Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 36, Ayat: 66-70)

Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الضمير في { أعينهم } مراد به كفار قريش ، ومعنى الآية تبيين أنهم في قبضة القدرة وبمدرج العذاب إن شاء الله تعالى لهم ، وقال الحسن بن أبي الحسن وقتادة : أراد الأعين حقيقة ، والمعنى لأعميناهم فلا يرون كيف يمشون ، ويؤيد هذا مجانسة المسخ للعمى الحقيقي ، وقال ابن عباس : أراد أعين البصائر ، والمعنى لو شئنا لختمنا عليهم بالكفر فلم يهتد منهم أحد أبداً ، و " الطمس " إذهاب الشيء ، من الآثار والهيئات ، حتى كأنه لم يكن ، أي جعلنا جلود وجوههم متصلة حتى كأنه لم تكن فيها عين قط ، وقوله تعالى : { فاستبقوا } معناه على الفرض والتقدير ، كأنه قال : ولو شئنا لأعميناهم فاحسب أو قدر أنهم يستبقون الصراط وهو الطريق { فأنى } لهم بالإبصار وقد أعميناهم ، و " أنى " لفظة استفهام فيه مبالغة وقدره سيبويه ، كيف ومن أين ، { مسخناهم } ظاهره تبديل خلقتهم بالقردة والخنازير ونحوه مما تقدم في بني إسرائيل وغَيرهم ، وقال الحسن وقتادة وجماعة من المفسرين : معناه لجعلناهم مقعدين مبطلين ، لا يستطيعون تصرفاً ، وقال ابن سلام هذا التوعد كله يوم القيامة ، وقرأ جمهور القراء " على مكانتهم " بإفراد ، وهو بمعنى المكان كما يقال دار ودارة ، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر " على مكاناتهم " بالجمع ، وفي قراءة الحسن وابن أبي إسحاق ، وقرأ جمهور القراء " مُضياً " بضم الميم ، وقرأ أبو حيوة " مَضياً " بفتحها ، ثم بين تعالى دليلاً في تنكيسه المعمرين وأن ذلك مما لا يفعله إلا الله تعالى ، وقرأ جمهور الناس " نَنْكُسه " بفتح النون الأولى وسكون الثانية ، وضم الكاف ، وقرأ حمزة وعاصم بخلاف عنه " نُنَكِّسه " بضم النون الأولى وفتح الثانية وشد الكاف المكسورة على المبالغة ، وأنكرها أبو عمرو على الأعمش ، ومعنى الآية نحول خلقه من القوة إلى الضعف ومن الفهم إلى البله ، ونحو هذا ، وقرأ نافع وأبو عمرو في رواية عياش " تعقلون " بالتاء على معنى قل لهم ، وقرأ الباقون " يعقلون " بالياء على ذكر الغائب ، ثم أخبر تعالى عن حال نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ورد قول من قال من الكفرة إنه شاعر ، وإن القرآن شعر بقوله تعالى : { وما علمناه الشعر وما ينبغي له } وكذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقول الشعر ، ولا يزنه ، وكان إذا حاول إنشاد بيت قديم متمثلاً كسر وزنه ، وإنما كان يحرز المعنى فقط وأنشد يوماً قول طرفة : [ الطويل ] @ ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً ويأتيك من لم تزوده بالأخبار @@ وأنشد يوماً وقد قيل له من أشعر الناس ؟ فقال الذي يقول : [ الطويل ] @ ألم ترياني كلما جئت طارقاً وجدت بها وإن لم تطيب طيبا @@ وأنشد يوماً : @ أتجعل نهبي ونهب العبيـ ـد بين الاقرع وعيينة @@ وقد كان صلى الله عليه وسلم ربما أنشد البيت المستقيم في النادر وروي أنه أنشد بيت ابن رواحة : [ الطويل ] @ يبيت يجافي جنبه عن فراشه إذا استثقلت بالمشركين المضاجع @@ وقال الحسن بن أبي الحسن : أنشد النبي صلى الله عليه وسلم " كفى بالإسلام والشيب للمرء ناهياً " ، فقال أبو بكر وعمر رضي الله عنهما : نشهد أنك رسول الله إنما قال الشاعر : " كفى الشيب والإسلام إلخ … " حكاه الثعلبي . قال القاضي أبو محمد : وإصابته الوزن أحياناً لا يوجب أنه يعلم الشعر ، وكذلك قد يأتي أحياناً في نثر كلامه ما يدخل في وزن كقوله يوم حنين ، " أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب " كذلك يأتي في آيات القرآن وفي كل كلام وليس كله بشعر ولا هو في معناه . قال القاضي أبو محمد : وهذه الآية تقتضي عندي غضاضة على الشعر ولا بد ، ويؤيد ذلك قول عائشة رضي الله عنها : كان الشعر أبغض الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يتمثل بشعر أخي قيس طرفة فيعكسه ، فقال له أبو بكر : ليس هكذا ، فقال : " ما أنا بشاعر وما ينبغي لي " ، وقد ذهب قوم إلى أن الشعر لا غض عليه ، قالوا وإنما منعه الله من التحلي بهذه الحلية الرفيعة ليجيء القرآن من قبله أغرب فإنه لو كان له إدراك الشعر لقيل في القرآن إن هذا من تلك القوى . قال القاضي أبو محمد : وليس الأمر عندي كذلك ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم من الفصاحة والبيان في النثر في المرتبة العليا ، ولكن كلام الله تعالى يبين بإعجازه ويبرز برصفه ويخرجه إحاطة علم الله من كل كلام ، وإنما منعه الله تعالى من الشعر ترفيعاً له عما في قول الشعراء من التخييل ، وتزويق القول ، وأما القرآن فهو ذكر لحقائق وبراهين ، فما هو بقول شاعر ، وهكذا كان أسلوب كلامه عليه السلام لأنه لا ينطق عن الهوى ، والشعر نازل الرتبة عن هذا كله ، والضمير في { علمناه } عائد على محمد صلى الله عليه وسلم قولاً واحداً ، والضمير في { له } يحتمل أن يعود على محمد ويحتمل أن يعود على القرآن ، وإن كان لم يذكر لدلالة المجاورة عليه ، وبين ذلك قوله تعالى : { إن هو } وقرأ نافع وابن كثير ، " لتنذر " بالتاء على مخاطبة محمد صلى الله عليه وسلم وقرأ الباقون " لينذر " بالياء أي لينذر القرآن أو لينذر محمد ، واللام في " لينذر " متعلقة بـ { مبين } ، وقرأ محمد اليماني " ليُنذَر " بضم الياء وفتح الذال قال أبو حاتم : ولو قرىء " لينذَر " بفتح الياء والذال أي لتحفظ ويأخذ بحظه لكان جائزاً ، وحكاها أبو عمرو قراءة عن محمد اليماني ، وقوله تعالى : { من كان حياً } أي حي القلب والبصيرة ، ولم يكن ميتاً لكفره ، وهذه استعارة قال الضحاك { من كان حياً } معناه عاقلاً ، { ويحق القول } معناه يحتم العذاب ويجب الخلود ، وهذا كقوله تعالى : { حقت كلمة ربك } [ يونس : 33 ] .