Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 55, Ayat: 1-13)
Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ الرحمن } بناء مبالغة من الرحمة ، وهو اسم اختص الله تعالى بالاتصاف به ، وحكى ابن فورك عن قوم أنهم يجعلون { الرحمن } آية تامة ، كأن التقدير : { الرحمن } ربنا ، قاله الرماني أو أن التقدير : الله { الرحمن } . وقال الجمهور إنما الآية : { الرحمن علم القرآن } فهو جزء آية . وقوله : { علم القرآن } تعديد نعمة أي هو من به وعلمه الناس ، وخص حفاظه وفهمته بالفضل . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خيركم من تعلم القرآن وعلمه " . ومن الدليل على أن القرآن غير مخلوق : أن الله تعالى ذكر { القرآن } في كتابه في أربعة وخمسين موضعاً ما فيها موضع صرح فيه بلفظ الخلق ولا أشار إليه ، وذكر { الإنسان } على الثلث من ذلك في ثمانية عشر موضعاً ، كلها نصت على خلقه ، وقد اقترن ذكرهما في هذه السورة على هذا النحو ، و : { الإنسان } اسم الجنس ، حكاه الزهراوي وغيره . و : { البيان } النطق والفهم والإبانة عن ذلك بقول قاله ابن زيد والجمهور ، وذلك هو الذي فضل الإنسان من سائر الحيوان ، وقال قتادة : هو بيان الحلال والحرام والشرائع ، وهذا جزء من { البيان } العام ، وقال قتادة : { الإنسان } آدم . وقال ابن كيسان : { الإنسان } : محمد صلى الله عليه وسلم . قال القاضي أبو محمد : وهذا التخصيص لا دليل عليه ، وكل المعلومات داخلة في البيان الذي علمه الإنسان ، فكأنه قال من ذلك البيان وفيه معتبر كون { الشمس والقمر بحسبان } فحذف هذا كله ، ورفع { الشمسُ } بالابتداء ، وهذا ابتداء تعديد نعم . واختلف الناس في قوله : { بحسبان } فقال مكي والزهراوي عن قتادة : هو مصدر كالحساب في المعنى وكالغفران والطغيان في الوزن . وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى والضحاك : هو جمع حساب ، كشهاب وشهبان ، والمعنى أن هذين لهما في طلوعهما وغروبهما وقطعهما البروج وغير ذلك حسابات شتى ، وهذا مذهب ابن عباس وأبي مالك وقتادة . وقال ابن زيد لولا الليل والنهار لم يدر أحد كيف يحسب شيئاً ، يريد من مقادير الزمان . وقال مجاهد : " الحسبان " الفلك المستدير ، شبه بحسبان الرحى ، وهو العود المستدير الذي باستدارته تدور المطحنة . وقوله : { والنجم والشجر يسجدان } قال ابن عباس والسدي وسفيان : { النجم } . النبات الذي لا ساق له ، وسمي نجماً لأنه نجم ، أي ظهر وطلع ، وهو مناسب للشجر نسبة بينة . وقال مجاهد وقتادة والحسن : { النجم } اسم الجنس من نجوم السماء ، والنسبة التي لها من السماء هي التي للشجر من الأرض ، لأنها في ظاهرهما . وسمي { الشجر } من اشتجار غصونه وهو تداخلها . واختلف الناس في هذا السجود ، فقال مجاهد : ذلك في النجم بالغروب ونحوه ، وفي الشجر بالظل واستدارته ، وكذلك في النجم على القول الآخر . وقال مجاهد أيضاً ما معناه : أن السجود في هذا كله تجوز ، وهو عبارة عن الخضوع والتذلل ، ونحوه قول الشاعر [ زيد الخيل ] : [ الطويل ] @ ترى الأكم فيها سجداً للحوافر @@ وقال : { يسجدان } وهما جمعان ، لأنه راعى اللفظ ، إذ هو مفرد اسم للنوع وهذا كقول الشاعر [ عمير بن شييم القطامي ] : [ الوافر ] @ ألم يحزنك أن حبال قومي وقومك قد تباينتا انقطاعا @@ وقرأ الجمهور : " والسماءَ رفعها " بالنصب عطفاً على الجملة الصغيرة وهي { يسجدان } لأن هذه الجملة من فعل وفاعل وهذه كذلك . وقرأ أبو السمال : " والسماءُ " بالرفع عطفاً على الجملة الكبيرة وهي قوله : { والنجم والشجر يسجدان } لأن هذه الجملة من ابتداء وخبر ، والأخرى كذلك . وفي مصحف ابن مسعود : " وخفض الميزان " . ومعنى : { وضع } أقر وأثبت ، و { الميزان } : العدل فيما قال الطبري ومجاهد وأكثر الناس . وقال ابن عباس والحسن وقتادة : إنه الميزان المعروف . قال القاضي أبو محمد : والميزان المعروف جزء من { الميزان } الذي يعبر به عن العدل . ويظهر عندي أن قوله : { وضع الميزان } يريد به العدل . وقوله : { ألا تطغوا في الميزان } وقوله : { وأقيموا الوزن } وقوله : { ولا تخسروا الميزان } يريد به الميزان المعروف ، وكل ما قيل محتمل سائغ . وقوله : { ألا تطغوا } نهي عن التعمد الذي هو طغيان بالميزان . وأما ما لا يقدر البشر عليه من التحرير بالميزان فذلك موضوع عن الناس . " وأن لا " هو بتقدير لئلا ، أو مفعول من أجله . و : { تطغوا } نصب ، ويحتمل أن تكون " أن " مفسرة ، فيكون { تطغوا } جزماً بالنهي ، وفي مصحف ابن مسعود : " لا تطغوا في الميزان " بغير أن . وقرأ جمهور الناس : " ولا تُخسروا " من أخسر ، أي نقص وأفسد ، وقال بلال بن أبي بردة " تَخسِروا " بفتح التاء وكسر السين من خسر ، ويقال خسر وأخسر بمعنى : نقص وأفسد ، كجبر وأجبر . وقرأ بلال أيضاً فيما حكى ابن جني : " تَخسَروا " ، بفتح التاء والسين من خسِر : بكسر السين . واختلف الناس في : " الأنام " فقال ابن عباس فيما روي عنه هم بنو آدم فقط . وقال الحسن بن أبي الحسن : هم الثقلان : الجن والإنس . وقال ابن عباس أيضاً وقتادة وابن زيد والشعبي : هم الحيوان كله . و { الأكمام } في { النخل } موجودة في الموضعين ، فجملة فروع النخلة في أكمام من ليفها ، وطلع النخل في كم من جفه . وقال قتادة : أكمام النخيل رقابها . والكم من النبات : كل ما التف شيء وستره , ومنه كمائم الزهر وبه شبه كم الثوب . { والحب ذو العصف } هو البر والشعير وما جرى مجراه من الحب الذي له سنبل وأوراق متشعبة على ساقه وهي العصيفة إذا يبست ، ومنه قول علقمة بن عبدة : [ البسيط ] @ تسقى مذانب قد مالت عصيفتها حدورها من أتيّ الماء مطموم @@ قال ابن عباس { العصف } التبن ، وتقول العرب : خرجنا نتعصف ، أي يستعجلون عصيفة الزرع . وقرأ ابن عامر وأبو البرهسم : " والحبَّ " بالنصب عطفاً على { الأرض } " ذا العصف والريحانِ " إلا أن البرهسم خفض النون . واختلفوا في { الريحان } ، فقال ابن عباس ومجاهد والضحاك معناه : الرزق ، ومنه قول الشاعر وهو النمر بن تولب : [ المتقارب ] @ سلام الإله وريحانه وجنته وسماء درر @@ وقال الحسن : هو ريحانكم هذا . وقال ابن جبير : هو كل ما قام على ساق ، وقال ابن زيد وقتادة : { الريحان } هو كل مشموم طيب الريح من النبات . وفي هذا النوع نعمة عظيمة . ففيه الأزهار والمندل والعقاقير وغير ذلك . وقال الفراء : { العصف } فيما يؤكل ، و { الريحان } كل ما لا يؤكل . وقرأ جمهور الناس : " والحبُّ " بالرفع " ذو العصف والريحان " وهذه قراءة في المعنى كالأولى في الإعراب حسنة الاتساق عطفاً على { فاكهة } . وقرأ حمزة والكسائي وابن محيصن : " والحبَّ " بالرفع " ذو العصف والريحانِ " بخفض " الريحانِ " عطفاً على { العصف } ، كأن الحب هما له على أن { العصف } منه الورق . وكل ما يعصف باليد وبالريح فهو رزق البهائم ، { والريحان } منه الحب فهو رزق الناس ، " والريحان " على هذه القراءة : الرزق : لا يدخل فيه المشموم بتكلف . { والريحان } هو من ذوات الواو . قال أبو علي : إما أن يكون ريحان اسماً ووضع موضع المصدر ، وإما أن يكون مصدراً على وزن فعلان ، كالليان وما جرى مجراه أصله : روحان ، أبدلت الواو ياء كما بدلوا الواو ياء في أشاوى وإما أن يكون مصدراً شاذاً في المعتل كما شذ كينونة وبينونة ، فأصله ريوحان ، قلبت الواو ياء ، وأدغمت الياء في الياء ، فجاء ريحان ، فخفف كما قالوا ميت وميت وهين وهين . والآلاء : النعم ، واحدها إلى مثل معى وألى مثل قفا ، حكى هذين أبو عبيدة ، وألي مثل أمر وإلي مثل حصن ، حكى هذين الزهراوي . والضمير في قوله : { ربكما } للجن والإنس ، وساغ ذلك ولم يصرح لهما بذكر على أحد وجهين إما أنهما قد ذكرا في قوله : { للأنام } على ما تقدم من أن المراد به الثقلان ، وإما على أن أمرهما مفسر في قوله : { خلق الإنسان } [ الرحمن : 14 ] { وخلق الجان } [ الرحمن : 15 ] فساغ تقديمهما في الضمير اتساعاً . وقال الطبري : يحتمل أن يقال هذا من باب ألقيا في جهنم ويا غلام اضربا عنقه . وقال منذر بن سعيد خوطب من يعقل لأن المخاطبة بالقرآن كله هي للإنس والجن ، ويروى أن هذه الآية لما قرأها النبي صلى الله عليه وسلم سكت أصحابه فقال : " إن جواب الجن خير من سكوتكم ، أي لما قرأتها على الجن قالوا : لا ، بأيها نكذب يا ربنا " .