Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 29-30)

Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذا استثناء ليس من الأول ، والمعنى : لكن إن كانت تجارة فكلوها ، وقرأ المدنيون وابن كثير وابن عامر وأبو عمرو : " تجارةٌ " بالرفع على تمام " كان " وأنها بمعنى : وقع ، وقرأت فرقة ، هي الكوفيون حمزة وعاصم والكسائي : " تجارةً " بالنصب على نقصان " كان " ، وهو اختيار أبي عبيد . قال القاضي أبو محمد : وهما قولان قويان ، إلا أن تمام " كان " يترجح عند بعض ، لأنها صلة " أن " فهي محطوطة عن درجتها إذا كانت سليمة من صلة وغيرها ، وهذا ترجيح ليس بالقوي ولكنه حسن ، و { أن } في موضع نصب ، ومن نصب " تجارة " جعل اسم كان مضمراً ، تقديره الأموال أموال تجارة ، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه ، أو يكون التقدير : إلا أن تكون التجارة تجارة ، ومثل ذلك قول الشاعر : [ الطويل ] @ إذا كان يوماً ذا كواكبَ أشنعا @@ أي : إذا كان اليوم يوماً ، والاستثناء منقطع في كل تقدير وفي قراءة الرفع . فأكل الأموال بالتجارة جائز بإجماع الأمّة ، والجمهور على جواز الغبن في التجارة ، مثال ذلك : أن يبيع الرجل ياقوتة بدرهم وهي تساوي مائة ، فذلك جائز ، ويعضده حديث النبي صلى الله عليه وسلم " لا يبع حاضر لبادٍ " لأنه إنما أراد بذلك أن يبيع البادي باجتهاده ، ولا يمنع الحاضر الحاضر من رزق الله في غبنه ، وقالت فرقة : الغبن إذا تجاوز الثلث مردود ، وإنما أبيح منه المتقارب المتعارف في التجارات ، وأما المتفاحش الفادح فلا ، وقاله ابن وهب من أصحاب مالك رحمه الله . و { عن تراض } معناه عن رضا ، إلا أنها جاءت من المفاعلة ، إذ التجارة من اثنين ، واختلف أهل العلم في التراضي ، فقالت طائفة : تمامه وجزمه بافتراق الأبدان بعد عقدة البيع ، أو بأن يقول أحدهما لصاحبه : اختر فيقول : قد اخترت ، وذلك بعد العقدة أيضاً ، فينجزم حينئذ ، هذا هو قول الشافعي وجماعة من الصحابة ، وحجته حديث النبي صلى الله عليه وسلم " البيعان بالخيار ما لم يتفرقا إلا بيع الخيار " وهو حديث ابن عمر وأبي برزة ، ورأيهما - وهما الراويان - أنه افتراق الأبدان . قال القاضي أبو محمد : والتفرق لا يكون حقيقة إلا بالأبدان ، لأنه من صفات الجواهر ، وقال مالك وأبو حنيفة رحمهما الله : تمام التراضي أن يعقد البيع بالألسنة فتنجزم العقدة بذلك ويرتفع الخيار ، وقالا في الحديث المتقدم : إنه التفرق بالقول ، واحتج بعضهم بقوله تعالى : { وإن يتفرقا يغن الله كلاًّ من سعته } [ النساء : 130 ] فهذه فرقة بالقول لأنها بالطلاق ، قال من احتج للشافعي : بل هي فرقة بالأبدان ، بدليل تثنية الضمير والطلاق لا حظّ للمرأة فيه ، وإنما حظها في فرقة البدن التي هي ثمرة الطلاق ، قال الشافعي : ولو كان معنى قوله : يتفرقا بالقول الذي هو العقد لبطلت الفائدة في قوله : البيعان بالخيار ، لأنه لا يشك في أن كل ذي سلعة مخير ما لم يعقد ، فجاء الإخبار لا طائل فيه ، قال من احتجّ لمالك : إنما القصد في الحديث الإخبار عن وجوب ثبوت العقد ، فجاء قوله : البيعان بالخيار توطئة لذلك ، وإن كانت التوطئة معلومة ، فإنها تهيىء النفس لاستشعار ثبوت العقد ولزومها ، واستدل الشافعي بقوله عليه السلام : " لا يسم الرجل على سوم أخيه ، ولا يبع الرجل على بيع أخيه " فجعلها مرتبتين لأن حالة البيعين بعد العقد قبل التفرق تقتضي أن يفسد مفسد بزيادة في السلعة فيختار بها حل الصفقة الأولى ، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك الإفساد ، ألا ترى أنه عليه السلام قال : " لا يخطب الرجل على خطبة أخيه " فهي في درجة ؛ لا يسم ، ولم يقل : لا ينكح على نكاح أخيه لأنه لا درجة بعد عقد النكاح تقتضي تخييراً بإجماع من الأمة ، قال من يحتج لمالك رحمه الله : قوله عليه السلام : لا يسم ولا يبع ، هي درجة واحدة كلها قبل العقد ، وقال : لا بيع تجوزاً في لا يسم ، إذ مآله إلى البيع ، فهي جميعاً بمنزلة قوله : لا يخطب ، والعقد جازم فيهما جميعاً . قال القاضي أبو محمد : وقوله في الحديث " إلا بيع الخيار " معناه عند المالكين : المتساومان بالخيار ما لم يعقدا ، فإذا عقدا بطل الخيار إلا في بيع الخيار الذي عقد من أوله على خيار مدة ما ، فإنه لا يبطل الخيار فيه ، ومعناه عند الشافعيين : المتبايعان بعد عقدهما مخيران ما داما في مجلسهما ، إلا بيعاً يقول فيه أحدهما لصاحبه اختر فيختار ، فإن الخيار ينقطع بينهما وإن لم يتفرقا ، فإن فرض بيع خيار فالمعنى إلا بيع الخيار فإنه يبقي الخيار بعد التفرق بالأبدان ، وقوله تعالى : { ولا تقتلوا أنفسكم } قرأ الحسن " ولا تقتّلوا " على التكثير ، فأجمع المتأولون أن المقصد بهذه الآية النهي عن أن يقتل بعض الناس بعضها ، ثم لفظها يتناول أن يقتل الرجل نفسه بقصد منه للقتل ، أو بأن يحملها على غرر ربما مات منه ، فهذا كله يتناوله النهي ، وقد احتج عمرو بن العاص بهذه الآية حين امتنع من الاغتسال بالماء البارد خوفاً على نفسه منه ، فقرر رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجاجه . وقوله تعالى : { ومن يفعل ذلك عدواناً وظلماً } اختلف المتأولون في المشار إليه بذلك ، فقال عطاء : ذلك عائد على القتل لأنه أقرب مذكور ، وقالت فرقة : ذلك عائد على أكل المال بالباطل وقتل النفس , لأن النهي عنهما جاء متسقاً مسروداً , ثم ورد الوعيد حسب النهي , وقالت فرقة ذلك عائد على كل ما نهى عنه من القضايا من أول السورة إلى قوله تعالى : { ومن يفعل ذلك } وقال الطبري : ذلك عائد على ما نهى عنه من آخر وعيد ، وذلك قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرهاً } [ النساء : 19 ] لأن كل ما نهي عنه من أول السورة قرن به وعيد إلا من قوله : { يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرهاً } فإنه والنواهي بعده لا وعيد معها ، إلا قوله : { ومن يفعل ذلك عدواناً وظلماً } والعدوان : تجاوز الحد ، و { نصليه } معناه : نمسه حرها ، كما تعرض الشاة المصلية ، أي نحرقه بها ، وقرأ الأعمش والنخعي ، " نَصليه " بفتح النون ، وقراءة الجمهور بضم النون على نقل صلى بالهمز ، وقراءة هذين على لغة من يقول : صليته ناراً ، بمعنى أصليته ، وحكى الزجّاج أنها قد قرئت " نصَلِّيه " بفتح الصاد وشد اللام المكسورة ويسير ذلك على الله عز وجل ، لأن حجته بالغة ، وحكمه لا معقب له .