Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 40, Ayat: 29-33)

Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قول هذا المؤمن : { يا قوم لكم الملك اليوم } استنزال لهم ووعظ لهم من جهة شهواتهم وتحذير من زوال ترفتهم ونصيحة لهم في أمر دنياهم . وقوله : { في الأرض } يريد في أرض مصر وما والاها من مملكتهم . ثم قررهم على من هو الناصر لهم من بأس الله ، وهذه الأقوال تقتضي زوال هيبة فرعون ، ولذلك استكان هو ورجع يقول : { ما أريكم إلا ما أرى } كما تقول لمن لا تحكم له . وقوله : { أريكم } من رأى قد عدي بالهمزة ، فللفعل مفعولان أحدهما الضمير في { أريكم } والآخر ما في قوله : { إلا ما } وكأن الكلام أراكم ما أرى ، ثم أدخل في صدر الكلام { ما } النافية وقلب معناها بـ { إلا } الموجبة تخصيصاً وتأكيداً للأمر ، وهذا كما تقول : قام زيد ، فإذا قلت : ما قام إلا زيد أفدت تخصيصه وتأكيد أمره . و { أرى } متعدية إلى مفعول واحد وهو الضمير الذي فيه العائد على { ما } ، تقديره : إلا ما أراه ، وحذف هذا المفعول من الصفة حسن لطول الصلة . وقرأ الجمهور : { الرشاد } مصدر رشد ، وفي قراءة معاذ بن جبل : " سبيل الرشّاد " بشد الشين ، قال أبو الفتح : وهو اسم فاعل في بنيته مبالغة وهو من الفعل الثلاثي رشد فهو كعباد من عبد . وقال النحاس : هو لحن وتوهمه من الفعل الرباعي وقوله مردود . قال أبو حاتم : كان معاذ بن جبل يفسرها سبيل الله . ويبعد عندي هذا على معاذ رضي الله عنه ، وهل كان فرعون إلا يدعي أنه إله ، ويقلق بناء اللفظة على هذا التأويل . واختلف الناس من المراد بقوله : { وقال الذي آمن } فقال جمهور المفسرين : هو المؤمن المذكور أولاً ، قص الله تعالى أقاويله إلى آخر الآيات . وقالت فرقة : بل كلام ذلك المؤمن قديم ، وإنما أراد تعالى بـ { الذي آمن } موسى عليه السلام ، واحتجت هذه الفرقة بقوة كلامه ، وأنه جلح معه بالإيمان وذكر عذاب الآخرة وغير ذلك ، ولم يكن كلام الأول إلا بملاينة لهم . وقوله : { مثل يوم الأحزاب } مثل يوم من أيامهم ، لأن عذابهم لم يكن في واحد ولا عصر واحد . و { الأحزاب } : المتحزبون على أنبياء الله تعالى ، و { مثل } الثاني بدل من الأول . والدأب . العادة . وقوله : { وما الله يريد ظلماً للعباد } أي من نفسه أن يظلمهم هو عز وجل ، فالإرادة هنا على بابها ، لأن الظلم منه لا يقع البتة ، وليس معنى الآية أن الله لا يريد ظلم بعض العباد لبعض ، والبرهان وقوعه ، ومحال أن يقع ما لا يريده الله تعالى . وقوله : { يوم التنادي } معناه ينادي قوم قوماً ويناديهم الآخرون . واختلف المتأولون في { التنادي } المشار إليه ، فقال قتادة : هو نداء أهل الجنة أهل النار { فهل وجدتم ما وعد ربكم حقاً } [ الأعراف : 44 ] ، ونداء أهل النار لهم : { أفيضوا علينا من الماء } [ الأعراف : 50 ] . وقالت فرقة : بل هو النداء الذي يتضمنه قوله تعالى : { يوم ندعو كل أناس بإمامهم } [ الإسراء : 71 ] . وقال ابن عباس وغيره : هو التنادي الذي يكون بالناس عند النفخ في الصور نفخة الفزع في الدنيا وأنهم يفرون على وجوههم للفزع الذي نالهم وينادي بعضهم بعضاً ، وروي هذا التأويل عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم . قال القاضي أبو محمد : ويحتمل أن يكون المراد التذكير بكل نداء في القيامة فيه مشقة على الكفار والعصاة ، ولها أجوبة بنداء وهي كثيرة منها ما ذكرناه ، ومنها " يا أهل النار خلود لا موت " ، ومنها " يا أهل الجنة خلود لا موت " ، ومنها نداء أهل الغدرات والنداء { لمقت الله } [ غافر : 10 ] ، والنداء { لمن الملك اليوم } [ غافر : 16 ] إلى غير ذلك . وقرأت فرقة : " التنادْ " بسكون الدال في الوصل ، وهذا على إجرائهم الوصل مجرى الوقف في غير ما موضع ، وقرأ نافع وابن كثير : " التنادي " بالياء في الوصل والوقف وهذا على الأصل . وقرأ الباقون " التناد " بغير ياء فيهما ، وروي ذلك عن نافع وابن كثير ، وحذفت الياء مع الألف واللام حملاً على حذفها مع معاقبها وهو التنوين . وقال سيبويه : حذفت الياء تخفيفاً . وقرأ ابن عباس والضحاك وأبو صالح والكلبي : " التنادّ " بشد الدال ، وهذا معنى آخر ليس من النداء ، بل هو من ند البعير إذا هرب ، وبهذا المعنى فسر ابن عباس والسدي هذه الآية ، وروت هذه الفرقة في هذا المعنى حديثاً أن الله تعالى إذا طوى السماوات نزلت ملائكة كل سماء فكانت صفاً بعد صف مستديرة بالأرض التي عليها الناس للحساب ، فإذا رأى العالم هو القيامة وأخرجت جهنم عنقها إلى أصحابها فر الكفار وندوا مدبرين إلى كل جهة فتردهم الملائكة إلى المحشر خاسئين لا عاصم لهم ، قالت هذه الفرقة ، ومصداق هذا الحديث في كتاب الله تعالى قوله : { والملك على أرجائها } [ الحاقة : 17 ] وقوله تعالى : { وجاء ربك والملك صفاً صفاً } [ الفجر : 22 ] وقوله تعالى : { يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا ، لا تنفذون إلا بسلطان } [ الرحمن : 33 ] . وقوله تعالى : { يوم تولون مدبرين } معناه : على بعض الأقاويل في التنادي تفرون هروباً من المفزع وعلى بعضها تفرون مدبرين إلى النار . والعاصم : المنجي .