Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 58-59)

Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه وزيد بن أسلم وشهر بن حوشب ، وابن زيد : هذا خطاب لولاة المسلمين خاصة . قال القاضي أبو محمد : فهو للنبي عليه السلام وأمرائه ، ثم يتناول من بعدهم ، وقال ابن جريج وغيره : ذلك خطاب للنبي عليه السلام في أمر مفتاح الكعبة حين أخذه من عثمان بن طلحة بن أبي طلحة العبدري ومن ابن عمه شيبة بن عثمان بن أبي طلحة ، فطلبه العباس بن عبد المطلب لتنضاف له السدانة إلى السقاية ، فدخل رسول الله الكعبة فكسر ما كان فيها من الأوثان ، وأخرج مقام إبراهيم ، ونزل عليه جبريل بهذه الآية ، قال عمر بن الخطاب : وخرج رسول الله وهو يقرأ هذه الآية ، وما كنت سمعتها قبل منه . فدعا عثمان وشيبة ، فقال لهما : خذاها خالدة تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم ، وحكى مكي أن شيبة أراد أن لا يدفع المفتاح ، ثم دفعه وقال للنبي عليه السلام : خذه بأمانة الله . قال القاضي أبو محمد : واختلف الرواة في بعض ألفاظ هذا الخبر ، زيادة ونقصاناً ، إلا أنه المعنى بعينه ، وقال ابن عباس : الآية في الولاة بأن يعظوا النساء في النشوز ونحوه ، ويردوهن إلى الأزواج ، والأظهر في الآية أنها عامة في جميع الناس ، ومع أن سببها ما ذكرناه تتناول الولاة فيما إليهم من الأمانات في قسمة الأموال ورد الظلامات وعدل الحكومات وغيره ، وتتناولهم ومن دونهم من الناس في حفظ الودائع والتحرز في الشهادات وغير ذلك ، كالرجل يحكم في نازلة ما ونحوه ، والصلاة والزكاة والصيام وسائر العبادات أمانات لله تعالى ، وقال ابن عباس : لم يرخص الله لموسرٍ ولا معسر أن يمسك الأمانة ، و { نعما } أصله نعم ما ، سكنت الأولى وأدغمت في الثانية وحركت العين لالتقاء الساكنين ، وخصت بالكسر اتباعاً للنون ، و " ما " المردفة على " نعم " إنما هي مهيئة لاتصال الفعل بها كما هي في " ربما ومما " في قوله : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يحرك شفتيه ، وكقول الشاعر : [ الطويل ] @ وإنّا لَمِمّا نَضْرِبُ الْكَبْشَ ضَرْبَةً عَلَى رَأْسِهِ تُلْقِي اللِّسَانَ مِنَ الْفَمِ @@ ونحوه ، وفي هذا هي بمنزلة " ربما " وهي لها مخالفة في المعنى ، لأن " ربما " معناها : التقليل ، و " مما " معناها التكثير ، ومع أن " ما " موطئة فهي بمعنى " الذي " وما وطأت إلا وهي اسم ، ولكن القصد إنما هو لما يليها من المعنى الذي في الفعل ، وحسن الاتصاف بعد هذه المقدمات بالسمع والبصر ، لأنها في الشاهد محصلات ما يفعل المأمور فيما أمر به . وقوله عز وجل : { يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله } لما تقدم إلى الولاة في الآية المتقدمة ، تقدم في هذه إلى الرعية ، فأمر بطاعته عز وجل ، وهي امتثال أوامره ونواهيه ، وطاعة رسوله ، وطاعة الأمراء على قول الجمهور : أبي هريرة وابن عباس وابن زيد وغيرهم ، فالأمر على هذا التأويل إشارة إلى القرآن والشريعة ، أي : أولي هذا الأمر ، وعن عبد الله ومجاهد وجماعة : أولو الأمر : أهل القرآن والعلم ، فالأمرعلى هذا التأويل أشار إلى القرآن والشريعة ، أي : أولي هذا الأمر وهذا الشأن وحكى الطبري عن مجاهد أنه قال : الإشارة هنا بـ { أولي الأمر } إلى أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم خاصة ، وحكي عن عكرمة أنها إشارة إلى أبي بكر وعمر خاصة ، وفي هذا التخصيص بعد ، وحكى بعض من قال : إنهم الأمراء أنها نزلت في أمراء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان السبب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية فيها عمار بن ياسر ، وأميرها خالد بن الوليد ، فقصدوا قوماً من العرب ، فأتاهم نذير فهربوا تحت الليل . وجاء منهم رجل إلى عسكر خالد ، فدخل إلى عمار فقال : يا أبا اليقظان ، إن قومي قد فروا ، وإني قد أسلمت ، فإن كان ينفعني إسلامي بقيت ، وإلا فررت ، فقال له عمار : هو ينفعك ، فأقم ، فلما أصبحوا أغار خالد فلم يجد سوى الرجل المذكور فأخده وأخذ ماله ، فجاء عمار فقال : خل عن الرجل فإنه قد أسلم وإنه في أمان مني ، فقال خالد : وأنت تجير ؟ فاستبّا وارتفعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأجاز أمان عمار ، ونهاه أن يجير الثانية على أمير ، واستبّا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال خالد : يا رسول الله أتترك هذا العبد الأجدع يسبني ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا خالد لا تسب عماراً ، فإنه من سب عماراً سبه الله ، ومن أبغض عماراً أبغضه الله ، ومن لعن عماراً لعنه الله ، " فغضب عمار ، فقام فذهب ، فتبعه خالد حتى اعتذر إليه فتراضيا ، فأنزل الله عز وجل قوله : { أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم } وطاعة الرسول هي اتباع سنته ، قاله عطاء وغيره ، وقال ابن زيد : معنى الآية { وأطعيوا الرسول } . قال القاضي أبو محمد : يريد " وسنته " بعد موته ، المعنى : { فإن تنازعتم } فيما بينكم أو أنتم وأمراؤكم ، ومعنى التنازع أن كل واحد ينتزع حجة الآخر ويذهبها ، والرد إلى الله : هو النظر في كتابه العزيز ، والرد إلى الرسول : هو سؤاله في حياته والنظر في سنته بعد وفاته عليه السلام ، هذا قول مجاهد والأعمش وقتادة والسدي ، وهو الصحيح ، وقال قوم : معناه قولوا : الله ورسوله أعلم ، فهذا هو الرد ، وفي قوله : { إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر } بعض وعيد ، لأن فيه جزاء المسيء العاتي ، وخاطبهم بـ { إن كنتم تؤمنون } وهم قد كانوا آمنوا ، على جهة التقرير ، ليتأكد الإلزام ، و { تأويلاً } معناه : مآلاً على قول جماعة ، وقال مجاهد : أحسن جزاء ، قال قتادة والسدي وابن زيد : المعنى أحسن عاقبة ، وقالت فرقة : المعنى أن الله ورسوله أحسن نظراً وتأولاً منكم إذا انفردتم بتأولكم .