضعيف ، إلا أن ينحى به إلى هذا القول الذي ذكرته أنه النظر في أمره هل قتل ؟ والاضطراب بحسب ذلك ، والمعنى الثالث أن يكون قد وقفهم على تمنيهم ومعاهدتهم ، وعلى أنهم رأوا ذلك الذي تمنوا ، ثم قال على جهة التوبيخ والعتب : { وأنتم تنظرون } في فعلكم الآن بعد انقضاء الحرب هل وفيتم أم خالفتم ؟ كأنه قال : وأنتم حسباء أنفسكم ، فتأملوا قبيح فعلكم وفي هذا التوبيخ على هذا الوجه ضرب جميع من الإبقاء والصون والاستدعاء ، قال ابن فورك : المعنى وأنتم تتأملون الحال في ذلك وتفكرون فيها كيف هي ؟ وهذا نحو ما تقدم .