Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 68-69)
Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
لفظ هذا الخطاب مجرد للنبي صلى الله عليه وسلم وحده ، واختلف في معناه فقيل إن المؤمنين داخلون في الخطاب معه . قال القاضي أبو محمد : وهذا هو الصحيح ، لأن علة النهي وهي سماع الخوض في آيات الله تسلهم وإياه وقيل : بل بالمعنى أيضاً إنما أريد به النبي صلى الله عليه وسلم وحده ، لأن قيامه عن المشركين كان يشق عليهم وفراقه لهم على معارضته وإن لم يكن المؤمنون عندهم كذلك ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن ينابذهم بالقيام عنهم إذا استهزؤوا وخاضوا ليتأدبوا بذلك ويدعوا الخوض والاستهزاء ، وهذا التأويل يتركب على كلام ابن جرير يرحمه الله ، والخوض أصله في الماء ثم يستعمل بعد في غمرات الأشياء التي هي مجاهل تشبيهاً بغمرات الماء ، { وإما } شرط وتلزمها النون الثقيلة في الأغلب ، وقد لا تلزم كما قال : @ إمَّا يُصِبْكَ عَدُوٌّ في مُنَاوَأةٍ @@ إلى غير ذلك من الأمثلة ، وقرأ ابن عامر وحده " ينسّنَك " بتشديد السين وفتح النون والمعنى واحد ، إلا أن التشديد أكثر مبالغة ، و { الذكرى } والذكر واحد في المعنى وإنما هو تأنيث لفظي ، ووصفهم هنا بـ { الظالمين } متمكن لأنهم وضعوا الشيء في غير موضعه ، و { أعرض } في هذه الآية بمعنى المفارقة على حقيقة الإعراض وأكمل وجوهه ، ويدل على ذلك { فلا تقعد } . وقوله تعالى : { وما على الذين يتقون من حسابهم } الآية ، والمراد بـ { الذين } هم المؤمنون . والضمير في { حسابهم } عائد على { الذين يخوضون } ومن قال إن المؤمنين داخلون في قوله : { فأعرض } قال إن النبي عليه السلام داخل في هذا القصد بـ { الذين يتقون } ، والمعنى عندهم على ما روي أن المؤمنين قالوا لما نزلت فلا تقعد معهم قالوا : إذا كنا لا نضرب المشركين ولا نسمع أقوالهم فما يمكننا طواف ولا قضاء عبادة في الحرم فنزلت لذلك { وما على الذين يتقون } . قال القاضي أبو محمد : فالإباحة في هذا هي في القدر الذي يحتاج إليه من التصرف بين المشركين في عبادة ونحوها ، وقال بعض من يقول إن النبي عليه السلام داخل في { الذين يتقون } وإن المؤمنين داخلون في الخطاب الأول أن هذه الآية الأخيرة ليست إباحة بوجه ، وإنما معناها لا تقعدوا ولا تقربوهم حتى تسمعوا استهزاءهم وخوضهم ، وليس نهيكم عن القعود لأن عليكم شيئاً من حسابهم وإنما هو ذكرى لكم ، ويحتمل المعنى أن يكون لهم لعلهم إذا جانبتموهم يتقون بالإمساك عن الاستهزاء ، وأما من قال إن الخطاب الأول هو مجرد للنبي صلى الله عليه وسلم لثقل مفارقته مغضباً على الكفار فإنه قال في هذه الآية الثانية إنها مختصة بالمؤمنين ، ومعناها الإباحة ، فكأنه قال فلا تقعد معهم يا محمد وأما المؤمنون فلا شيء عليهم من حسابهم فإن قعدوا فليذكروهم لعلهم يتقون الله في ترك ما هم فيه . قال القاضي أبو محمد : وهذا القول أشار إليه النقاش ولم يوضحه ، وفيه عندي نظر ، وقال قائل هذه المقالة : إن هذه الإباحة للمؤمنين نسخت بآية النساء قوله تعالى : { وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره } [ النساء : 140 ] وكذلك أيضاً من قال أولاً إلا أن الإباحة كانت بحسب العبادات يقول إن هذه الآية التي في النساء ناسخة لذلك إذ هي مدنية ، والإشارة بقوله : { وقد نزل } [ النساء : 140 ] إليها بنفسها فتأمله ، وإلا فيجب أن يكون الناسخ غيرها ، و { ذكرى } على هذا القول يحتمل أن يكون ذكر وهم ذكرى ، ويحتمل ولكن أعرضوا متى أعرضتم في غير وقت العبادة ذكرى ، و { ذكرى } على كل قول يحتمل أن تكون في موضع نصب بإضمار فعل أو رفع وإضمار مبتدأ ، وينبغي للمؤمن أن يمتثل حكم هذه الآية مع الملحدين وأهل الجدال والخوض فيه ، حكى الطبري عن أبي جعفر أنه قال لا تجالسوا أهل الخصومات فإنهم الذين يخوضون في آيات الله .