Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 49-50)

Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وأن احكم } معطوف على { الكتاب } في قوله : { وأنزلنا إليك الكتاب } [ المائدة : 48 ] ، وقال مكي : وهو معطوف على " الحق " في قوله : { وأنزلنا إليك الكتاب بالحق } [ المائدة : 48 ] ، والوجهان حسنان ، ويقرأ بضم النون من " أنُ احكم " مراعاة للضمة في عين الفعل المضارع ، ويقرأ بكسرها على القانون في التقاء الساكنين ، وهذه الآية ناسخة عند قوم للتخيير الذي في قوله { أو أعرض عنهم } [ المائدة : 42 ] وقد تقدم ذكر ذلك ، ثم نهاه تعالى عن اتباع أهواء بني إسرائيل إذ هي مضلة ، والهوى في الأغلب إنما يجيء عبارة عما لا خير فيه ، وقد يجيء أحياناً مقيداً بما فيه خير ، من ذلك قول عمر بن الخطاب في قصة رأيه ورأي أبي بكر في أسرى بدر : فهوى رسول الله رأي أبي بكر ، ومنه قول عمر بن عبد العزيز وقد قيل له ما ألذ الأشياء عندك ؟ قال : حق وافق هوى ، والهوى مقصور ووزنه فعل ، ويجمع على أهواء ، والهواء ممدود ويجمع على أهوية ، ثم حذر تبارك وتعالى من جهتهم " أن يفتنوه " أي يصرفوه بامتحانهم وابتلائهم عن شيء مما أنزل الله عليه من الأحكام ، لأنهم كانوا يريدون أن يخدعوا النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالوا له مراراً احكم لنا في نازلة كذا بكذا ونتبعك على دينك ، وقوله تعالى : { فإن تولوا } قبله محذوف من الكلام يدل عليه الظاهر ، تقديره لا تتبع واحذر ، فإن حكموك مع ذلك واستقاموا فنعما ذلك وإن تولوا فاعلم ، ويحسن أن يقدر هذا المحذوف المعادل بعد قوله { الفاسقون } ، قوله تعالى : { فاعلم } الآية وعد للنبي صلى الله عليه وسلم فيهم ، وقد أنجزه بقصة بني قينقاع وقصة قريظة والنضير وإجلاء عمر أهل خيبر وفدك وغيرهم ، وخصص تعالى إصابتهم ببعض الذنوب دون كلها لأن هذا الوعيد إنما هو في الدنيا وذنوبهم فيها نوعان : نوع يخصهم كشرب الخمر ورباهم ورشاهم ونحو ذلك ، ونوع يتعدى إلى النبي والمؤمنين كمعاملاتهم للكفار وأقوالهم في الدين ، فهذا النوع هو الذي يوجد إليهم السبيل وبه هلكوا وبه توعدهم الله في الدنيا ، فلذلك خصص البعض دون الكل ، وإنما يعذبون بالكل في الآخرة ، وقوله تعالى : { وإن كثيراً من الناس لفاسقون } إشارة إليهم لكن جاءت العبارة تعمهم وغيره ليتنبه سواهم ممن كان على فسق ونفاق وتولٍّ عن النبي عليه السلام فيرى أنه تحت الوعيد . واختلف القراء في قوله تعالى : { أفحكم الجاهلية يبغون } فقرأ الجمهور بنصب الميم على إعمال فعل ما يلي ألف الاستفهام بينه هذا الظاهر بعد ، وقرأ يحيى بن وثاب والسلمي وأبو رجاء والأعرج " أفحكُم " برفع الميم ، قال ابن مجاهد : وهي خطأ ، قال أبو الفتح : ليس كذلك ولكنه وجه غيره أقوى منه . وقد جاء في الشعر ، قال أبو النجم : @ قد أصبحت أم الخيار تدعي عليَّ ذنباً كلُّه لم أصنع @@ برفع كلّ . قال القاضي أبو محمد : وهكذا الرواية ، وبها يتم المعنى الصحيح لأنه أراد التبرؤ من جميع الذنب ، ولو نصب " كل " لكان ظاهر قوله إنه صنع بعضه ، وهذا هو حذف الضمير من الخبر وهو قبيح ، التقدير يبغونه ولم أصنع ، وإنما يحذف الضمير كثيراً من الصلة كقوله تعالى : { أهذا الذي بعث الله رسولاً } [ الفرقان : 41 ] ، وكما تقول مررت بالذي أكرمت ، ويحذف أقل من ذلك من الصفة ، وحذفه من الخبر قبيح كما جاء في بيت أبي النجم ، ويتجه بيته بوجهين : أحدهما أنه ليس في صدر قوله ألف استفهام يطلب الفعل كما هي في قوله تعالى : { أفحكم } والثاني أن في البيت عوضاً من الهاء المحذوفة ، وذلك حرف الإطلاق أعني الياء في اصنعي فتضعف قراءة من قرأ " أفحكمُ " بالرفع لأن الفعل بعده لا ضمير فيه ولاعوض من الضمير ، وألف الاستفهام التي تطلب الفعل ويختار معها النصب وإن لفظ بالضمير حاضرة ، وإنما تتجه القراءة على أن يكون التقدير أفحكم الجاهلية حكم يبغون فلا تجعل يبغون خبراً بل تجعله صفة خبر يحرفون فحذف الموصوف وأقام الصفة مقامه ، ومثله قول الشاعر : @ وما الدهر إلا تارتان فمنهما أموت وأخرى أبتغي العيش أكدح @@ وقرأ سليمان بن مهران " أفحَكَمَ " بفتح الحاء والكاف والميم وهو اسم جنس ، وجاز إضافة اسم الجنس على نحو قولهم منعت العراق قفيزها ودرهمها ومصر أردبها ، وله نظائر . وقال القاضي أبو محمد : فكأنه قال أفحكام الجاهلية يبغون ؟ إشارة إلى الكهان الذين كانوا يأخذون الحلوان ويحكمون بحسبه وبحسب الشهوات ، ثم ترجع هذه القراءة بالمعنى إلى الأولى لأن التقدير { أفحكم الجاهلية } ، وقرأ ابن عامر " تبغون " بالتاء على الخطاب لهم أي قل لهم . وباقي السبعة " يبغون " بالياء من تحت ، و { يبغون } معناه يطلبون ويريدون ، وقوله تعالى : { ومن أحسن من الله حكماً } تقرير أي لا أحد أحسن منه حكماً تبارك وتعالى وحسن دخول اللام في قوله : { لقوم } من حيث المعنى يبين ذلك ويظهر لقوم يوقنون .