Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 46, Ayat: 16-19)

Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { أولئك } دليل على أن الإشارة بقوله : { ووصينا الإنسان } [ الأحقاف : 15 ] إنما أراد الجنس . وقرأ جمهور القراء : " يُتَقبَّل " بالياء على بناء الفعل للمفعول وكذلك " يُتجاوز " . وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم فيهما بالنون التي للعظمة " نتقبل " " أحسنَ " بالنصب " ونتجاوز " وهي قراءة طلحة وابن وثاب وابن جبير والأعمش بخلاف عنه . وقرأ الحسن " يَتقبل " بياء مفتوحة " ويَتجاوز " كذلك ، أي الله تعالى وقوله : { في أصحاب الجنة } يريد الذين سبقت لهم رحمة الله . وقوله : { وعدَ الصدق } نصب على المصدر المؤكد لما قبله . وقوله تعالى : { والذي قال لوالديه أف لكما } الآية ، { الذي } يعنى به الجنس على حد العموم الذي في الآية التي قبلها في قوله : { ووصينا الإنسان } [ الأحقاف : 15 ] وهذا قول الحسن وجماعة ، ويشبه أن لها سبباً من رجل قال ذلك لأبويه . فلما فرغ من ذكر الموفق عقب بذكر هذا العاق . وقال ابن عباس في كتاب الطبري : هذه الآية نزلت في ابن لأبي بكر ولم يسمِّه . وقال مروان بن الحكم : نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، وقاله قتادة ، وذلك أنه كان أكبر ولد أبي بكر وشهد بدراً وأحداً مع الكفار ، وقال لأبيه في الحرب : @ لم يبق إلا شكة ويعبوب وصارم يقتل ضلال الشيب @@ ودعاه إلى المبارزة فكان بمكة على نحو هذه الخلق ، فقيل إن هذه الآية نزلت فيه . وروي أن مروان بن الحكم خطب وهو أمير المدينة فدعا الناس إلى بيعة يزيد ، فقال عبد الرحمن بن أبي بكر : جعلتموها هرقلية ، كلما مات هرقل ولي هرقل ، وكلما مات قيصر ولي قيصر ، فقال مروان بن الحكم : خذوه ، فدخل عبد الرحمن بيت عائشة أخته أم المؤمنين ، فقال مروان : إن هذا هو الذي قال الله فيه : { والذي قال لوالديه أف لكما } فسمعته عائشة ، فأنكرت ذلك عليه ، وسبت مروان ، وقالت له : والله ما نزل في آل أبي بكر من القرآن غير براءتي ، وإني لأعرف فيمن نزلت هذه الآية . وذكر ابن عبد البر أن الذي خطب هو معاوية ، وذلك وهم ، والأصوب أن تكون عامة في أهل هذه الصفات ولم يقصد بها عبد الرحمن ولا غيره من المؤمنين والدليل القاطع على ذلك قوله : { أولئك الذين حق عليهم القول في أمم } وكان عبد الرحمن رحمه الله من أفضل الصحابة ومن الأبطال ، وممن له في الإسلام غناء يوم اليمامة وغيره . وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم وطلحة بن مصرف : " أفِّ " بكسر الفاء بغير تنوين ، وذلك فيها علامة تعريف . وقرأ ابن كثير وابن عامر وابن محيصن وشبل وعمرو بن عبيد : " أفَّ " بالفتح ، وهي لغة الكسر والفتح . وقرأ نافع وحفص عن عاصم وأبو جعفر وشيبة والحسن والأعرج : " أفٍّ " بالكسر والتنوين ، وذلك علامة تنكير ، وهي كصه وغاق ، وكما تستطعم رجلاً حديثاً غير معين فتقول " إيه " منونة ، فإن كان حديثاً مشاراً إليه قلت " إيهِ " بغير تنوين . و { أف } : أصلها في الأقذار ، كانت العرب إذا رأت قذراً قالت : " أف " ثم صيره الاستعمال يقال في كل ما يكره من الأفعال والأقوال . وقرأ هشام عن ابن عامر وعاصم وأبو عمرو : " أتعداني " ، وقرأ أبو عمرو ونافع وشيبة والأعرج والحسن وأبو جعفر وقتادة وجمهور القراء " أتعدانني " بنونين ، والقراءة الأولى هي بإدغام النون في النون . وقرأ نافع أيضاً وجماعة : " أتعدانيَ " بنون واحدة وإظهار الياء . وقرأ نافع وأبو عمرو وعاصم وأبو جعفر والأعرج وشيبة وقتادة وأبو رجاء وابن وثاب وجمهور الناس " أن أُخرَج " بضم الهمزة وفتح الراء . وقرأ الحسن وابن يعمر والأعمش وابن مصرف والضحاك . " أَن أَخرُج " بفتح الهمزة وضم الراء . والمعنى أن أخرج من القبر للحشر والمعاد ، وهذا القول منه استفهام بمعنى الهزء والاستبعاد . وقوله : { وقد خلت القرون من قبلي } معناه : هلكت ومضت ولم يخرج منهم أحد . وقوله : { وهما } يعني الوالدين ، ويقال استغثت الله واسغثت بالله بمعنى واحد . و : { ويلك } دعاء يقال هنا لمن يحفز ويحرك لأمر ما يستعجل إليه . وقرأ الأعرج " أن وعد الله " بفتح الهمزة ، والناس على كسرها . وقوله : { ما هذا إلا أساطير } أي ما هذا القول الذي يتضمن البعث من القبور إلا شيء قد سطره الأولون في كتبهم ، يعني الشرائع ، وظاهر ألفاظ هذه الآية أنها نزلت في مشار إليه قال وقيل له ، فنعى الله أقواله تحذيراً من الوقوع في مثلها . وقوله : { أولئك } ظاهره أنها إشارة إلى جنس يتضمنه قوله : { والذي قال } ، ويحتمل إن كانت الآية في مشار إليه أن يكون قوله : { أولئك } بمعنى صنف هذا المذكور وجنسهم { الذين حق عليهم القول } ، أي قول الله إنه يعذبهم . وقوله : { قد خلت من قبلهم من الجن والإنس } يقتضي أن { الجن } يموتون كما يموت البشر قرناً بعد قرن ، وقد جاء حديث يقتضي ذلك . وقال الحسن بن أبي الحسن في بعض مجالسه : إن الجن لا يموتون ، فاعترضه قتادة بهذه الآية فسكت . وقوله تعالى : { ولكل درجات } يعني المحسنين والمسيئين . قال ابن زيد : ودرجات المحسنين تذهب علواً ، ودرجات المسيئين تذهب سفلاً . وقرأ أبو عبد الرحمن : " ولتوفيهم " بالتاء من فوق ، أي الدرجات . وقرأ جمهور الناس : " وليوفيهم " بالياء . وقرأ نافع بخلاف عنه ، وأبو جعفر وشيبة والأعرج وطلحة والأعمش : " ولنوفيهم " بالنون : قال اللؤلؤي في حرف أبي بن كعب وابن مسعود : " ولنوفينّهم " بنون أولى ونون ثانية مشددة ، وكل امرئ يجني ثمرة عمله من خير أو شر ولا يظلم في مجازاته ، بل يوضع كل أمر موضعه من ثواب أو عقاب .