Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 54, Ayat: 45-55)
Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذه عدة من الله تعالى لرسوله أن جمع قريش سيهزم نصرة له ، والجمهور على أن الآية مكية ، وروي عن عمر بن الخطاب أنه قال : كنت أقول في نفسي أي جمع يهزم ؟ فلما كان يوم بدر رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يثبت في الدرع ويقول { سيهزم الجمع ويولون الدبر } . قال القاضي أبو محمد : فإنما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في بدر مستشهداً بالآية . وقال قوم : إن الآية نزلت يوم بدر . وقال أبو حاتم : وقرأ بعض القراء : " سيَهزِم " بفتح الياء وكسر الزاي " الجمعَ " نصباً ، قال أبو عمرو الداني قرأ أبو حيوة : " سنهزِم " بالنون وكسر الزاي " الجمعَ " نصباً . " وتولون " بالتاء من فوق ، ثم تركت هذه الأقوال ، وأضرب عنها تهمماً بأمر الساعة التي عذابها أشد عليهم من كل هزيمة وقتل فقال : { بل الساعة موعدهم } . و : { أدهى } أفعل من الداهية : وهي الرزية العظمى تنزل بالمرء . { وأمرّ } من المرارة ، واللفظة ليست هنا مستعارة ، لأنها ليست فيما يذاق . ثم أخبر تعالى عن المجرمين أنهم في الدنيا في حيرة وإتلاف وفقد هدى وفي الآخرة في احتراق وتسعر من حيث هم صائرون إليه ، قال ابن عباس المعنى : في خسران وجنون ، والسعر الجنون . وأكثر المفسرين على أن { المجرمين } هنا يراد بهم الكفار . وقال قوم المراد بـ { المجرمين } : القدرية الذين يقولون إن أفعال العباد ليست بقدر من الله ، وهم المتوعدون بالسحب في جهنم ، والسحب : الجر . وفي قراءة ابن مسعود : " إلى النار " . وقوله تعالى : { ذوقوا مس } استعارات ، والمعنى : يقال لهم على جهة التوبيخ . واختلف الناس في قوله تعالى : { إنا كل شيء خلقناه بقدر } ، فقرأ جمهور الناس : " إنا كلَّ " بالنصب ، والمعنى : خلقنا كل شيء خلقناه بقدر ، وليست { خلقناه } في موضع الصفة لشيء ، بل هو فعل دال على الفعل المضمر ، وهذا المعنى يقتضي أن كل شيء مخلوق ، إلا ما قام دليل العقل على أنه ليس بمخلوق كالقرآن والصفات . وقرأ أبو السمال ورجحه أبو الفتح : " إنا كلُّ " بالرفع على الابتداء ، والخبر : { خلقناه بقدر } . قال أبو حاتم : هذا هو الوجه في العربية ، وقراءتنا بالنصب مع جماعة ، وقرأها قوم من أهل السنة بالرفع ، والمعنى عندهم على نحو ما عند الأولى أن كل شيء فهو مخلوق بقدر سابق ، و : { خلقناه } على هذا ليست صفة لشيء ، وهذا مذهب أهل السنة ، ولهم احتجاج قوي بالآية على هذين القولين ، وقالت القدرية وهم الذين يقولون : لا قدر ، والمرء فاعل وحده أفعاله . القراءة " إنا كلُّ شيء خلقناه " برفع " كلُّ " : و { خلقناه } في موضع الصفة بـ " كلَّ " ، أي أن أمرنا وشأننا كلُّ شيء خلقناه فهو بقدر وعلى حد ما في هيئته وزمنه وغير ذلك ، فيزيلون بهذا التأويل موضع الحجة عليهم بالآية . وقال ابن عباس : إني أجد في كتاب الله قوماً { يسحبون في النار على وجوههم } لأنهم كانوا يكذبون بالقدر ، ويقولون : المرء يخلق أفعاله ، وإني لا أراهم ، فلا أدري أشيء مضى قبلنا أم شيء بقي ؟ . وقال أبو هريرة : خاصمت قريش رسول الله في القدر فنزلت هذه الآية ، قال أبو عبد الرحمن السلمي : فقال رجل يا رسول الله ففيم العمل ؟ أفي شيء نستأنفه ؟ أم في شيء قد فرغ منه ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اعملوا ، فكل ميسر لما خلق له ، سنيسره لليسرى وسنيسره للعسرى " ، وقال أنس بن مالك : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " القدرية يقولون الخير والشر بأيدينا ، ليس لهم في شفاعتي نصيب ولا أنا منهم ولا هم مني " . وقوله : { إلا واحدة } ، أي : إلا قولة واحدة وهي : كن . وقوله : { كلمح بالبصر } تفهيم للناس بأعجل ما يحسون وفي أشياء أمر الله تعالى أوحى من لمح البصر . والأشياع : الفرق المتشابهة في مذهب ودين ، ونحوه الأول شيعة للآخر ، الآخر شيعة للأول . ثم أخبر تعالى أن كل أفعال الأمم المهلكة مكتوب محفوظ عليهم إلى يوم الحساب ، قاله ابن عباس وقتادة والضحاك و ابن زيد . و : { مستطر } مفتعل من السطر ، تقول سطرت واستطرت بمعنى ، وروي عن عاصم شد الراء في " مستطرّ " ، قال أبو عمرو : وهذا لا يكون إلا عند الوقف لغة معروفة . وقرأ جمهور الناس : " ونَهَر " بفتح الهاء والنون ، على أنه اسم الجنس ، يريد به الأنهار ، أو على أنه بمعنى : وسعة في الأرزاق والمنازل ، ومنه قول قيس بن الخطيم : [ الطويل ] @ ملكت بها كفي فأنهرت فتقها يرى قائم من دونها ما وراءها @@ فقوله : " أنهرت " معناه : جعلت فتقها كنهر . وقرأ زهير الفرقبي والأعمش : " ونُهُر " بضم النون والهاء ، على أنه جمع نهار ، إذ لا ليل في الجنة ، وهذا سائغ في اللفظ قلق في المعنى ، ويحتمل أن يكون جمع نهر . وقرأ مجاهد وحميد وأبو السمال والفياض بن غزوان : " نهْر " ساكنة الهاء على الإفراد . وقوله تعالى : { مقعد صدق } يحتمل أن يريد به الصدق الذي هو ضد الكذب ، أي في المقعد الذي صدقوا في الخبر به ، ويحتمل أن يكون من قولك : عود صدق ، أي جيد ، ورجل صدق ، أي خبر وخلال حسان . وقرأ جمهور الناس : " في مقعد " على اسم الجنس . وقرأ عثمان البتي : " في مقاعد " على الجمع . والمليك المقتدر : الله تعالى .