Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 36, Ayat: 6-9)
Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اختلف المفسرون في قوله { ما أنذر } ، فقال عكرمة { ما } بمعنى الذي ، والتقدير الشيء الذي أنذره الآباء من النار والعذاب ، ويحتمل أن تكون { ما } مصدرية على هذا القول من أن الآباء أنذروا . قال القاضي أبو محمد : فـ " الآباء " على هذا كله هم الأقدمون على مر الدهور ، وقوله تعالى : { فهم } ، مع هذا التأويل بمعنى فإنهم دخلت الفاء لقطع الجملة من الجملة ، وقال قتادة { ما } نافية أي أن آباءهم لم ينذروا ، فالآباء على هذا هم القريبون منهم ، وهذه الآية كقوله تعالى : { وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير } [ سبأ : 44 ] ، وهذه النذارة المنفية هي نذارة المباشرة والأمر والنهي ، وإلا فدعوة الله تعالى من الأرض لم تنقطع قط ، وقوله { فهم } على هذا ، الفاء منه واصلة بين الجملتين ، ورابطة للثانية بالأولى ، و { حق القول } معناه وجب العذاب وسبق القضاء به هذا فيمن لم يؤمن من قريش كمن قتل ببدر وغيرهم ، وقوله تعالى : { إنا جعلنا في أعناقهم أغلالاً } الآية قال مكي : قيل هي حقيقة في أحوال الآخرة وإذا دخلوا النار . قال القاضي أبو محمد : وقوله تعالى : { فأغشيناهم فهم لا يبصرون } يضعف هذا القول لأن بصر الكافر يوم القيامة إنما هو حديد يرى قبح حاله ، وقال الضحاك : معناه متعناهم من النفقة في سبيل الله ، كما قال تعالى { ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك } [ الإسراء : 23 ] ، وقال ابن عباس وابن إسحاق : الآية استعارة لحال الكفرة الذين أرادوا محمداً صلى الله عليه وسلم بسوء ، فجعل الله تعالى هذا مثالاً لهم في كفه إياهم عن محمد صلى الله عليه وسلم ومنعهم من إذايته حين بيتوه ، قال عكرمة : نزلت هذه الآية حين أراد أبو جهل ضربه بالحجر العظيم فمنعه الله تعالى منه ، الحديث ، وفي غير ذلك من المواطن وقالت فرقة : الآية مستعارة المعاني من منع الله تعالى آباءهم من الإيمان وحوله بينهم وبينه . قال القاضي أبو محمد : وهذا أرجح الأقوال لأنه تعالى لما ذكر أنهم { لا يؤمنون } بما سبق لهم في الأزل عقب ذلك بأن جعل لهم من المنع وإحاطة الشقاوة ما حالهم معه حال المغللين ، والغل ما أحاط بالعنق على معنى التثقيف والتضييق والتعذيب والأسر ومع العنق اليدان أو اليد الواحدة هذا معنى التغليل ، وقوله تعالى : { فهي } يحتمل أن يعود على " الأغلال " أي هي عريضة تبلغ بحرفها { الأذقان } ، والذقن مجتمع اللحيين فيضطر المغلول إلى رفع وجهه نحو السماء وذلك هو " الإقماح " وهو نحو الإقناع في الهيئة ونحوه ما يفعله الإنسان والحيوان عند شرب الماء البارد وعند الملوحات والحموضة القوية ونحوه ، ويحتمل وهو قول الطبري أن تعود " هي " على الأيدي وإن لم يتقدم لها ذكر لوضوح مكانها من المعنى ، وذلك أن الغل إنما يكون في العنق مع اليدين ، وروي أن في مصحف ابن مسعود وأبيّ " إنا جعلنا في أيمانهم " ، وفي بضعها " في أيديهم " ، وقد ذكرنا معنى " الإقماح " ، وقال قتادة : المقمح الرافع رأسه ، وقال قتادة : { مقمحون } مضللون عن كل خير ، وأرى الناس علي بن أبي طالب رضي الله عنه الإقماح فجعل يديه تحت لحييه وألصقها ورفع رأسه ، وقرأ الجمهور " سُداً " بضم السين في الموضعين ، وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم وابن مسعود وطلحة وابن وثاب وعكرمة والنخعي وابن كثير " سَداً " بفتح السين ، وقال أبو علي : قال قوم هما بمعنى واحد أي حائلاً يسد طريقهم ، وقال عكرمة : ما كان مما يفعله البشر فهو بالضم وما كان خلقة فهو بالفتح . قال القاضي أبو محمد : والسد ما سد وحال ، ومنه قول الأعرابي في صفة سحاب : طلع سد مع انتشار الطفل ، أي سحاب سد الأفق ، ومنه قولهم : جراد سد ، ومعنى الآية أن طريق الهدى سد دونهم ، وقرأ جمهور الناس " فأغشيناهم " بالغين منقوطة أي جعلنا على أعينهم غشاوة ، وقرأ ابن عباس وعكرمة وابن يعمر وعمر بن عبد العزيز والنخعي وابن سيرين " فأعشيناهم " بالعين غير منقوطة ، ورويت عن النبي صلى الله عليه وسلم وهي من العشى أي أضعفنا أبصارهم والمعنى { فهم لا يبصرون } رشداً ولا هدى ، وقرأ يزيد البربري " فأغشيتهم " بتاء دون ألف وبالغين منقوطة .