Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 38, Ayat: 30-35)

Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الهبة والعطية بمعنى واحد ، فوهب الله سليمان لداود ولداً ، وأثنى تعالى عليه بأوصاف من المدح تضمنها قوله : { نعم العبد } . و { أواب } ، معناه : رجاع ولفظة : { أواب } هو العامل في { إذ } ، لأن أمر الخيل مقتض أوبة عظيمة . واختلف الناس في قصص هذه الخيل المعروضة ، فقال الجمهور : إن سليمان عليه السلام عرضت عليه آلاف من الخيل تركها أبوه له ، وقيل : ألف واحد فأجريت بين يديه عشاء ، فتشاغل بحسنها وجريها ومحبتها حتى فاته وقت صلاة العشاء . قال قتادة : صلاة العصر ونحوه عن علي بن أبي طالب ، فأسف لذلك ، وقال : ردوا علي الخيل . قال الحسن : فطفق يضرب أعناقها وعراقيبها بالسيف عقراً لما كانت سبب فوت الصلاة ، فأبدله الله أسرع منها : الريح . وقال قوم منهم الثعلبي : كانت بالناس مجاعة ولحوم الخيل لهم حلال ، فإنما عقرها لتؤكل على وجه القربة لها ونحو الهدي عندنا ، ونحو هذا ما فعله أبو طلحة الأنصاري بحائطه إذ تصدق به لما دخل عليه الدبسي في الصلاة فشلغه . و " الصافن " : الفرس الذي يرفع إحدى يديه ويقف على طرف سنبكه ، وقد يفعل ذلك برجله ، وهي علامة الفراهية ، وأنشد الزجاج : [ الكامل ] @ ألف الصفون فلا يزال كأنه مما يقوم على الثلاث كسيرا @@ وقال أبو عبيدة : " الصافن " الذي يجمع يديه ويسويها ، وأما الذي يقف على طرف السنبك فهو المخيم . وفي مصحف ابن مسعود : " الصوافن الجياد " . و { الجياد } جمع جود ، كثوب وثياب ، وسمي به لأنه يجود بجريه . وقال بعض الناس : { الخير } هنا أراد به الخيل . والعرب تسمي الخيل الخير ، وكذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد الخيل : أنت زيد الخير . و { حبَّ } منصوب على المفعول به عند فرقة ، كأن { أحببت } بمعنى آثرت . وقالت فرقة : المفعول بـ { أحببت } محذوف ، و { حبَّ } نصب على المصدر ، أي أحببت هذه الخيل حب الخير ، وتكون { الخير } على هذا التأويل غير الخيل ، وفي مصحف ابن مسعود : " حب الحيل " ، باللام . وقالت فرقة : { أحببت } معناه : سقطت إلى الأرض لذنبي ، مأخوذ من أحب البعير إذا أعيا وسقط هزالاً . و { حب } على هذا مفعول من أجله . والضمير في { توارت } للشمس ، وإن كان لم يجر لها ذكر صريح ، لأن المعنى يقتضيها ، وأيضاً فذكر العشي يقتضي لها ذكراً ويتضمنها ، لأن العشي إنما هو مقدر متوهم بها . وقال بعض المفسرين في هذه الآية : { حتى توارت بالحجاب } يريد الخيل ، أي دخلت اصطبلاتها . وقال ابن عيسى والزهري : إن مسحه بالسوق والأعناق لم يكن بالسيف ، بل بيده تكريماً لها ومحبة ، ورجحه الطبري . وقال بعضهم : بل غسلاً بالماء ، وقد يقال للغسل مسح ، لأن الغسل بالأيدي يقترن به ، وهذه الأقوال عندي إنما تترتب على نحو من التفسير في هذه الآية . وروي عن بعض الناس ، وذلك أنه رأى أن هذه القصة لم يكن فيها فوت صلاة ولا تضمن أمر الخيل أوبة ولا رجوعاً ، فالعامل في : { إذ عرض } فعل مضمر تقديره : اذكر إذ عرض ، وقالوا عرض على سليمان الخيل وهو في الصلاة ، فأشار إليهم ، أي في الصلاة ، فأزالوها عنه حتى أدخلوها في الاصطبلات ، فقال هو لما فرغ من صلاته : { أني أحببت حب الخير } أي الذي عند الله في الآخرة بسبب ذكر ربي ، كأنه يقول : فشغلني ذلك عن رؤية الخيل حتى أدخلت اصطبلاتها { ردوها علي } فطفق يمسح أعناقها وسوقها محبة لها ، وذكر الثعلبي أن هذا المسح إنما كان وسماً في السوق والأعناق بوسم حبس في سبيل الله . وجمهور الناس على أنها كانت خيلاً موروثة . قال بعضهم : قتلها حتى لم يبق منها أكثر من مائة فرس ، فمن نسل تلك المائة كل ما يوجد اليوم من الخيل ، وهذا بعيد . وقالت فرقة : كانت خيلاً أخرجتها الشياطين له من البحر وكانت ذوات أجنحة . وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه كانت عشرين فرساً . و { طفق } معناه : دام يقتل ، كما تقول : جعل يفعل . وقرأ جمهور الناس : " بالسوْق " بسكون الواو وهو جمع ساق . وقرأ ابن كثير وحده : " السؤق " بالهمز . قال أبو علي : وهي ضعيفة ، لكن وجهها في القياس أن الضمة لما كانت تلي الواو قدر أنها عليها فهمزت كما يفعلون بالواو المضمومة ، وهذا نظير إمالتهم ألف " مقلات " من حيث وليت الكسرة القاف ، قدروا أن القاف هي المكسورة ، ووجه همزة السوق من السماع أن إباحية النميري كان يهمز كل واو ساكنة قبلها ضمة ، وكان ينشد : @ لحب الموقدين إليَّ موسى @@ وقرأ ابن محيصن : " بالسؤوق " بهمزة بعدها الواو . وقوله تعالى : { عن ذكر ربي } فإن { عن } على كل تأويل هنا للمجاورة من شيء إلى شيء ، وتدبره فإنه مطرد . ثم أخبر الله تعالى عن فتنته لسليمان وامتحانه إياه لزوال ملكه ، وروي في ذلك أن سليمان عليه السلام قالت له حظية من حظاياه إن أخي له خصومة ، فأرغب أن تقضي له بكذا وكذا بشيء غير الحق ، فقال سليمان عليه السلام : أفعل ، فعاقبه الله تعالى بأن سلط على خاتمه جنياً ، وذلك أن سليمان عليه السلام كان لا يدخل الخلاء بخاتم الملك ، توقيراً لاسم الله تعالى ، فكان يضعه عند امرأة من نسائه ، ففعل ذلك يوماً ، فألقى الله شبهه على جني اسمه صخر فيما روي عن ابن عباس . وقيل غير هذا ما اختصرناه لعدم الصحة ، فجاء إلى المرأة فدفعت إليه الخاتم فاستولى على ملك سليمان ، وبقي فيه أربعين يوماً ، وطرح خاتم سليمان في البحر ، وجعل يعبث في بني إسرائيل ، وشبه سليمان عليه حتى أنكروا أفعاله ، ومكنه الله تعالى من جميع الملك . قال مجاهد : إلا من نساء سليمان فإنه لم يكشفهن ، وكان سليمان خلال ذلك قد خرج فاراً على وجهه منكراً ، لا ينتسب لقوم إلا ضربوه ، وأدركه جوع وفاقة فمر يوماً بامرأة تغسل حوتاً فسألها منه لجوعه ، وقيل بل اشتراه فأعطته حوتين ، فجعل يفتح أجوافها ، وإذا خاتمه في جوف أحدهما ، فعاد إليه ملكه ، وتسخرت له الجن والريح من ذلك اليوم بدعوته ، وفي صخر الجني ، فأمر سليمان به فسيق وأطبق عليه في حجارة ، وسجنه في البحر إلى يوم القيامة ، فهذه هي الفتنة التي فتن سليمان عليه السلام وامتحن بها . واختلف الناس في الجسد الذي ألقي على كرسيه ، فقال الجمهور : هو الجني المذكور ، سماه { جسداً } لأنه كان قد تمثل في جسد سليمان وليس به . قال القاضي أبو محمد : وهذا أصح الأقوال وأبينها معنى . وقالت فرقة : بل ألقي على كرسيه جسد ابن له ميت . وقالت فرقة : بل شق الولد الذي ولد له حين أقسم ليطوفن على نسائه ولم يستثن في قسمه . وقال قوم : مرض سليمان مرضاً كالإغماء حتى صار على كرسيه كأنه بلا روح ، وهذا كله غير متصل بمعنى هذه الآية و { أناب } معناه ارعوى وانثنى وأجاب إلى طاعة ربه ، ومعنى هذا من تلك الحوبة التي وقعت الفتنة بسببها ، ثم إن سليمان عليه السلام استغفر ربه واستوهبه ملكاً . واختلف المتأولون في معنى قوله : { لا ينبغي لأحد من بعدي } فقال جمهور الناس : إراد أن يفرده بين البشر لتكون خاصة له وكرامة ، وهذا هو الظاهر من قول النبي صلى الله عليه وسلم في خبر العفريت الذي عرض له في صلاته فأخذه وأراد أن يوثقه بسرية من سواري المسجد ، قال : " ثم ذكرت قول أخي سليمان : { رب اغفر لي وهب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي } فأرسلته " ، وقال قتادة وعطاء بن أبي رباح : إنما أراد سليمان : { لا ينبغي لأحد من بعدي } مدة حياتي ، أي لا أسلبه ويصير إلى أحد كما صار إلى الجني . وروي في مثالب الحجاج بن يوسف أنه لما قرأ هذه الآية قال : لقد كان حسوداً ، وهذا من فسق الحجاج . وسليمان عليه السلام مقطوع بأنه إنما قصد بذلك قصداً براً جائزاً ، لأن للإنسان أن يرغب من فضل الله فيما لا يناله أحد ، لا سيما بحسب المكانة والنبوءة ، وانظر أن قول عليه السلام : { ينبغي } إنما هي لفظة محتملة ليست بقطع في أنه لا يعطي الله نحو ذلك الملك لأحد ، ومحمد صلى الله عليه وسلم لو ربط الجني لم يكن ذلك نقصاً لما أوتيه سليمان ، لكن لما كان فيه بعض الشبه تركه جرياً منه عليه السلام على اختياره أبداً أيسر الأمرين وأقربهما إلى التواضع .