Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 50, Ayat: 22-28)
Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قرأ الجحدري : " لقد كنتِ " على مخاطبة النفس وكذلك كسر الكافات بعد . وقال صالح بن كيسان والضحاك وابن عباس معنى قوله : { لقد كنت } أي يقال للكافر الغافل من ذوي النفس التي معها السائق والشهيد إذا حصل بين يدي الرحمن وعاين الحقائق التي كان لا يصدق بها في الدنيا ويتغافل عن النظر فيها ، { لقد كنت في غفلة من هذا } ، فلما كشف الغطاء عنك الآن احتد بصرك أي بصيرتك وهذا كما تقول : فلان حديد الذهن والفؤاد ونحوه ، وقال مجاهد : هو بصر العين إذا احتد التفاته إلى ميزانه وغير ذلك من أهوال القيامة . وقال زيد بن أسلم قوله تعالى : { ذلك ما كنت منه تحيد } [ ق : 19 ] وقوله تعالى : { لقد كنت } الآية ، مخاطبة لمحمد صلى الله عليه وسلم ، والمعنى أنه خوطب بهذا في الدنيا ، أي لقد كنت يا محمد في غفلة من معرفة هذا القصص والغيب حتى أرسلناك وأنعمنا عليك وعلمناك ، { فبصرك اليوم حديد } ، وهذا التأويل يضعف من وجوه ، أحدها أن الغفلة إنما تنسب أبداً إلى مقصر ، ومحمد صلى الله عليه وسلم لا تقصير له قبل بعثه ولا بعده وثان : أن قوله : بعد هذا : { وقال قرينه } يقتضي أن الضمير إنما يعود على أقرب مذكور ، وهو الذي يقال له { فبصرك اليوم حديد } وإن جعلناه عائداً على ذي النفس في الآية المتقدمة جاء هذا الاعتراض لمحمد صلى الله عليه وسلم بين الكلامين غير متمكن فتأمله . وثالث : أن معنى توقيف الكافر وتوبيخه على حاله في الدنيا يسقط ، وهو أحرى بالآية وأولى بالرصف ، والوجه عندي ما قاله الحسن وسالم بن عبد الله إنها مخاطبة للإنسان ذي النفس المذكورة من مؤمن وكافر . و : { فكشفنا عنك غطاءك } ، قال ابن عباس : هي الحياة بعد الموت ، وينظر إلى معنى كشف الغطاء قول النبي صلى الله عليه وسلم : " الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا " . وقوله تعالى : { وقال قرينه هذا ما لدي عتيد } ، قال جماعة من المفسرين : { قرينه } من زبانية جهنم ، أي قال هذا العذاب الذي لدي لهذا الإنسان الكافر حاضر عتيد ، ففي هذا تحريض على الكافر واستعجال به . وقال قتادة وابن زيد : { قرينه } الملك الموكل بسوقه ، فكأنه قال : هذا الكافر الذي جعل إلى سوقه ، فهو لدي حاضر . وقال الزهراوي وقيل : { قرينه } شيطانه . قال القاضي أبو محمد : وهذا ضعيف ، وإنما أوقع فيه أن القرين في قوله : { قال قرينه ربنا ما أطغيته } هو شيطانه في الدنيا ومغويه بلا خلاف . ولفظ القرين : اسم جنس ، فسائقه قرين ، وصاحبه من الزبانية قرين ، وكاتب سيئاته في الدنيا قرين وتحتمله هذه الآية ، أي هذا الذي أحصيته عليه عتيد لدي ، وهو موجب عذابه ، ومماشي الإنسان في طريقه قرين ، وقال الشاعر [ عدي بن زيد العبادي ] : [ الطويل ] @ عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي @@ والقرين الذي في هذه الآية ، غير القرين الذي في قوله : { قال قرينه ربنا ما أطغيته } إذ المقارنة تكون على أنواع ، وقال بعض العلماء : { قرينه } في هذه الآية : عمله قلباً وجارحاً ، وقوله عز وجل : { ألقيا في جهنم } معناه : يقال { ألقيا في جهنم } . واختلف الناس لم يقال ذلك ؟ فقال جماعة من المفسرين : هو قول الملكين من ملائكة العذاب . وقال عبد الرحمن بن زيد في كتاب الزهراوي : هو قول للسائق والشهيد ، وحكى الزهراوي أن المأمور بإلقاء الكافر في النار اثنان ، وعلى هذين القولين لا نظر في قوله : { ألقيا } . وقال مجاهد وجماعة من المتأولين : هو قول للقرين : إما السائق ، وإما الذي هو من الزبانية حسبما تقدم واختلف أهل هذه المقالة في معنى قوله : { ألقيا } وهو مخاطبة لواحد ، فقال المبرد معناه : الق الق ، فإنما أراد تثنية الأمر مبالغة وتأكيداً ، فرد التثنية إلى الضمير اختصاراً كما قال [ امرؤ القيس ] : @ لفتك الأمين على نابل @@ يريد ارم ارم . وقال بعض المتأولين : " ألقين " فعوض من النون ألف كما تعوض من التنوين . وقال جماعة من أهل العلم بكلام العرب : هذا جرى على عادة العرب ، وذلك أنها كان الغالب عندها أن تترافق في الأسفار ونحوها ثلاثة ، فكل واحد منهم يخاطب اثنين ، فكثر ذلك في أشعارها وكلامها حتى صار عرفاً في المخاطبة ، فاستعمل في الواحد ، ومن هذا قولهم في الأشعار : خليلي ، وصاحبي ، وقفا نبك ونحوه ، وقد جرى المحدثون على هذا الرسم ، فيقول الواحد : حدثنا ، وإن كان سمع وحده ، ونظير هذه الآية في هذا القول قول الزجاج : يا حارسي اضربا عنقه ، وهو دليل على عادة العرب ، ومنه قول الشاعر [ سويد بن كراع العكلي ] : [ الطويل ] @ فإن تزجراني بابن عفان أنزجر وإن تدعاني أحم عرضاً ممنعا @@ وقرأ الحسن بن أبي الحسن : " ألقين " بتنوين الياء و : { كفار } مبالغة . و : { عنيد } معناه : عاند عن الحق أي منحرف عنه . وقوله تعالى : { مناع للخير } لفظ عام للمال والكلام الحسن والمعاون على الأشياء . وقال قتادة ومجاهد وعكرمة ، معناه : الزكاة المفروضة ، وهذا التخصيص ضعيف ، و : { معتد } معناه : بلسانه ويده . و : { مريب } معناه : متلبس بما يرتاب به ، أراب الرجل : إذا أتى بريبة ودخل فيها . قال الثعلبي قيل نزلت في الوليد بن المغيرة . وقال الحسن : { مريب } شاك في الله تعالى ودينه . وقوله تعالى : { الذي جعل } الآية يحتمل أن يكون { الذي } بدلاً من { كفار } ويحتمل أن يكون صفة له من حيث تخصص { كفار } بالأوصاف المذكورة فجاز وصفه بهذه المعرفة ، ويحتمل أن يكون { الذي } ابتداء وخبره قوله : { فألقياه } ودخلت الفاء في قوله : { فألقياه } للإبهام الذي في { الذي } ، فحصل الشبه بالشرط وفي هذا نظر . قال القاضي أبو محمد : ويقوى عندي أن يكون { الذي } ابتداء ، ويتضمن القول حينئذ بني آدم والشياطين المغوين لهم في الدنيا ، ولذلك تحرك القرين الشيطان المغوي في الدنيا ، فرام أن يبرئ نفسه ويخلصها بقوله : { ربنا ما أطغيته } لأنه كذب من نفي الإطغاء عن نفس جملة ، والحقيقة أنه أطغاه بالوسوسة والتزين ، وأطغاه الله بالخلق ، والاختراع حسب سابق قضائه الذي هو عدل منه ، لا رب غيره ، وبوصف الضلال بالبعيد مبالغة ، أي لتعذر رجوعه إلى الهدى . وقوله تعالى : { لا تختصموا لدي } معناه : قال الله { لا تختصموا لدي } بهذا النوع من المقاولة التي لا تفيد شيئاً إذ قد استوجب جميعكم النار ، وقد أخبر بأنه تقع الخصومة لديه في الظلامات ونحوها مما فيه اختصاص . واقتضاء فائدة بقوله تعالى : { ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون } [ الزمر : 31 ] ، وجمع الضمير في قوله : { لا تختصموا } يريد بذلك مخاطبة جميع القرناء ، إذ هو أمر شائع لا يقف على اثنين فقط ، وهذا كما يقول الحاكم لخصمين : لا تغلطوا علي ، يريد الخصمين ومن هو في حكمهما . وتقدمته إلى الناس بالوعيد هو ما جاءت به الرسل والكتب من تعظيم الكفرة .