Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 45, Ayat: 22-24)

Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وخلق الله السماوات والأرض بالحق } معناه : بأن خلقها حق واجب متأكد في نفسه لما فيه من فيض الخيرات ولتدل عليه ولتكون صنعة حاكمة لصانع وقيل لبعض الحكماء : لم خلق الله السماوات والأرض ؟ قال ليظهر جوده . واللام في قوله : { لتجزى } يظهر أن تكون لام كي ، فكأن الجزاء من أسباب خلق السماوات ، ويحتمل أن تكون لام الصيرورة أي صار الأمر فيها من حيث اهتدى بها قوم وضل عنها آخرون لأن يجازى كل أحد بعلمه وبما اكتسب من خير أو شر . وقوله تعالى : { أفرأيت } سهل بعض القراء الهمزة وخففها قوم ، وكذلك هي في مصحف ابن مسعود مخففة ، وفي مصحف أبي بن كعب : " أفرايت " دون همز . وهذه الآية تسلية لمحمد صلى الله عليه وسلم عن المعرضين عن الإيمان ، أي لا تعجل بهم ولا تهتم بأمرهم ، فليس فيهم حيلة لبشر ، لأن الله تعالى أضلهم . وقال ابن جبير : قوله : { إلهه هواه } إشارة إلى الأصنام إذ كانوا يعبدون ما يهوون من الحجارة . وقال قتادة المعنى : لا يهوى شيئاً إلا ركبه ، لا يخاف الله ، وهذا كما يقال : الهوى إله معبود . وقرأ الأعرج وابن جبير : " آلهة هواه " على التأنيث في " آلهة " . وهذه الآية وإن كانت نزلت في هوى الكفر فهي متناولة جميع هوى النفس الأمارة ، قال ابن عباس : ما ذكر الله هوى إلا ذمة . وقال الشعبي : سمي هوى لهويه بصاحبه . وقال النبي عليه السلام : " والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله " وقال سهل التستري : هواك داؤك ، فإن خالفته فدواؤك . وقال سهل : إذا شككت في خير أمرين ، فانظر أبعدهما من هواك فأته . ومن حكمة الشعر في هذا قول القائل : @ إذا أنت لم تعص الهوى قادك الـ ـهوى إلى كل ما فيه عليك مقال @@ وقوله تعالى : { على علم } قال ابن عباس المعنى : على علم من الله تعالى سابق . وقالت فرقة : أي على علم من هذا الضال بأن الحق هو الذي يترك ويعرض عنه ، فتكون الآية على هذا من آيات العناد من نحو قوله : { وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم } [ النمل : 14 ] وعلى كلا التأويلين : فـ { على علم } ، حال . وقوله تعالى : { وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة } استعارت كلها ، إذ هو الضال لا ينفعه ما يسمع ولا ما يفهم ولا ما يرى ، فكأنه بهذه الأوصاف المذكورة ، وهذه الآية لا حجة للجبرية فيها ، لأن التكسب فيها منصوص عليه في قوله : { اتخذ } وفي قوله : { على علم } على التأويل الأخير فيه ، ولو لم ينص على الاكتساب لكان مراداً في المعنى . وقرأ أكثر القراء " غِشاوة " بكسر الغين . وقرأ عبد الله بن مسعود : " غَشاوة " بفتح الغين وهي لغة ربيعة ، وحكي عن الحسن وعكرمة : " غُشاوة " بضم الغين وهي لغة عكل ، وقرأ حمزة والكسائي : " غَشْوة " بفتح الغين وإسكان الشين . و قرأ الأعمش وابن مصرف بكسر الغين دون ألف . وقوله : { من بعد الله } فيه حذف مضاف تقديره : من بعد إضلال الله إياه . وقرأ عاصم وأراه الجحدري : " تذكرون " بتخفيف الذال . وقرأ جمهور الناس : " تذّكرون " على الخطاب أيضاً بتشديد الذال . وقرأ الأعمش : " تتذكرون " بتاءين . وقوله تعالى : { وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا } الآية حكاية مقالة بعض قريش ، وهذه صنيفة دهرية من كفار العرب . ومعنى قولهم : ما في الوجود إلا هذه الحياة التي نحن فيها وليست ثم آخرة ولا بعث . واختلف المفسرون في معنى قولهم : { نموت ونحيا } فقالت فرقة المعنى : نحن موتى قبل أن نوجد ، ثم نحيا في وقت وجودنا . وقالت فرقة : المعنى : { نموت } حين نحن نطف ودم ، ثم { نحيا } بالأرواح فينا ، وهذا قول قريب من الأول ، ويسقط على القولين ذكر الموت المعروف الذي هو خروج الروح من الجسد ، وهو الأهم في الذكر . وقالت فرقة المعنى نحيا ونموت ، فوقع في اللفظ تقديم وتأخير . وقالت فرقة : الغرض من اللفظ العبارة عن حال النوع ، فكأن النوع بجملته يقول : إنما نحن تموت طائفة وتحيا طائفة دأباً . وقولهم : { وما يهلكنا إلا الدهر } أي طول الزمان هو الملهك ، لأن الآفات تستوي فيه كمالاتها ، فنفى الله تعالى علمهم بهذا وأعلم انها ظنون وتخرص تفضي بهم إلى الإشراك بالله تعالى . و { الدهر } والزمان تستعمله الغرب بمعنى واحد . وفي قراءة ابن مسعود : " وما يهلكنا إلا دهر يمر " . وقال مجاهد : { الدهر } هنا الزمان ، وروى أبو هريرة عن النبي عليه السلام أنه قال : " كان أهل الجاهلية يقولون : إنما يهلكنا الليل والنهار " ، ويفارق هذا الاستعمال قول النبي عليه السلام : " لا تسبوا الدهر ، فإن الله تعالى هو الدهر " وفي حديث آخر : " قال الله تعالى يسب ابن آدم الدهر ، وأنا الدهر بيدي الليل والنهار " ومعنى هذا الحديث : فإن الله تعالى يفعل ما تنسبونه إلى الدهر وتسبونه بسبه . وإذا تأملت مثالات هذا في الكلام ظهرت إن شاء الله تعالى .