Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 48, Ayat: 1-4)
Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قال قوم فيما حكى الزهراوي { فتحنا لك } يريد به فتح مكة ، وحكاه الثعلبي أيضاً ، ونسبه النقاش إلى الكلبي . وأخبره تعالى به على معنى : قضينا به . والفتاح : القاضي بلغة اليمن ، وقيل المراد : { إنا فتحنا لك } بأن هديناك إلى الإسلام ليغفر . وقال جمهور الناس : والصحيح الذي تعضده قصة الحديبية أن قوله : { إنا فتحنا لك } إنما معناه : إن ما يسر الله لك في تلك الخرجة فتح مبين تستقبله ، ونزلت السورة مؤنسة للمؤمنين ، لأنهم كانوا استوحشوا من رد قريش لهم ومن تلك المهادنة التي هادنهم النبي عليه السلام فنزلت السورة مؤنسة لهم في صدهم عن البيت ومذهبه : ما كان في قلوبهم ، ومنه حديث عمر الشهير وما قاله للنبي عليه السلام ولأبي بكر واستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك السفرة أنه هادن عدوه ريثما يتقوى هو ، وظهرت على يديه آية الماء في بئر الحديبية حيث وضع فيه سهمه وثاب الماء حتى كفى الجيش ، واتفقت بيعة الرضوان وهي الفتح الأعظم ، قاله جابر بن عبد الله والبراء ابن عازب . وبلغ هديه محله ، قاله الشعبي واستقبل فتح خيبر ، وامتلأت أيدي المؤمنين خيراً ، ولم يفتحها إلا أهل الحديبية ولم يشركهم فيها أحد . قال القاضي أبو محمد : وفيه نظر ، لأن أصحاب السفينة مع جعفر بن أبي طالب شاركوهم في القسم ، فينبغي أن يقال لم يشاركهم أحد من المتخلفين عن الحديبية ، واتفقت في ذلك الوقت ملحمة عظيمة بين الروم وفارس ظهرت فيها الروم ، فكانت من جملة الفتح على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسر بها هو والمؤمنون لظهور أهل الكتاب على المجوس وانخضاد الشوكة العظمى من الكفر . ثم عظم الله أمر نبيه بأن نبأه أنه غفر له { ما تقدم } من ذنبه { وما تأخر } ، فقوله : { ليغفر } هي لام كي ، لكنها تخالفها في المعنى والمراد هنا أن الله فتح لك لكي يجعل ذلك أمارة وعلامة لغفرانه لك ، فكأنها لام صيرورة ، ولهذا قال عليه السلام : " لقد أنزلت عليَّ الليلة سورة هي أحب إليّ من الدنيا " . وقال الطبري وابن كيسان المعنى : { إنا فتحنا لك } فسبح بحمد ربك واستغفره ليغفر لك ، وبنيا هذه الآية مع قوله تعالى : { إذا جاء نصر الله والفتح } [ النصر : 1 ] السورة إلى آخرها . قال القاضي أبو محمد : وهذا ضعيف من وجهين أحدهما : أن سورة ، { إذا جاء نصر الله والفتح } [ النصر : 1 ] إنما نزلت من أخر مدة النبي عليه السلام ناعية له نفسه حسبما قال ابن عباس عندما سأل عمر عن ذلك . والآخر : أن تخصيص النبي عليه السلام بالتشريف كان يذهب ، لأن كل أحد من المؤمنين هو مخاطب بهذا الذي قال الطبري ، أي سبح واستغفر لكي يغفر الله ، ولا يتضمن هذا أن الغفران قد وقع ، وما قدمناه أولاً يقتضي وقوع الغفران للنبي عليه السلام ، ويدل على ذلك " قول الصحابة له حين قام حتى تورمت قدماه : أتفعل هذا يا رسول الله وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ فقال : " أفلا أكون عبداً شكوراً " فهذا نص في أن الغفران قد وقع . وقال منذر بن سعيد المعنى : مجاهدتك بالله المقترنة بالفتح هي ليغفر . وحكى الثعلبي عن الحسن بن الفضل أن المعنى : { إنا فتحنا لك } فاستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات { ليغفر لك } الآية ، وهذا نحو قول الطبري . وقوله : { ما تقدم من ذنبك وما تأخر } قال سفيان الثوري : { ما تقدم } يريد قبل النبوءة . { وما تأخر } كل شيء لم تعلمه وهذا ضعيف ، وإنما المعنى التشريف بهذا الحكم ولو لم تكن له ذنوب البتة ، وأجمع العلماء علىعصمة الأنبياء عليهم السلام من الكبائر ومن الصغائر التي هي رذائل ، وجوز بعضهم الصغائر التي ليست برذائل ، واختلفوا هل وقع ذلك من محمد عليه السلام أو لم يقع ، وحكى الثعلبي عن عطاء الخراساني أنه قال : { ما تقدم } هو ذنب آدم وحواء ، أي ببركتك { وما تأخر } هي ذنوب أمتك بدعائك . قال الثعلبي : الإمامية لا تجوز الصغائر على النبي ولا على الإمام ، والآية ترد عليهم . وقال بعضهم : { وما تقدم } هو قوله يوم بدر : " اللهم إن تهلك هذه العصابة لن تعبد " . { وما تأخر } هو قوله يوم حنين : " لن نغلب اليوم من قلة " . قال القاضي أبو محمد : وإتمام النعمة عليه ، هو إظهاره وتغلبه على عدوه والرضوان في الآخرة . وقوله تعالى : { ويهديك صراطاً مستقيماً } معناه : إلى صراط ، فحذف الجار فتعدى الفعل ، وقد يتعدى هذا بغير حرف جر ، والنصر العزيز : هو الذي معه غلبة العدو والظهور عليه ، والنصر غير العزيز : هو الذي مضمنه الحماية ودفع العدو فقط . وإنزال السكينة في قلوب المؤمنين : وهي فعلية من السكون هو تسكينها لتلك الهدنة مع قريش حتى اطمأنت ، وعلموا أن وعد الله على لسان رسوله حق فازدادوا بذلك إيماناً إلى إيمانهم الأول وكثر تصديقهم . قال ابن عباس : لما آمنوا بالتوحيد زادهم العبادات شيئاً شيئاً . فكانوا يزيدون إيماناً حتى قال لهم : { اليوم أكملت لكم دينكم } [ المائدة : 3 ] فمنحهم أكمل إيمان أهل السماوات والأرض لا إله إلا الله . وفسر ابن عباس { السكينة } بالرحمة . وقوله : { ولله جنود السماوات والأرض } إشارة إلى تسكين النفوس أيضاً وأن تكون مسلمة ، لأنه ينصر متى شاء وعلى أي صورة شاء مما لا يدبره البشر ، ومن جنده : { السكينة } التي أنزلها في قلوب أصحاب محمد فثبت بصائرهم . وقوله تعالى : { وكان الله } أي كان ويكون ، فهي دالة على الوجود بهذه الصفة لا معينة وقتاً ماضياً . والعلم والإحكام : صفتان مقتضيتان عزة النصر لمن أراد الموصوف بهما نصره .