Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 49, Ayat: 4-8)

Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { إن الذين ينادونك } إلى قوله { رحيم } " نزلت في وفد بني تميم حيث كان الأقرع بن حابس والزبرقان بن بدر وعمرو بن الأهتم وغيرهم ، وذلك أنهم وفدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخلوا المسجد ودنوا من حجر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وهي تسعة ، فجعلوا ولم ينتظروا ، فنادوا بجملتهم : يا محمد اخرج إلينا يا محمد اخرج إلينا فكان في فعلهم ذلك جفاء وبداوة وقلة توقير ، فتربص رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم خرج إليهم ، فقال له الأقرع بن حابس : يا محمد ، إن مدحي زين وذمي شين ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ويلك ، ذلك الله تعالى " واجتمع الناس في المسجد ، فقام خطيبهم وفخر ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثابت بن قيس بن شماس فخطب وذكر الله والإسلام ، فأربى على خطيبهم ، ثم قام شاعرهم فأنشد مفتخراً ، فقام حسان بن ثابت ففخر بالله وبالرسول وبالبسالة ، فكان أشعر من شاعرهم ، فقال بعضهم لبعض : والله إن هذا الرجل لمؤتى له ، لخطيبه أخطب من خطيبنا ، ولشاعره أشعر من شاعرنا ، ثم نزلت فيهم هذه الآية " هذا تلخيص ما تظاهرت به الروايات في هذه الآية ، وقد رواه موسى بن عقبة عن أبي سلمة عن الأقرع بن حابس ، وفي مصحف ابن مسعود : " أكثرهم بنو تميم لا يعقلون " ، و : { الحجرات } : جمع حجرة . وقرأ جمهور القراء : " الحُجُرات " بضم الحاء والجيم ، وقرأ أبو جعفر القاري وحده : " الحُجَرات " بضم الحاء وفتح الجيم . وقوله تعالى : { لكان خيراً لهم } يعني في الثواب عند الله وفي انبساط نفس النبي صلى الله عليه وسلم وقضائه لحوائجهم ووده لهم ، وذلك كله خير ، لا محالة أن بعضه انزوى بسبب جفائهم . وقوله تعالى : { والله غفور رحيم } ترجية لهم وإعلام بقبوله توبة التائب وغفرانه ورحمته لمن أناب ورجع . وقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ } سببها أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث الوليد بن عقبة بن أبي معيط إلى بني المصطلق مصدقاً ، فروي أنه كان معادياً لهم فأراد إذايتهم ، فرجع من بعض طريقه وكذب عليهم ، قاله الضحاك ، وقال للنبي صلى الله عليه وسلم : إنهم منعوني الصدقة وطردوني وارتدوا ، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم بغزوهم ، ونظر في ذلك ، وبعث خالد بن الوليد إليهم ، فورده وفدهم منكرين لذلك ، وروي عن أم سلمة وابن عباس أن الوليد بن عقبة لما قرب منهم خرجوا إليه متلقين له ، فرآهم على بعد ، ففزع منهم ، وظن بهم الشر وانصرف ، فقال ما ذكرناه ، وروي أنه لما قرب منهم بلغه عنهم أنهم قالوا : لا نعطيه الصدقة ولا نعطيه ، فعمل على صحة هذا الخبر وانصرف ، فقال ما ذكرناه فنزلت الآية بهذا السبب ، والوليد على ما ذكر مجاهد هو المشار إليه بالفاسق وحكى الزهراوي قالت أم سلمة : هو الوليد بن عقبة . قال القاضي أبو محمد : ثم هي باقية فيمن اتصف بهذه الصفة غابر الدهر . والفسق : الخروج عن نهج الحق ، وهو مراتب متباينة ، كلها مظنة للكذب وموضع تثبت وتبين ، وتأنس القائلون بقبول خبر الواحد بما يقتضيه دليل خطاب هذه الآية ، لأنه يقتضي أن غير الفاسق إذا جاء بنبإ أن يعمل بحسبه ، وهذا ليس باستدلال قوي وليس هذا موضع الكلام على مسألة خبر الواحد . وقرأ الجمهور من القراء : " فتبينوا " من التبين . وقرأ الحسن وابن وثاب وطلحة والأعمش وعيسى : " فتثبتوا " . و { أن } في قوله : { أن تصيبوا } مفعول من أجله ، كأنه قال : مخافة { أن تصيبوا } . قال قتادة : وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما نزلت هذه الآية : " التثبت من الله والعجلة من الشيطان " قال منذر بن سعيد هذه الآية ترد على من قال : إن المسلمين كلهم عدول حتى تثبت الجرحة ، لأن الله تعالى أمر بالتبين قبل القبول . قال القاضي أبو محمد : فالمجهول الحال يخشى أن يكون فاسقاً والاحتياط لازم . قال النقاش " تبينوا " أبلغ ، لأنه قد يتثبت من لا يتبين . وقوله تعالى : { واعلموا أن فيكم رسول الله } توبيخ للكذبة ووعيد للفضيحة ، أي فليفكر الكاذب في أن الله عز وجل يفضحه على لسان رسوله ؛ ثم قال : { لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم } أي لشقيتم وهلكتم ، والعنت : المشقة ، أي لو يطيعكم أيها المؤمنون في كثير مما ترونه باجتهادكم وتقدمكم بين يديه . وقوله تعالى : { ولكن الله حبب إليكم } الآية كأنه قال : ولكن الله أنعم بكذا وكذا ، وفي ذلك كفاية وأمر لا تقومون بشكره فلا تتقدموا في الأمور ، واقنعوا بإنعام الله عليكم ، وحبب الله تعالى الإيمان وزينه بأن خلق في قلوب المؤمنين حبه وحسنه ، وكذلك تكريه الكفر والفسق والعصيان ، وحكى الرماني عن الحسن أنه قال : حبب الإيمان بما وصف من الثواب عليه وكره الثلاثة المقابلة للإيمان بما وصف من العقاب عليها . وقوله تعالى : { أولئك هم الراشدون } رجوع من الخطاب إلى ذكر الغيب ، كأنه قال : ومن فعل هذا وقبله وشكر عليه فأولئك هم الراشدون . وقوله تعالى : { فضلاً من الله ونعمة } مصدر مؤكد لنفسه ، لأن ما قبله هو بمعناه ، إن التحبيب والتزيين هو نفس الفضل ، وقد يجيء المصدر مؤكداً لما قبله إذا لم يكن هو نفس ما قبله ، كقولك جاءني زيد حقاً ونحوه وكان قتادة رحمه الله يقول : قد قال الله تعالى لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم : { واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم } ، وأنتم والله أسخف الناس رأياً ، وأطيش أحلاماً ، فليتهم رجل نفسه ، ولينتصح كتاب الله تعالى .