Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 7-9)

Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

سمى الله عز وجل الأب والداً لأن الولد منه ومن الوالدة ، كما قال الشاعر : [ الرجز ] @ بِحَيْثُ يَعْتشُّ الغُرَابُ البَائِضُ @@ لأن البيض من الأنثى والذكر ، قال قتادة وعكرمة وابن زيد : وسبب هذه الآية ، أن العرب كان منها من لا يورث النساء ويقول : لا يرث إلا من طاعن بالرمح وقاتل بالسيف فنزلت هذه الاية ، قال عكرمة : سببها خبر أم كحلة ، مات زوجها وهو أوس بن سويد وترك لها بنتاً فذهب عم بنيها إلى أن لا ترث فذهبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال العم : هي يا رسول الله لا تقاتل ولا تحمل كلاً ويكسب عليها ولا تكسب ، واسم العم ثعلبة فيما ذكره . و { نصيباً مفروضاً } ، نصب على الحال ، كذا قال مكي ، وإنما هو اسم نصب كما ينصب المصدر في موضع الحال ، تقديره : فرضاً لذلك جاز نصبه ، كما تقول : لك عليَّ كذا وكذا حقاً واجباً ، ولولا معنى المصدر الذي فيه ما جاز في الاسم الذي ليس بمصدر هذا النصب ، ولكان حقه الرفع . وقوله : { وإذا حضر القسمة } الآية ، اختلف المتأولون فيمن خوطب بهذه الآية على قولين : أحدهما أنها مخاطبة للوارثين ، والمعنى : إذا حضر قسمتكم لمال موروثكم هذه الأصناف الثلاثة ، { فارزقوهم منه } ثم اختلف قائلو هذا القول ، فقال سعيد بن المسيب وأبو مالك والضحاك وابن عباس فيما حكى عنه المهدوي : نسخ ذلك بآية المواريث . وكانت هذه قسمة قبل المواريث ، فأعطى الله بعد ذلك كل ذي حق حقه ، وجعلت الوصية للذين يحزنون ولا يرثون ، وقال ابن عباس والشعبي ومجاهد وابن جبير : ذلك محكم لم ينسخ ، وقال ابن جبير : وقد ضيع الناس هذه الآية ، قال الحسن : ولكن الناس شحوا ، وامتثل ذلك جماعة من التابعين ، عروة بن الزبير وغيره ، وأمر به أبو موسى الأشعري ، واختلف القائلون بأحكامها ، فقالت فرق : ذلك على جهة الفرض والوجوب أن يعطى الورثة لهذه الأصناف ما تفه وطابت به نفوسهم ، كالماعون والثوب الخلق ، وما خف كالتابوت ، وما تعذر قسمه ، وقال ابن جبير والحسن : ذلك على جهة الندب ، فمن تركه فلا حرج عليه ، واختلف في هذا القول إذا كان الوراث صغيراً لا يتصرف في ماله ، فقال سعيد بن جبير وغيره ، هذا على وجه المعروف فقط يقوله ولي الوارث دون عطاء ينفذ ، وقالت فرقة : بل يعطي ولي الوراث الصغير من مال محجوره بقدر ما يرى ، والقول الثاني فيمن خوطب بها : إن الخطاب للمحتضرين الذين يقسمون أموالهم بالوصية ، فالمعنى : إذا حضركم الموت أيها المؤمنون ، وقسمتم أموالكم بالوصية , وحضركم من لا يرث من ذي القرابة واليتامى فارزقوهم منه , قال ابن عباس وسعيد بن المسيب وابن زيد قال : كانوا يقولون للوصي : فلان يقسم ماله ، ومعنى " حضر " : شهد ، إلا أن الصفة بالضعف واليتم والمسكنة تقضي أن ذلك هو علة الرزق ، فحيث وجدت رزقوا وإن لم يحضروا القسمة ، و { أولو } : اسم جمع لا واحد له من لفظه ، ولا يكون إلا مضافاً للإبهام الذي فيه ، وربما كان واحده من غير لفظه : ذو ، واليتم : الانفراد واليتيم : الفرد ، وكذلك سمي من فقد أباه يتيماً لانفراده ، ورأى عبيدة ومحمد بن سيرين أن الرزق في هذه الآية ، أن يصنع لهم طعام يأكلونه ، وفعلا ذلك ، ذبحا شاة من التركة ، والضمير في قوله : { فارزقوهم } وفي قوله : { لهم } عائد على الأصناف الثلاثة ، وغير ذلك من تفريق عود الضميرين كما ذهب إليه الطبري حكم - والقول المعروف : كل ما يؤنس به من دعاء أو عدة أو غير ذلك . وقوله { وليخش } جزم بلام الأمر ، ولا يجوز إضمار هذه اللام عند سيبويه ، قياساً على حروف الجر ، إلا في ضرورة شعر ، ومنه قول الشاعر : [ الوافر ] @ مُحَمَّدُ تَفْدِ نَفْسَكَ كُلُّ نَفْسٍ إذا مَا خِفْتَ مِنْ أمْرٍ تَبَالاً @@ وقرأ أبو حيوة وعيسى بن عمر والحسن والزهري : بكسر لامات الأمر في هذه الآية ، وقد تقدم الكلام على لفظ { ذرية } في سورة آل عمران ، ومفعول يخشى محذوف لدلالة الكلام عليه ، وحسن حذفه من حيث يتقدر فيه التخويف بالله تعالى . والتخويف بالعاقبة في الدنيا ، فينظر كل متأول بحسب الأهم في نفسه ، وقرأ أبو عبد الرحمن وأبو حيوة والزهري وابن محيصن وعائشة : " ضُعفاء " بالمد وضم الضاد ، وروي عن ابن محيصن " ضُعُفاً " بضم الضاد والعين وتنوين الفاء ، وأمال حمزة { ضعافاً } وأمال - { خافوا } ، والداعي إلى إمالة { خافوا } الكسرة التي في الماضي في قولك : خفت , ليدل عليها , و { خافوا } جواب { لو } , تقديره : لو تركوا لخافوا , ويجوز حذف اللام في جواب - لو - تقول - لو قام زيد لقام عمرو ، ولو قام زيد قام عمرو ، واختلف مَن المراد بهذه الآية ؟ فقال ابن عباس وقتادة والسدي وابن جبير والضحاك ومجاهد : المراد من حضر ميتاً حين يوصي فيقول له : قدم لنفسك وأعط فلان وفلانة ويؤذي الورثة بذلك ، فكأن الآية تقول لهم : كما كنتم تخشون على ورثتكم وذريتكم بعدكم ، فكذلك فاخشوا على ورثة غيركم وذريته ، ولا تحملوه على تبذير ماله وتركهم عالة . وقال مقسم وحضرمي : نزلت في عكس ذلك ، وهو أن يقول للمحتضر : أمسك على ورثتك وأبق لولدك ، وينهاه عن الوصية فيضر بذلك ذوي القربى ، وكل من يستحق أن يوصي له ، فقيل لهم : كما كنتم تخشون على ذريتكم وتسرون بأن يحسن إليهم ، فكذلك فسددوا القول في جهة المساكين واليتامى ، واتقوا الله في ضرهم . قال القاضي أبو محمد : وهذان القولان لا يطرد واحد منهما في كل الناس ، بل الناس صنفان يصلح لأحدهما القول الواحد ، وللآخر القول الثاني ، وذلك أن الرجل إذا ترك ورثة مستقلين بأنفسهم أغنياء حسن أن يندب إلى الوصية ، ويحمل على أن يقدم لنفسه ، وإذا ترك ورثة ضعفاء مقلين حسن أن يندب إلى الترك لهم والاحتياط فإن أجره في قصد ذلك كأجره في المساكين ، فالمراعى إنما هو الضعف ، فيجب أن يمال معه ، وقال ابن عباس أيضاً : المراد بالآية ولاة الأيتام ، فالمعنى : أحسنوا إليهم وسددوا القول لهم ، واتقوا الله في أكل أموالهم كما تخافون على ذريتكم أن يفعل بهم خلاف ذلك ، وقالت فرقة : بل المراد جميع الناس ، فالمعنى : أمرهم باتقاء الله في الأيتام وأولاد الناس وإن لم يكونوا في حجورهم ، وأن يسددوا لهم القول كما يريد كل أحد أن يفعل بولده بعده ، ومن هذا ما حكاه الشيباني قال : كنا على قسطنطينة في عسكر مسلمة بن عبد الملك ، فجلسنا يوماً في جماعة من أهل العلم فيهم الديلمي فتذاكروا ما يكون من أهوال آخر الزمان ، فقلت له : يا أبا بسر ودي أن لا يكون لي ولد ، فقال لي : ما عليك ، ما من نسمة قضى الله بخروجها من رجل إلا خرجت أحب أم كره ، ولكن إن أردت أن تأمن عليهم فاتق الله في غيرهم ، ثم تلا هذه الآية ، " والسديد " معناه : المصيب للحق ، ومنه قول الشاعر : @ أعلمه الرماية كل يوم فلما اشتد ساعده رماني @@ معناه لما وافق الأغراض التي يرمي إليها .