Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 33-34)

Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

" كل " إنما تستعمل مضافة ظهر المضاف إليه أو تقدر ، فهي بمثابة قبل وبعد ، ولذلك أجاز بعض النحاة مررت بكل ، على حد قبل وبعد ، فالمقدر هنا على قول فرقة ، ولكل أحد وعلى قول فرقة " ولكل شيء " يعني التركة ، والمولى في كلام العرب : لفظة يشترك فيها القريب القرابة ، والصديق ، والحليف ، والمعتَق ، والمعتِق ، والوراث ، والعبد ، فيما حكى ابن سيده ، ويحسن هنا من هذا الاشتراك الورثة ، لأنها تصلح على تأويل " ولكل أحد " ، وعلى تأويل ، " ولكل شيء " وبذلك فسر قتادة والسدي وابن عباس وغيرهم : أن " الموالي " العصبة والورثة ، قال ابن ابن زيد : لما أسلمت العجم سموا موالي استعارة وتشبيهاً ، وذلك في قول الله تعالى : { فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم } [ الأحزاب : 5 ] . قال القاضي أبو محمد : وقد سمي قوم من العجم ببني العم ، و { مما } متعلقة " بشيء " ، تقديره ولكل شيء مما ترك الوالدان والأقربون جعلنا ورثة ، وهي متعلقة على تأويل " ولكل أحد " بفعل مضمر تقديره : ولكل أحد جعلنا موالي يرثون مما ترك الوالدان والأقربون ، ويحتمل على هذا أن تتعلق " من " بـ { موالي } ، وقوله : { والذين } رفع بالابتداء والخبر في قوله : { فآتوهم } وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمر وابن عامر " عاقدت " على المفاعلة أي إيمان هؤلاء عاقدت أولئك ، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي " عقَدت " بتخفيف القاف على حذف مفعول ، تقديره : عقدت إيمانكم حلفهم أو ذمتهم ، وقرأ حمزة في رواية على ابن كبشة عنه " عقّدت " مشددة القاف ، واختلف المتأولون في من المراد بـ { الذين } ، فقال الحسن وابن عباس وابن جبير وقتادة وغيرهم : هم الأحلاف ، فإن العرب كانت تتوارث بالحلف فشدد الله ذلك بهذه الآية ، ثم نسخة بآية الأنفال { وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله } [ الأنفال : 75 ] وقال ابن عباس أيضاً : هم الذين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم آخى بينهم ، فإنهم كانوا يتوارثون بهذه الآية حتى نسخ ذلك بما تقدم . قال القاضي أبو محمد : وورد لابن عباس : أن المهاجرين كانوا يرثون الأنصار دون ذوي رحمهم ، للأخوة التي آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم ، فنزلت الآية في ذلك ناسخة ، وبقي إيتاء النصيب من النصر والمعونة ، أو من المال على جهة الندب في الوصية ، وقال سعيد بن المسيب : هم الأبناء الذين كانوا يتبنون ، والنصيب الذي أمر الناس بإيتائه هو الوصية لا الميراث ، وقال ابن عباس أيضاً : هم الأحلاف إلا أن النصيب هو المؤازرة في الحق والنصر والوفاء بالحلف لا الميراث ، وروي عن الحسن : أنها في قوم يوصى لهم فيموت الموصى له قبل نفوذ الوصية ووجوبها فأمر الموصي أن يؤديها إلى ورثة الموصى له . قال القاضي أبو محمد : ولفظة المعاقدة والأيمان ترجح ان المراد الأحلاف لأن ما ذكر من غير الأحلاف ليس في جميعه معاقدة ولا أيمان ، و { شهيداً } معناه : أن الله شيهد بينكم على المعاقدة والصلة ، فأوفوا بالعهد بحسب ذلك مراقبة ورهبة . وقوله تعالى : { الرجال قوامون } الآية ، قوام فعال : بناء مبالغة ، وهو من القيام على الشيء والاستبداد بالنظر فيه وحفظه بالاجتهاد ، فقيام الرجل على النساء هو على هذا الحد ، وتعليل ذلك بالفضيلة والنفقة يقتضي أن للرجال عليهن استيلاء وملكاً ما ، قال ابن عباس : الرجال أمراء على النساء ، وعلى هذا قال أهل التأويل و " ما " في قوله : { بما فضل الله } مصدرية ، ولذلك استغنت عن العائد ، وكذلك { بما أنفقوا } والفضيلة : هي الغزو وكمال الدين والعقل وما أشبهه ، والإنفاق : هو المهر والنفقة المستمرة على الزوجات ، وقيل : سبب هذه الآية أن سعد بن الربيع لطم زوجه حبيبة بنت زيد بن أبي زهير ، فجاءت مع أبيها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأمر أن تلطمه كما لطمها ، فنزلت الآية مبيحة للرجال تأديب نسائهم ، فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ونقض الحكم الأول وقال : أردت شيئاً وما أراد الله خير ، وفي طريق آخر أردت شيئاً وأراد الله غيره ، وقيل : إن في هذا الحكم المردود نزلت { ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يُقضى إليك وحيه } [ طه : 114 ] وقيل سببها قول أم سلمة المتقدم ، أي : لما تمنى النساء درجة الرجال عرفن وجه الفضيلة . والصلاح في قوله { فالصالحات } هو الصلاح في الدين ، و " و القانتات " معناه : مطيعات ، والقنوات الطاعة ، ومعناه لأزواجهن ، أو لله في أزواجهن ، وغير ذلك ، وقال الزجّاج : إنها الصلاة ، وهذا هنا بعيد و { للغيب } معناه : كل ما غاب عن علم زوجها مما استرعته ، وذلك يعم حال غيب الزوج وحال حضوره ، وروى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " خير النساء امرأة إذا نظرتَ إليها سرتك ، وإذا أمرتها أطاعتك وإذا غبت عنها حفظتك في مالك ونفسها " ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية ، وفي مصحف ابن مسعود " فالصوالح قوانت حوافظ " وهذا بناء يختص بالمؤنث ، وقال ابن جني : والتكسير أشبه لفظاً بالمعنى ، إذ هو يعطي الكثرة وهي المقصود هنا ، و { بما حفظ الله } الجمهور على رفع اسم الله بإسناد الفعل إليه ، وقرأ أبو جعفر بن القعقاع " اللهَ " بالنصب على إعمال { حفظ } فأما قراءة الرفع " فما " مصدرية تقديره : يحفظ الله ، ويصح أن تكون بمعنى " الذي " ويكون العائد الذي في { الذي } وفي { حفظ } ضمير مرفوع ، وأما قراءة ابن القعقاع بما حفظ الله ، فالأولى أن تكون " ما " بمعنى " الذي " وفي { حفظ } ضمير مرفوع ، والمعنى حافظات للغيب بطاعة وخوف وبر ودين حفظ الله في أوامره حين امتثلنها ، وقيل : يصح أن تكون " ما " مصدرية ، على أن تقدير الكلام بما حفظن الله وينحذف الضمير ، وفي حذفه قبح لا يجوز إلا في الشعر ، كما قال [ الأعشى ] : [ المتقارب ] @ فَإنَّ الحوادِثَ أَوْدَى بِها @@ يريد أَوْدَين ، والمعنى : يحفظن الله في أمره حين امتثلنه ، وقال ابن جني : الكلام على حذف مضاف تقديره : بما حفظ دين الله وأمر الله ، وفي مصحف ابن مسعود " بما حفظ الله فأصلحوا إليهن " . { واللاتي } في موضع رفع بالابتداء والخبر { فعظوهن } ، ويصح أن تكون في موضع نصب بفعل مضمر تقديره : وعظوا اللاتي تخافون نشوزهن ، كقوله : { والسارق والسارقة } [ المائدة : 38 ] على قراءة من قرأها بالنصب ، قال سيبويه : النصب القياس ، إلا أن الرفع أكثر في كلامهم ، وحكي عن سيبويه : أن تقدير الآية عنده : وفميا يتلى عليكم اللاتي ، قالت فرقة معنى { تخافون } تعلمون وتتيقنون ، وذهبوا ذلك إلى أن وقوع النشوز هو الذي يوجب الوعظ ، واحتجوا في جواز وقوع الخوف بمعنى اليقين بقول أبي محجن : @ ولا تَدْفُنَّنِيِ بالفلاةِ فإنَّني أخافُ إذا ما مِتُّ أنْ لا أذوقُها @@ وقالت فرقة : الخوف هاهنا على بابه في التوقع ، لأن الوعظ وما بعده إنما هو في دوام ما ظهر من مبادىء ما يتخوفن ، " والنشوز " : أن تتعرج المرأة وترتفع في خلقها ، وتستعلي على زوجها ، وهو من نشز الأرض ، يقال ناشز وناشص ومنه بيت الأعشى : [ الطويل ] @ تَجَلَّلَها شَيْخٌ عِشَاءً فأصْبَحَتْ قَضَاعِيّةً تأتي الكواهِن ناشصا @@ و { عظوهن } معناه : ذكروهن أمر الله ، واستدعوهن إلى ما يجب عليهن بكتاب الله وسنة نبيه ، وقرأ إبراهيم النخعي " في المضجع " ، وهو واحد يدل على الجمع ، واختلف المتأولون في قوله : { اهجروهن } فقالت فرقة معناه جنبوا جماعهن ، وجعلو { في } للوعاء على بابها دون حذف , قال ابن عباس : يضاجعها ويوليها ظهره ولا يجامعها , وقال مجاهد : جنبوا مضاجعتهن , فيتقدر على هذا القول حذف تقديره : واهجروهن برفض المضاجع أو بترك المضاجع وقال سعيد بن جبير : هي هجرة الكلام أي لا تكلموهن وأعرضوا عنهن فيقدر حذف تقديره : واهجروهن في سبب المضاجع حتى يراجعنها ، وقال ابن عباس أيضاً : معناه وقولوا لهن هجراً من القول , أي إغلاظاً حتى يراجعن المضاجع , وهذا لا يصح تصريفه إلا على من حكى هجر وأهجر بمعنى واحد ، وقال الطبري : معناه اربطوهن بالهجار ، كما يربط البعير به ، وهو حبل يشد به البعير ، فهي في معنى اضربوهن ونحوها ، ورجح الطبري منزعه هذا وقدح في سائر الأقوال ، وفي كلامه في هذا الموضع نظر ، والضرب في هذه الآية هو ضرب الأدب غير المبرح ، وهو الذي لا يكسر عظماً ولا يشين جارحة ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " اضربوا النساء إذا عصينكم في معروف ضرباً غير مبرح " وقال عطاء : قلت لابن عباس : ما الضرب غير المبرح ؟ قال بالشراك ونحوه ، وروي عن ابن شهاب أنه قال : لا قصاص بين الرجل وامرأته إلا في النفس . قال القاضي أبو محمد : وهذا تجاوز ، قال غيره : إلا في النفس والجراح ، وهذه العظة والهجر والضرب مراتب ، إن وقعت الطاعة عند إحداها لم يتعد إلى سائرها . و { تبغوا } معناه تطلبوا و { سبيلاً } عليهن والتمكين من أدبهن ، وحسن معه الاتصاف بالعلو والكبر ، أي قدره فوق كل قدر ويده بالقدرة فوق كل يد ، فلا يستعمل أحد على امرأته ، فالله بالمرصاد ، وينظر هذا إلى حديث أبي مسعود فصرفت وجهي فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " اعلم أبا مسعود أن الله أقدر عليك منك على هذا العبد " .