Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 84-86)
Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذا أمر في ظاهر اللفظ للنبي عليه السلام وحده ، لكن لم نجد قط في خبر أن القتال فرض على النبي صلى الله عليه وسلم دون الأمة مدة ما ، المعنى - والله أعلم - أنه خطاب للنبي عليه السلام في اللفظ ، وهومثال ما يقال لكل واحد في خاصة نفسه ، أي أنت يا محمد وكل واحد من أمتك القول له { قاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك } ولهذا ينبغي لكل مؤمن أن يستشعر أن يجاهد ولو وحده ، ومن ذلك قول النبي عليه السلام " والله لأقاتلنهم حتى تنفرد سالفتي " وقول أبي بكر وقت الردة : " ولو خالفتني يميني لجاهدتها بشمالي " ، وخلط قوم في تعلق الفاء من قوله { فقاتل } بما فيه بعد ، والوجه أنها عاطفة جملة كلام على جملة ، وهي دالة على اطراح غير ما أمر به ، ثم خص النبي عليه السلام بالأمر بالتحريض أي الحث على المؤمنين في القيام بالفرض الواجب عليهم . و { عسى } إذا وردت من الله تعالى فقال عكرمة وغيره : إنها واجبة ، لأنها من البشر متوقعة مرجوة ففضل الله تعالى يوجب وجوبها ، وفي هذا وعد للمؤمنين بغلبتهم للكفرة ، ثم قوى بعد ذلك ، قلوبهم بأن عرفهم شدة بأس الله ، وأنه أقدر على الكفرة ، { وأشد تنكيلاً } لهم ، التنكيل : الأخذ بأنواع العذاب وترديده عليهم . وقوله تعالى : { من يشفع شفاعة حسنة } الآية . اصل الشفاعة والشفعة ونحوها من الشفع ، وهو الزوج في العدد ، لأن الشافع ثان لوتر المذنب ، والشفيع ثان لوتر المشتري ، واختلف في هذه الآية المتأولون ، فقال الطبري : المعنى من يشفع وتر الإسلام بالمعونة للمسلمين ، أو من يشفع وتر الكفر بالمعونة على الإسلام , ودله على هذا التأويل ما تقدم من أمر القتال , وقال مجاهد والحسن وابن زيد وغيرهم : هي في شفاعات الناس بينهم في حوائجهم ، فمن يشفع لينفع فله نصيب ، ومن يشفع ليضر فله كفل ، وقال الحسن وغيره : " الشفاعة الحسنة " هي في البر والطاعة ، والسيئة هي في المعاصي ، وهذا كله قريب بعضه من بعض ، " والكفل " النصيب ، ويستعمل في النصيب من الخير ومن الشر ، وفي كتاب الله تعالى { يؤتكم كفلين من رحمته } [ الحديد : 28 ] و { مقيتاً } معناه قديراً ، ومنه قول الشاعر ، وهو الزبير بن عبد المطلب : [ الوافر ] @ وَذِي ضَغنٍ كَفَفْتُ النَّفْسَ عَنْهُ وَكُنْتُ عَلَى إذَايَتِهِ مُقيتا @@ أي قديراً ، وعبر عنه ابن عباس ومجاهد ، بحفيظ وشهيد ، وعبد الله بن كثير ، بأنه الواصب القيم بالأمور ، وهذا كله يتقارب ، ومنه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقيت " على من رواها هكذا أي من هو تحت قدرته وفي قبضته من عيال وغيره ، وذهب مقاتل بن حيان ، إلى أنه الذي يقوت كل حيوان ، وهذا على أن يقال أقات بمعنى قات ، وعلى هذا يجيء قوله عليه السلام " من يقيت " من أقات وقد حكى الكسائي " أقات " يقيت ، فأما قول الشاعر [ السموأل بن عادياء ] : [ الخفيف ] @ ليث شعري وأشعرَنَّ إذا ما قَرَّبُوها مَطْوِيَّةً وَدُعِيتُ أإلى الفضل أم عليّ ؟ إذا حُو سِبْتُ ، إنّي على الحِسَابِ مُقِيتُ @@ فقال فيه الطبري : إنه من غير هذا المعنى المتقدم ، وإنه بمعنى موقوت . قال القاضي أبو محمد رحمه الله : وهذا يضعفه أن يكون بناء فاعل بمعنى بناء مفعول . وقوله تعالى : { وإذا حييتم } الآية . التحية وزنها تفعلة من حي ، وهذا هو الأغلب من مصدر فعل في المعتل ، وروي عن مالك أن هذه الآية في تشميت العاطس ، وفيه ضعف ، لأنه ليس في الكلام على ذلك دلالة ، أما أن الرد على المشمت مما يدخل بالقياس في معنى رد التحية ، وهذا هو منحة مالك رحمه الله إن صح ذلك عنه والله أعلم ، واختلف المتأولون ، فقالت فرقة : التحية أن يقول الرجل : سلام عليك ، فيجب على الآخر أن يقول : عليك السلام ورحمة الله ، فإن قال البادىء : السلام عليك ورحمة الله ، قال الراد عليك السلام ورحمة الله وبركاته ، فإن قال البادىء : السلام عليك ورحمة الله وبركاته ، فقد انتهى ولم يبق للراد أن يحيي بأحسن منها ، فهاهنا يقع الرد المذكور في الآية ، فالمعنى عند أهل هذه القالة { إذا حييتم بتحية } ، فإن نقص المسلم من النهاية فحيوا بأحسن . وإن انتهى فردوا ، وقالت فرقة : إنما معنى الآية تخيير الراد ، فإذا قال البادىء : السلام عليك ، فللراد أن يقول ، وعليك السلام فقط ، وهذا هو الرد ، وله أن يقول ، عليك السلام ورحمة الله ، وهذا هو التحية بأحسن منها ، وقال ابن عباس وغيره : المراد بالآية ، { إذا حييتم بتحية } ، فإن كانت من مؤمن فحيوا بأحسن منها ، وإن كانت من كافر فردوا على ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقال لهم : وعليكم ، وروي عن ابن عمرو وابن عباس وغيرهما ، انتهى السلام إلى البركة ، وجمهور أهل العلم على أن لا يبدأ أهل الكتاب بسلام ، فإن سلم أحد ساهياً أو جاهلاً فينبغي أن يستقيله سلامه ، وشذ قوم في إباحة ابتدائهم ، والأول أصوب ، لأنه به يتصور إذلالهم ، وقال ابن عباس : كل من سلم عليك من خلق الله فرد عليه وإن كان مجوسياً ، وقال عطاء : الآية في المؤمنين خاصة ، ومن سلم من غيرهم قيل له : عليك ، كما في الحديث ، وأكثر أهل العلم على أن الابتداء بالسلام سنة مؤكدة ، ورده فريضة ، لأنه حق من الحقوق ، قاله الحسن بن أبي الحسن وغيره ، و { حسيباً } معناه : حفيظاً ، وهو فعيل من الحساب ، وحسنت هاهنا هذه الصفة ، إذ معنى الآية في أن يزيد الإنسان أو ينقص أو يوفي قدر ما يجيء به .