Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 56, Ayat: 1-12)

Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ الواقعة } : اسم من أسماء القيامة كـ { الصاعقة } [ البقرة : 55 ، النساء : 153 ] و { الأزفة } [ غافر : 18 ، النجم : 57 ] و { الطامة } [ النازعات : 34 ] قاله ابن عباس ، وهذه كلها أسماء تقتضي تعظيمها وتشنيع أمرها . وقال الضحاك : { الواقعة } : الصيحة وهي النفخة في الصور . وقال بعض المفسرين : { الواقعة } : صخرة بيت المقدس ، تقع عند القيامة ، فهذه كلها معان لأجل القيامة . و : { كاذبة } يحتمل أن يكون مصدراً كالعاقبة والعافية وخائنة الأعين . فالمعنى ليس لها تكذيب ولا رد مثنوية ، وهذا قول قتادة والحسن ويحتمل أن يكون صفة لمقدر ، كأنه قال : { ليس لوقعتها } حال { كاذبة } ، ويحتمل الكلام على هذا معنيين : أحدهما { كاذبة } ، أي مكذوب فيما أخبر به عنها فسماها { كاذبة } بهذا ، كما تقول هذه قصة كاذبة أي مكذوب فيها ، والثاني حالة كاذبة أي لا يمضي وقوعها ، كما تقول : فلان إذا حمل لم يكذب . وقوله : { خافضة رافعة } رفع على خبر ابتداء ، أي هي { خافضة رافعة } . وقرأ الحسن وعيسى الثقفي وأبو حيوة : " خافضةً رافعةً " بالنصب على الحال بعد الحال التي هي { لوقعتها كاذبة } ولك أن تتابع الأحوال . كما لك أن تتابع أخبار المبتدأ ، والقراءة الأولى أشهر وأبرع معنى ، وذلك أن موقع الحال من الكلام موقع ما لم يذكر لاستغني عنه وموقع الجمل التي يجزم الخبر بها موقع ما يتهمم به . واختلف الناس في معنى هذا الخفض والرفع في هذه الآية ، فقال قتادة وعثمان بن عبد الله بن سراقة : القيامة تخفض أقواماً إلى النار ، وترفع أقواماً إلى النار ، وترفع أقواماً إلى الجنة . وقال ابن عباس وعكرمة والضحاك : الصيحة تخفض قوتها لتسمع الأدنى وترفعها لتسمع الأقصى . وقال جمهور من المتأولين : القيامة بتفطر السماء والأرض والجبال انهدام هذه البنية ، ترفع طائفة من الأجرام وتخفض أخرى ، فكأنها عبارة عن شدة الهول والاضطراب ، والعامل في قوله : { إذا رجت } ، { وقعت } ، لأن { إذا } هذه بدل من { إذا } الأولى ، وقد قالوا : إن { وقعت } هو العامل في الأولى ، وذلك لأن معنى الشرط فيها قوي ، فهي كـ " من " و " ما " في الشرط ، يعمل فيها ما بعدها من الأفعال ، وقد قيل إن { إذا } مضافة إلى { وقعت } فلا يصح أن يعمل فيها ، وإنما العامل فيها فعل مقدر . ومعنى : { رجت } زلزلت وحركت بعنف ، قاله ابن عباس ، ومنه ارتج السهم في الغرض إذا اضطرب بعد وقوعه ، والرجة في الناس الأمر المحرك . واختلف اللغويون في معنى : { بست } فقال ابن عباس ومجاهد وعكرمة معناه : فتتت ، كما تبس البسيسة وهي السويق ، ويقال بسست الدقيق إذا ثريته بالماء وبقي مفتتاً ، وأنشد الطبري في هذا : [ الرجز ] @ لا تخبزا خبزاً وبسّا بسّا @@ وقال هذا قول لص أعجله الخوف عن العجين ، فقال لصاحبه هذا . وقال بعض اللغويين : { بست } معناه سيرت قالوا والخبز سير الشديد وضرب الأرض بالأيدي ، والبس : السير الرفيق ، وأنشد البيت : [ الرجز ] @ لا تخبزا خبزاً وبسّا بسّا وجنباها نهشلاً وعبسا ولا تطيلا بمناخ حبسا @@ ذكر هذا أبو عثمان اللغوي في كتابه في الأفعال . و " الهباء " : ما يتطاير في الهواء من الأجزاء الدقيقة ، ولا يكاد يرى إلا في الشمس إذا دخلت من كوة ، قاله ابن عباس ومجاهد . وقال قتادة : الهباء : ما تطاير من يبس النبات . وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه الهباء : ما تطاير من حوافر الخيل والدواب . وقال ابن عباس أيضاً ، الهباء : ما تطاير من شرر النار ، فإذا طفي لم يوجد شيئاً . والمنبث : بالتاء المثلثة ، الشائع في جميع الهواء . وقرأ النخعي : " منبتاً " بالتاء بنقطتين ، أي متقطعاً ، ذكر ذلك الثعلبي . قال القاضي أبو محمد : والقول الأول في هباء أحسن الأقوال . والخطاب في قوله : { وكنتم } لجميع العالم ، لأن الموصوفين من { أصحاب المشأمة } ليسوا في أمة محمد ، والأزواج : الأنواع والضروب . قال قتادة : هذه منازل الناس يوم القيامة . وقوله تعالى : { فأصحاب الميمنة } ابتداء ، و : { ما } ابتداء ثان . و : { أصحاب الميمنة } خبرها ، والجملة خبر الابتداء الأول ، وفي الكلام معنى التعظيم ، كما تقول زيد ما زيد ، ونظير هذا في القرآن كثير ، و { الميمنة } : أظهر ما في اشتقاقها أنها من ناحية اليمين ، وقيل من اليمن ، وكذلك { المشأمة } إما أن تكون من اليد الشؤمى ، وإما أن تكون من الشؤم ، وقد فسرت هذه الآية بهذين المعنيين ، إذ { أصحاب الميمنة } الميامين على أنفسهم ، قاله الحسن والربيع ، ويشبه أن اليمن والشؤم إنما اشتقا من اليمنى والشؤمى وذلك على طريقهم في السانح والبارح ، وكذلك اليمن والشؤم اشتقا من اليمنى والشؤمى . وقوله : { والسابقون } ابتداء و : { السابقون } الثاني . قال بعض النحويين : هو نعت للأول ، ومذهب سيبويه أنه خبر الابتداء ، وهذا كما تقول العرب : الناس الناس ، وأنت أنت ، وهذا على معنى تفخيم أمر وتعظيمه ، ومعنى الصفة هو أن تقول : { والسابقون } إلى الإيمان { السابقون } إلى الجنة والرحمة { أولئك } ، ويتجه هذا المعنى على الابتداء والخبر . وقوله : { أولئك المقربون } ابتداء وخبر ، وهو في موضع الخبر على قول من قال : { السابقون } الثاني صفة ، و : { المقربون } معناه من الله في جنة عدن . قال جماعة من أهل العلم : وهذه الآية متضمنة أن العالم يوم القيامة على ثلاثة أصناف : مؤمنون ، هم على يمين العرش ، وهنالك هي الجنة ، وكافرون ، هم على شؤمى العرش ، وهنالك هي النار . والقول في يمين العرش وشماله نحو من الذي هو في سورة الكهف في اليمين والشمال . وقد قيل في { أصحاب الميمنة } واليمين : إنهم من أخذ كتابه بيمينه ، وفي { أصحاب المشأمة } والشمال : إنهم من أخذه بشماله ، فعلى هذا ليست نسبة اليمين والشمال إلى العرش . وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : أصحاب اليمين أطفال المؤمنين ، وقيل المراد ميمنة آدم ومشأمته المذكورتان في حديث الإسراء في الأسودة . و : { السابقون } معناه : قد سبقت لهم السعادة ، وكانت أعمالهم في الدنيا سبقاً إلى أعمال البر وإلى ترك المعاصي ، فهذا عموم في جميع الناس . وخصص المفسرون في هذا أشياء ، فقال عثمان بن أبي سودة : هم { السابقون } إلى المساجد . وقال ابن سيرين : هم الذين صلوا القبلتين . وقال كعب : هم أهل القرآن ، وقيل غير هذا مما هو جزء من الأعمال الصالحة ، وروي " أن النبي صلى الله عليه وسلم وسئل عن السابقين ، فقال : " هم الذين إذا أعطوا الحق قبلوه ، وإذا سئلوا بذلوه ، وحكموا للناس بحكمهم لأنفسهم " " . وقرأ طلحة بن مصرف : " في جنة النعيم " على الإفراد . و : { المقربون } عبارة عن أعلى منازل البشر في الآخرة ، وقيل لعامر بن عبد قيس في يوم حلبة من سبق فقال { المقربون } .