Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 52, Ayat: 1-14)

Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذه مخلوقات أقسم الله بها تنبيهاً منها وتشريفاً ، وليكون ذلك سبب النظر فيها والاعتبار بها ، وذلك يؤول إلى التوحيد والمعرفة بحقوق الله . { والطور } قال بعض أهل اللغة : كل جبل : طور ، فكأنه أقسم بالجبال ، إذ هو اسم جنس وقال آخرون : " الطور " كل جبل أجرد لا ينبت شجراً . وقال مجاهد في كتاب الطبري : " الطور " الجبل بالسريانية ، وهذا ضعيف ، لأن ما حكاه في العربية يقضي على هذا ، ولا خلاف أن في الشام جبلاً يسمى بـ " الطور " ، وهو طور سيناء . وقال نوف البكالي : إنه الذي أقسم الله به لفضله على الجبال . إذ قد روي أن الله تعالى أوحى إلىالجبال إني مهبط على أحدكم أمري . يريد رسالة موسى عليه السلام ، فتطاولت كلها إلا الطور فإنه استكان لأمر الله وقال حسبي الله ، فأهبط الله الأمر عليه . ويقال إنه بمدين . وقال مقاتل بن حيان هما طوران . والكتاب المسطور : معناه بإجماع : المكتوب أسطاراً . واختلف الناس في هذا المكتوب المقسم به ، فقال بعض المفسرين : هو الكتاب المنتسخ من اللوح المحفوظ للملائكة لتعرف منه ما تفعله وتصرفه في العالم . وقال آخرون : بل أقسم الله تعالى بالقرآن ، فإنه قد كان علم أنه يتخلد { في رق منثور } . وقال آخرون : أقسم بالكتب القديمة المنزلة : الإنجيل والتوراة والزبور . وقال الفراء فيما حكى الرماني : أقسم بالصحف التي تعطى وتؤخذ يوم القيامة بالأيمان والشمائل . وقال قوم : أقسم بالكتاب الذي فيه أعمال الخلق ، وهو الذي لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها . وكتب بعض الناس ، " مصطوراً " بالصاد . والقصد بذلك تشابه النطق بالحروف ، والجمهور على السين . والرق : الورق المعدة للكتب وهي مرققة فلذلك سميت رقاً ، وقد غلب الاستعمال على هذا الذي هو من جلود الحيوان . والمنشور : خلاف المطوي ، وقد يحتمل أن يكون نشره بمعنى بشره وترقيقه وصنعته . وقرأ أبو السمال : " في رِق " بكسر الراء . واختلف الناس في { البيت المعمور } فقال الحسن بن أبي الحسن البصري : هي الكعبة . وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه وابن عباس وعكرمة : هو بيت في السماء يقال له الضراح ، وهو بحيال الكعبة ، ويقال الضريح ، ذكر ذلك الطبري وهو الذي ذكر في حديث الإسراء . قال جبريل عليه السلام : هذا البيت المعمور يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه آخر ما عليهم وبهذا عمارته . ويروى أنه في السماء السابعة . وقيل في السادسة وقيل إنه مقابل الكعبة لو خر لسقط عليها . وقال مجاهد وقتادة وابن زيد : في كل سماء بيت معمور ، وفي كل أرض كذلك . وهي كلها على خط مع الكعبة . وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : { والسقف المرفوع } : السماء { والسقف } طول في انحناء ، ومنه أسقف النصارى ، ومنه السقف ، لأن الجدار وسقفه فيهما طول في انحناء . واختلف الناس في معنى : { المسجور } فقال مجاهد وشمر بن عطية معناه : الموقد ناراً . وروي أن البحر هو جهنم . وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه ليهودي : أين جهنم ؟ فقال هي البحر ، فقال علي : ما أظنه إلا صادقاً ، وقرأ : { والبحر المسجور } ، ومنه ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم " أن البحر طبق جهنم " . قال الثعلبي : وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا يركبن البحر إلا حاج أو معتمر أو مجاهد فإن تحت البحر ناراً " . وفي حديث آخر : " فإن البحر نار في نار " . وقال قتادة : { المسجور } المملوء . وهذا معروف في اللغة . ورجحه الطبري بوجود نار البحر كذلك ، وإلى هذا يعود القول الأول لأن قولهم : سجرت التنور معناه : ملأتها بما يحترق ويتقد و : { البحر المسجور } المملوء ماء ، وهكذا هو معرض للعبرة ، ومن هذا قول النمر بن تولب : [ المتقارب ] @ إذا شاء طالع مسجورة ترى حولها النبع والسماسما سقتها رواعد من صيـ ـف وإن من خريف فلن يعدما @@ يصف ثوراً أو عيناً مملوءة ماء ، وقال ابن عباس : هو الذي ذهب ماؤه فـ { المسجور } : الفارغ ، ويروى أن البحار يذهب ماؤها يوم القيامة وقيل يوقد البحر ناراً يوم القيامة فذلك هو سجره . وقال ابن عباس أيضاً : { المسجور } : المحبوس ، ومنه ساجور الكلب : وهو القلادة من عود أو حديد التي تمسكه ، وكذلك لولا أن البحر يمسك لفاض على الأرض . وقال علي بن أبي طالب أيضاً وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما : البحر المقسم به هو في السماء تحت العرش ، والجمهور على أنه بحر الدنيا ، ويؤيد ذلك قوله تعالى : { وإذا البحار سجرت } [ التكوير : 6 ] . وقال منذر بن سعيد : إن المعنى هو القسم بجهنم وسماها بحراً لسعتها وتموجها كما قال صلى الله عليه وسلم في الفرس : " وإن وجدناه لبحر " والقسم واقع على قوله : { إن عذاب ربك لواقع } ويريد عذاب الآخرة للكفار . قال قتادة : والعامل في : { يوم } " واقع " ويجوز أن يكون العامل فيه { دافع } ، والأول أبين . وقال مكي : لا يعمل فيه { دافع } . و : { تمور } معناه : تذهب وتجيء بالرياح متقطعة متفتتة ، والغبار الموار : الذي يجتمع ويذهب ويجيء بالريح ، ثم هو كله إلى الذهاب ، ومنه قول الأعرابي : @ وغادرت التراب مورا @@ يصف سنة قحط . وأنشد معمر بن المثنى بيت الأعشى : [ البسيط ] @ مور السحابة لا ريث ولا عجل @@ أراد مضيها ، وقال الضحاك : { تمور } تموج . وقال مجاهد : تدور . وقال ابن عباس : تشقق ، وهذه كلها تفاسير بالمعنى ، لأن السماء العلو يعتريها هذا كله ، وسير الجبال هو في أول الأمر ، ثم تتفتت أثناء السير حتى تصير آخراً كالعهن المنفوش والفاء في قوله : { فويل } عاطفة جملة على جملة وهي تتضمن ربط المعنى وتأكيده وإثبات الويل للمكذبين . والويل : السوء والمشقة والهم الأطول ، ويروى أن في جهنم وادياً يسمى : ويلاً والخوض التخبط في الأباطيل ، يشبه بخوض الماء ، ومنه قوله تعالى : { وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا } [ الأنعام : 68 ] و : { يوم } الثاني بدل من : { يومئذ } و : { يدعون } قال ابن عباس معناه : يدفعون في أعناقهم بشدة وإهانة وتعتعة ، ومنه قوله تعالى : { يدع اليتيم } [ الماعون : 2 ] وفي الكلام محذوف مختصر تقديره : يقال لهم هذه النار ، وإخبارهم بهذا على جهة التوبيخ والتقريع وقرأ أبو رجاء العطاردي : " يوم يدْعَون إلى نار جهنم " من الدعاء بسكون الدال وفتح العين .