Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 54, Ayat: 1-8)

Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ اقتربت } معناه : قربت إلا أنه أبلغ ، كما أن اقتدر أبلغ من قدر . و : { الساعة } القيامة وأمرها مجهول التحديد لم يعلم ، إلا أنها قربت دون تحديد ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " بعثت أنا والساعة كهاتين ، وأشار بالسبابة والوسطى " وقال أنس : " خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد كادت الشمس تغيب فقال : " ما بقي من الدنيا فيما مضى إلا كمثل ما بقي من هذا اليوم " " . وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إني لأرجو أن يؤخر الله أمتي نصف يوم " وهذا منه على جهة الرجاء والظن لم يجزم به خبراً ، فأناب الله به على أمله وأخر أمته أكثر من رجائه ، وكل ما يروى عن عمر الدنيا من التحديد فضعيف واهن . وقوله : { انشق القمر } إخبار عما وقع في ذلك ، وذكر الثعلبي أنه قيل إن المعنى ينشق القمر يوم القيامة ، وهذا ضعيف الأمة على خلافه ، وذلك أن قريشاً سألت رسول الله آية فقيل مجملة ، وهذا قول الجمهور ، وقيل بل عاينوا شق القمر ، ذكره الثعلبي عن ابن عباس " فأراهم الله انشقاق القمر ، فرآه رسول الله وجماعة من المسلمين والكفار ، فقال رسول الله " اشهدوا " " وممن قال من الصحابة رأيته : عبد الله بن مسعود وجبير بن مطعم وأخبر به عبد الله بن عمر وأنس وابن عباس وحذيفة بن اليمان ، وقال المشركون عند ذلك : سحرنا محمد . وقال بعضهم : سحر القمر وقالت قريش استخبروا المسافرين القادمين عليكم ، فما ورد أحد إلا أخبر بانشقاقه وقال ابن مسعود : رأيته انشق فذهبت فرقة وراء جبل حراء ، وقال ابن زيد : كان يرى نصفه على قعيقعان والآخر على أبي قبيس . وقرأ حذيفة : " اقتربت الساعة وقد انشق القمر " ، وذكر الثعلبي عنه أن قراءته : " اقتربت الساعة انشق القمر " دون واو . وقوله : { وإن يروا } جاء اللفظ مستقبلاً لينتظم ما مضى وما يأتي ، فهو إخبار بأن حالهم هكذا ، واختلفت الناس في معنى : { مستمر } فقال الزجاج قيل معناه : دائم متماد . وقال قتادة ومجاهد والكسائي والفراء معناه : مار ذاهب عن قريب يزول . وقال أبو العالية والضحاك معناه : مشدود من مرائير الحبل كأنه سحر قد أمر ، أي أحكم . ومنه قول الشاعر [ لقيط بن زرارة ] : [ البسيط ] @ حتى استمرت على شزر مريرته صدق العزيمة لا رتّاً ولا ضرعا @@ ثم أخبر تعالى بأنهم كذبوا واتبعوا شهواتهم وما يهوون من الأمور لا بدليل ولا بتثبت ، ثم قال على جهة الخبر الجزم ، { وكل أمر مستقر } يقول : وكل شيء إلى غاية فالحق يستقر ظاهراً ثابتاً ، والباطل يستقر زاهقاً ذاهباً . وقرأ أبو جعفر بن القعقاع " وكل مستقرٍ " بجر " مستقر " ، يعني بذلك أشراطها . والجمهور على كسر القاف من " مستقِر " وقرأ نافع وابن نصاح بفتحها ، قال أبو حاتم : لا وجه لفتح القاف . و : { الأنباء } جمع نبأ ، ويدخل في هذا جميع ما جاء به القرآن من المواعظ والقصص ومثلات الأمم الكافرة ، و : { مزدجر } معناه : موضع زجر وانتهاء ، وأصله : مزتجر ، قلبت التاء دالاً ليناسب مخرجها مخرج الزاي ، وكذلك تبدل تاء افتعل من كل فعل أوله زاي كازدلف وازداد ونحوه . وقوله : { حكمة } مرتفع إما على البدل من { ما } في قوله : { ما فيه } ، وإما على خبر ابتداء تقديره : هذه حكمة و : { بالغة } معناه : يبلغ المقصد بها من وعظ النفوس والبيان لمن له عقل . وقوله : { فما تغني النذر } ، يحتمل أن تكون { ما } نافية ، أي ليس تغني مع عتو هؤلاء الناس ، ويحتمل أن تكون { ما } استفهاماً بمعنى التقرير ، أي فما غناء النذر مع هؤلاء الكفرة ، ثم سلى نبيه بقوله : { فتول عنهم } أي لا تذهب نفسك عليهم حسرات ، وتم القول في قوله : { عنهم } ثم ابتدأ وعيدهم ، والعامل في { يوم } قوله : { يخرجون } ، و : { خشعاً } حال من الضمير في { يخرجون } وتصرف الفعل يقتضي تقدم الحال ، قال المهدوي : ويجوز أن يكون حالاً من الضمير في { عنهم } . قال الرماني المعنى : { فتول عنهم } واذكر { يوم } . وقال الحسن المعنى : { فتول عنهم } إلى { يوم } ، وانحذفت الواو من { يدع } لأن كتبة المصحف اتبعوا اللفظ لا ما يقتضيه الهجاء ، وأما حذف الياء من : { الداع } ونحوه ، فقال سيبويه : حذفوه تخفيفاً . وقال أبو علي : حذفت مع الألف واللام إذ هي تحذف مع معاقبهما وهو التنوين . وقرأ جمهور الناس : " نكُر " بضم الكاف . وقرأ ابن كثير وشبل والحسن : " نكِر " بكسر الكاف ، وقرأ مجاهد والجحدري وأبو قلابة : " نُكِرَ " بكسر الكاف وفتح الراء على أنه فعل مبني للمفعول ، والمعنى في ذلك كله أنه منكور غير معروف ولا مرئي مثله . قال الخليل : النكر : نعت للأمر الشديد والرجل الداهية . وقال مالك بن عوف النصري : [ الرجز ] @ أقدم محاج إنه يوم نكر مثلي على مثلك يحمى ويكر @@ ونكر فعل وهو صفة ، وذلك قليل في الصفات ، ومنه مشية سجح وقال الشاعر [ حسان بن ثابت الأنصاري ] : [ البسيط ] @ دعوا التخاجؤ وامشوا مشية سجحاً إن الرجال ذوو عصب وتذكير @@ ومنه رجل شلل وناقة أجد . وقرأ جمهور القراء : " خشعاً " وهي قراءة الأعرج وأبي جعفر وشيبة والحسن وقتادة . وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي : " خاشعاً " ، وهي قراءة ابن عباس وابن جبير ومجاهد والجحدري ، وهو إفراد بمعنى الجمع ، ونظيره قول الشاعر [ الحارث بن أوس الإيادي ] : [ الرمل ] @ وشباب حسن أوجههم من إياد بن نزار بن معد @@ ورجح أبو حاتم هذه القراءة وذكر أن رجلاً من المتطوعة قال قبل أن يستشهد : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فسألته عن " خشعاً وخاشعاً " فقال : " خاشعاً " بالألف ، وفي مصحف أبيّ بن كعب وعبد الله : " خاشعة " . وخص الأبصار بالخشوع لأنه فيها أظهر منه في سائر الجوارح ، وكذلك سائر ما في نفس الإنسان من حياء أو صلف أو خوف ونحوه إنما يظهر في البصر . و : { الأجداث } جمع جدث وهو القبر ، وشبههم بالجراد المنتشر ، وقد شبههم في أخرى بـ { الفراش المبثوث } [ القارعة : 4 ] ، وفيهم من كل هذا شبه ، وذهب بعض المفسرين إلى أنهم أولاً كالفراش حين يموجون بعض في بعض ثم في رتبة أخرى كالجراد إذا توجهوا نحو المحشر والداعي ، وفي الحديث : إن مريم بنت عمران دعت للجراد فقالت : اللهم اعشها بغير رضاع وتابع بينها بغير شباع . والمهطع : المسرع في مشيه نحو الشيء مع هز ورهق ومد بصر نحو المقصد ، إما لخوف أو طمع أو نحوه ، و { يقول الكافرون هذا يوم عسر } لما يرون من مخايل هوله وعلامات مشقته .