Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 42, Ayat: 28-33)
Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذه تعديد نعمة الله تعالى الدالة على وحدانيته ، وأنه الإله الذي يستحق أن يعبد دون سواه من الأنداد . وقرأ " يُنَزِّل " مثقلة جمهور القراء ، وقرأها " يُنْزِل " مخففة ابن وثاب والأعمش ، ورويت عن أبي عمرو ، ورجحها أبو حاتم ، وقرأ جمهور الناس : " قنَطوا " بفتح النون ، وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش : بكسر النون ، وقد تقدم ذكرها وهما لغتان : قنَط ، وقنِط ، وروي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قيل له : أجدبت الأرض وقنط الناس ، فقال : مطروا إذاً ، بمعنى أن الفرج عند الشدة ، واختلف المتأولون في قوله تعالى : { وينشر رحمته } فقالت فرقة : أراد بالرحمة المطر ، وعدد النعمة بعينها بلفظتين : الثاني منهما يؤكد الأول . وقالت فرقة : الرحمة في هذا الموضع الشمس ، فذلك تعديد نعمة غير الأولى ، وذلك أن المطر إذا ألم بعد القنط حسن موقعه ، فإذا دام سئم ، فتجيء الشمس بعده عظيمة الموضع . وقوله تعالى : { وهو الولي الحميد } أي من هذه أفعاله فهو الذي ينفع إذا والى وتحمد أفعاله ونعمه ، لا كالذي لا يضر ولا ينفع من أوثانكم . ثم ذكر تعالى الآية الكبرى ، الصنعة الدالة على الصانع ، وذلك { خلق السماوات والأرض } . وقوله تعالى : { وما بث فيهما } يتخرج على وجوه ، منها أن يريد إحداهما فيذكر الاثنين كما قال : { يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان } [ الرحمن : 22 ] وذلك إنما يخرج من الملح وحده ، ومنها أن يكون تعالى قد خلق السماوات وبث دواب لا نعلمها نحن ، ومنها أن يريد الحيوانات التي توجد في السحاب ، وقد يقع أحياناً كالضفادع ونحوها ، فإن السحاب داخل في اسم السماء . وحكى الطبري عن مجاهد أنه قال في تفسير : { وما بث فيهما من دابة } هم الناس والملائكة ، وبعيد غير جار على عرف اللغة أن تقع الدابة على الملائكة . وقوله تعالى : { وهو على جمعهم } يريد القيامة عند الحشر من القبور وقوله تعالى : { وما أصابكم من مصيبة } قرأ جمهور القراء : " فبما " بفاء ، وكذلك هي في جل المصاحف . وقرأ نافع وابن عامر وأبو جعفر وشيبة : " بما " دون فاء . وحكى الزجاج أن أبا جعفر وحده من المدنيين أثبت الفاء . قال أبو علي الفارسي : " أصاب " ، من قوله : " وما أصاب " يحتمل أن يكون في موضع جزم ، وتكون { ما } شرطية ، وعلى هذا لا يجوز حذف الفاء عند سيبويه ، وجوز حذفها أبو الحسن الأخفش وبعض البغداديين على أنها مرادة في المعنى ، ويحتمل أن يكون " أصاب " صلة لما ، وتكون { ما } بمعنى الذي ، وعلى هذا يتجه حذف الفاء وثبوتها ، لكن معنى الكلام مع ثبوتها التلازم ، أي لولا كسبكم ما أصابتكم مصيبة ، والمصيبة إنما هي بسبب كسب الأيدي ، ومعنى الكلام مع حذفها يجوز أن يكون التلازم ، ويجوز أن يعرى منه ، وأما في هذه الآية فالتلازم مطرد مع الثبوت والحذف . وأما معنى الآية فاختلف الناس فيه ، فقالت فرقة : هي إخبار من الله تعالى بأن الرزايا والمصائب في الدنيا إنما هي مجازاة من الله تعالى على ذنوب المرء وخطاياه ، وأن الله تعالى يعفو عن كثير فلا يعاقب عليه بمصيبة ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا يصيب ابن آدم خدش عود أو عثرة قدم ولا اختلاج عرق إلا بذنب وما يعفو عنه أكثر " وقال عمران بن حصين وقد سئل عن مرضه إن أحبه إلي أحبه إلى الله ، وهذا بما كسبت يداي ، وعفو ربي كثير . وقال مرة الهمداني : رأيت على ظهر كف شريح قرحة فقلت ما هذا ؟ قال هذا بما كسبت يدي { ويعفو عن كثير } ، وقيل لأبي سليمان الداراني : ما بال الفضلاء لا يلومون من أساء إليهم ؟ فقال لأنهم يعلمون أن الله تعالى هو الذي ابتلاهم بذنوبهم . وروي عن علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن الله أكرم من أن يثني على عبده العقوبة إذا أصابته في الدنيا بما كسبت يداه " . وقال الحسن بن أبي الحسن ، معنى الآية في الحدود : أي ما أصابكم من حد من حدود الله ، وتلك مصائب تنزل بشخص الإنسان ونفسه ، فإنما هي بكسب أيديكم { ويعفو عن كثير } ، فستره على العبد حتى لا يحد عليه . ثم أخبر عن قصور ابن آدم وضعفه وأنه في قبضة القدرة ، لا يعجز طلب ربه ، ولا يمكنه الفرار منه و { الجواري } جمع جارية ، وهي السفينة . وقرأ : " الجواري " بالياء نافع وعاصم وأبو عمرو وأبو جعفر وشيبة ، ومنهم من أثبتها في الوصل ووقف على الراء . وقرأ أيضاً عاصم بحذف الياء في وصل ووقف . وقال أبو حاتم : نحن نثبتها في كل حال . و : " الأعلام " الجبال ، ومنه قول الخنساء : [ البسيط ] @ وإن صخراً لتأتم الهداة به كأنه علم في رأسه نار @@ ومنه المثل : إذا قطعن علماً بدا علم فجري السفن في الماء آية عظيمة ، وتسخير الريح لذلك نعمة منه تعالى ، وهو تعالى لو شاء أن يديم سكون الريح عنها لركدت أي أقامت وقرت ولم يتم منها غرض . وقرأ أبو عمرو وعاصم " الريح " واحدة . وقرأ : " الرياح " نافع وابن كثير والحسن . وقرأ الجمهور : " فيظلَلن " بفتح اللام . وقرأ قتادة : " فيظلِلن " بكسر اللام . وباقي الآية فيه الموعظة وتشريف الصبار الشكور بالتخصيص ، والصبر والشكر فيهما الخير كله ، ولا يكونان إلا في عالم .