Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 73-75)

Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذه الآية إخبار مؤكد كالذي قبله ، وهو عن هذه الفرقة الناطقة بالتثليت وهي فيما يقال الملكية وهم فرق منهم النسطورية وغيرهم ، ولا معنى لذكر أقوالهم في كتاب تفسير ، إنما الحق أنهم على اختلاف أحوالهم كفار من حيث جعلوا في الألوهية عدداً ومن حيث جعلوا لعيسى عليه السلام حكماً إلهياً ، وقوله تعالى { ثالث ثلاثة } لا يجوز فيه إلا الإضافة وخفض { ثلاثةٍ } لأن المعنى أحد ثلاثة فإن قلت زيد ثالث اثنين أو رابع ثلاثة جازلك أن تضيف كما تقدم وجاز أن لا تضيف وتنصب ثلاثة على معنى زيد يربع ثلاثة ، وقوله تعالى { وما من إله إلا إله واحد } خبر صادع بالحق ، وهوالخالق المبتدع المتصف بالصفات العلى تعالى عما يقول المبطلون ، ثم توعد تبارك وتعالى هؤلاء القائلين هذه العظيمة بمس العذاب ، وذلك وعيد بعذاب الدنيا من القتل والسبي وبعذاب الآخرة بعد لا يفلت منه أحد منهم . ثم رفق جل وعلا بهم بتحضيضه إياهم على التوبة وطلب المغفرة ، ثم وصف نفسه بالغفران والرحمة استجلاباً للتائبين وتأنيساً لهم ليكونوا على ثقة من الانتفاع بتوبتهم . ثم أخبر تعالى عن حقيقة أمر المسيح وأنه رسول بشر كالرسل المتقدمة قبله ، و { خلت } معناه مضت وتقدمت في الخلاء من الأرض ، وقرأ حطان بن عبد الله الرقاشي " قد خلت من قبله رسل " بتنكير الرسل ، وكذلك قرأ { وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل } [ آل عمران : 144 ] وقد مضى القول على وجه هذه القراءة هناك ، وقوله تعالى : { وأمه صديقة } صفة ببناء مبالغة من الصدق ، ويحتمل أن يكون من التصديق وبه سمي أبو بكر رضي الله عنه لتصديقه ، وهذه الصفة لمريم تدفع قول من قال هي نبية ، وقد يوجد في صحيح الحديث قصص قوم كلمتهم ملائكة في غير ما فن كقصة الثلاثة الأقرع والأعمى والأبرص وغيرهم ، ولا تكون هنالك نبوة ، فكذلك أمر مريم ، وقوله تعالى : { كانا يأكلان الطعام } تنبيه على نقص البشرية على حال من الاحتياج إلى الغذاء تنتفي معها الألوهية ، وذكر مكي والمهدي وغيرهما أنها عبارة عن الاحتياج إلى الغائط وهذا قول بشع ولا ضرورة تدفع إليه حتى يقصد هذا المعنى بالذكر , وإنما هي عبارة عن الاحتياج إلى التغذي ولا محالة أن الناظر إذا تأمل بذهنه لواحق التغذي وجد ذلك وغيره ، ثم أمر تعالى محمداً صلى الله عليه وسلم وفي الضمن أمته بالنظر في ضلال هؤلاء القوم وبعدهم عن سنن الحق ، وأن الآيات تبين لهم وتبرز في غاية الوضوح ، ثم هم بعد ذلك يصرفون أي تصرفهم دواعيهم ويزيلهم تكسلهم عن الحق ، و { كيف } في هذه الآية ليست سؤالاً عن حال لكنها عبارة عن حال شأنها أن يسأل عنها بكيف ، وهذا كقولك : كن كيف شئت فأنت صديق ، و { أنى } معناها من أي جهة ، قال سيبويه معناها كيف ومن أين ، و { يؤفكون } معناه : يصرفون ، ومنه قوله عز وجل : { يؤفك عنه من أفك } [ الذاريات : 9 ] والأرض المأفوكة التي صرفت عن أن ينالها المطر ، والمطر في الحقيقة هو المصروف ، ولكن قيل أرض مأفوكة لما كانت مأفوكة عنها .