Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 32, Ayat: 6-11)
Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قالت فرقة أراد بـ { الغيب } الآخرة ، وبـ { الشهادة } الدنيا ، وقيل أراد بـ { الغيب } ما غاب عن المخلوقين وبـ { الشهادة } ما شوهد من الأشياء فكأنه حصر بهذه الألفاظ جميع الأشياء ، وقرأ جمهور الناس " خلَقه " بفتح اللام على أنه فعل ماض ، ومعنى { أحسن } أتقن وأحكم فهو حسن من جهة ما هو لمقاصده التي أريد لها ، ومن هذا المعنى ما قال ابن عباس وعكرمة : ليست است القرد بحسنة ولكنها متقنة محكمة ، والجملة في { خلقه } يحتمل أن تكون في موضع نصب صفة لـ { كل } أو في موضع خفض صفة لـ { شيء } ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر " خلْقه " بسكون اللام وذلك منصوب على المصدر ، والضمير فيه إما عائد على الله تعالى وإما على المفعول ، ويصح أن يكون بدلاً من { كل } وذهب بعض الناس على هذه القراءة إلى أن { أحسن } بمعنى ألهم ، وأن هذه الآية بمعنى قوله تعالى : { أعطى كل شيء خلقه ثم هدى } [ طه : 50 ] أي ألهم الرجل إلى المرأة ، والجمل إلى الناقة ، وهذا قول فيه بعد ورجحه الطبري ، وقرأ جمهور الناس " وبدأ " ، وقرأ الزهري " وبدا خلق الإنسان " بألف دون همزة وبنصب القاف وذلك على البدل لا على التخفيف . قال الفقيه الإمام القاضي : كأنه أبدل الياء من بدى ألفاً ، وبدى لغة الأنصار ، وقال ابن رواحة : [ الرجز ] @ " بسم الإله وبه بدينا ولو عبدنا غيره شقينا " @@ و { الإنسان } آدم عدد أمره على بنيه إذ خلقه خلق لهم من حيث هو منسلهم ، و " النسل " ما يكون عن الحيوان من الولد كأنه مأخوذ من نسل الشيء إذا خرج من موضعه ، ومنه قوله تعالى : { وهم من كل حدب ينسلون } [ الأنبياء : 96 ] ومنه نسل ريش الطائر إذا تساقط ، و " السلالة " من سل يسل فكأن الماء يسل من الإنسان ومن ذلك قول الشاعر : [ الطويل ] @ فجاءت به عضب الأديم غضنفراً سلالة فرج كان غير حصين @@ و " المهين " الضعيف ، مهن الإنسان إذا ضعف وذل ، وقوله { ونفخ } عبارة عن إفاضة الروح في جسد آدم ، والضمير في { روحه } لله تعالى ، وهي إضافة ملك إلى ملك وخلق إلى خالق ، ثم أظهر تعديد النعم عليهم في أن خصهم في قوله { لكم } بضمير { السمع والأبصار والأفئدة } وهي لمن تقدم ذكره أيضاً كما خص آدم بالتسوية ونفخ الروح وهو لجميع ذريته ، وهذا كله إيجاز واقتضاب وترك لما يدل عليه المنطوق به . ويحتمل أن يكون { الإنسان } في هذه الآية اسم الجنس ، وقوله تعالى : { قليلاً } صفة لمصدر محذوف ، وهو في موضع الحال حين حذف الموصوف به ، والضمير في { قالوا } للكفار الجاحدين البعث من القبور والمستبعدين لذلك دون حجة ولا دليل . وموضع { إذا } نصب بما في قوله { إنا لفي خلق جديد } لأن معناه لنعاد ، واختلفت القراءة في { أئذا } وقد تقدم استيعاب ذكره في غير هذا الموضع . وقرأ جمهور القراء " ضللنا " بفتح اللام ، وقرأ ابن عامر وأبو رجاء وطلحة وابن وثاب " ضلِلنا " بكسر اللام والمعنى تلفنا وتقطعت أوصالنا فذهبنا حتى لم نوجد ، ومنه قول الأخطل : [ الكامل ] @ كنت القذا في متن أكدر مزبد قذف الأتيّ به فضلّ ضلالا @@ ومنه قول النابغة : @ فآب مضلوه بعين جلية وغودر بالجولان حزم ونائل @@ أي متلفوه دفناً ، ومنه قول امرىء القيس : " تضل المداري في مثنى ومرسل " . وقرأ الحسن البصري " صلَلنا " بالصاد غير منقوطة وفتح اللام ، قال الفراء وتروى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومعناه صرنا من الصلة وهي الأرض اليابسة الصلبة ، ويجوز أن يريد به من التغير كما يقال صل اللحم ، ورويت هذه القراءة عن ابن عباس وأبان بن سعيد بن العاصي ، وقرأ الحسن أيضاً " صلِلنا " بالصاد غير منقوط وكسر اللام ، وقرأ علي بن أبي طالب وأبو حيوة " ضُلِّلنا " بضم الضاد وكسر اللام وشدها ، وقولهم { إنا لفي خلق جديد } أي إنا لفي هذه الحالة نعاد ويجدد خلقنا . وقوله تعالى : { بل } إضراب عن معنى استفهامهم كأنه قال ليسوا مستفهمين " بل هم كافرون " جاحدون بلقاء الله تعالى ، ثم أمر تعالى نبيه أن يخبرهم بجملة الحال غير مفصلة ، فبدأ بالإخبار من وقت يفقد روح الإنسان إلى الوقت الذي يعود فيه إلى ربه فجمع الغايتين الأولى والآخرة ، و { يتوفاكم } معناه يستوفيكم . ومنه قال الشاعر : [ الرجز ] @ أزيني الأردم ليسوا من أحد ولا توفيهم قريش في العدد @@ و { ملك الموت } اسمه عزرائيل وتصرفه كله بأمر الله وبخلقه واختراعه وروي في الحديث أن البهائم كلها يتوفى الله روحها دون ملك . قال الفقيه الإمام القاضي : كأن يعدم حياتها ، وكذلك الأمر في بني آدم إلا أنه نوع شرف بتصرف ملك وملائكة معه في قبض أرواحهم ، وكذلك أيضاً غلظ العذاب على الكافرين بذلك ، وروي عن مجاهد : أن الدنيا بين يدي ملك الموت كالطست بين يدي الإنسان يأخذ من حيث أمر .