Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 42-45)

Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

في الكلام حذف يدل عليه الظاهر تقديره فكذبوا فأخذناهم ، ومعناه لازمناهم وتابعناهم الشيء بعد الشيء ، " البأساء " المصائب في الأموال ، { والضراء } في الأبدان ، هذا قول الأكثر ، وقيل قد يوضع كل واحد بدل الآخر ، ويؤدب الله تعالى عباده { بالبأساء والضراء } , ومن هنالك أدب العباد نفوسهم بالبأساء في تفريق المال ، والضراء في الحمل على البدن في جوع وعري ، والترجي في " لعل " في هذا الموضع إنما هو على معتقد البشر لو رأى أحد ذلك لرجا تضرعهم بسببه ، والتضرع التذلل والاستكانة ، وفي المثل أن الحمى أضرعتني لك ، ومعنى الآية توعد الكفار وضرب المثل لهم ، و " لولا " تحضيض ، وهي التي تلي الفعل بمعنى هلا ، وهذا على جهة المعاتبة لمذنب غائب وإظهار سوء فعله مع تحسر ما عليه ، والمعنى إذ جاءهم أوائل البأس وعلاماته وهو تردد البأساء والضراء ، و { قست } معناه صلبت وهي عبارة عن الكفر ونسب التزيين إلى الشيطان وقد قال تعالى في آية أخرى { كذلك زينا لكل أمة عملهم } [ الأنعام : 108 ] لأن تسبب الشيطان ووسوسته تجلب حسن الفكر في قلوبهم ، وذلك المجلوب الله يخلقه ، فإن نسب إلى الله تعالى فبأنه خالقه وإلى الشيطان فبأنه مسببه . وقوله تعالى : { فلما نسوا } الآية ، عبر عن الترك بالنسيان إذا بلغ وجوه الترك الذي يكون معه نسيان وزوال المتروك عن الذهن ، وقرأ ابن عامر فيما روي عنه " فتّحنا " بتشديد التاء ، و { كل شيء } معناه مما كان سد عليهم بالبأساء والضراء من النعم الدنياوية ، فهو عموم معناه خصوص ، و { فرحوا } معناه بطروا وأشروا وأعجبوا وظنوا أن ذلك لا يبيد وأنه دال على رضى الله عنهم ، وهو استدرجهم من الله تعالى ، وقد روي عن بعض العلماء أنه قال : رحم الله عبداً تدبر هذه الآية { حتى إذا فرحوا با أوتوا أخذناهم بغتة } وقال محمد بن النضير الحارثي : أمهل القوم عشرين سنة ، وروى عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا رأيتم الله يعطي العباد ما يشاؤون على معاصيهم فذلك استدراج " ثم تلا { فلما نسوا } الآية كلها ، و { أخذناهم } ، وهو مصدر في موضع الحال لا يقاس عليه عند سيبويه ، و " المبلس " الحزين الباهت اليائس من الخير الذي لا يحير جواباً لشدة ما نزل به من سوء الحال ، وقوله تعالى : { فقطع دابر القوم } الآية ، " الدابر " آخر الأمر الذي يدبره أي يأتي من خلفه ، ومنه قول الشاعر [ أمية بن أبي الصلت ] [ البسيط ] @ فَأُهلِكُوا بعذابٍ حصَّ دَابِرَهُمْ فما استطاعُوا لَهُ دَفْعاً ولا انْتَصَرُوا @@ وقول الآخر : [ الطويل ] @ وَقَدْ زَعَمتْ علْيا بَغِيضٍ وَلَفُّها بَأني وَحِيدٌ قَدْ تَقَطَّع دابري @@ وهذه كناية عن استئصال " شأفتهم " ومحو آثارهم كأنهم وردوا العذاب حتى ورد آخرهم الذي دبرهم وقرأ عكرمة " فقَطَع " بفتح القاف والطاء " دابرَ " بالنصب ، وحسن الحمد عقب هذه الآية لجمال الأفعال المتقدمة في أن أرسل الرسل وتلطف في الأخذ بالبأساء والضراء ليتضرع إليه فيرحم وينعم ، وقطع في آخر الأمر دابر الظلمة ، وذلك حسن في نفسه ونعمة على المؤمنين فحسن الحمد يعقب هذه الأفعال ، وبحمد الله ينبغي أن يختم كل فعل وكل مقالة لا رب غيره .