Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 60, Ayat: 10-11)

Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

أمر الله تعالى أن يؤتى الكفار مهور نسائهم اللاتي هاجرن مؤمنات ورفع الجناح في أن يتزوجن بصدقات هي أجورهن ، وأمر المسلمين بفراق الكافرات وأن لا يمسكوا بعصمهن ، فقيل : الآيات في عابدات الأوثان ومن لا يجوز نكاحها ، ابتداء ، وقيل : هي عامة نسخ منها نساء أهل الكتاب ، والعصم : جمع عصمة : وهي أسباب الصحبة والبقاء في الزوجية ، وكذلك العصمة في كل شيء ، السبب الذي يعتصم به ، ويعتمد عليه ، وقرأ جمهور السبعة والناس : " تُمسِكوا " بضم التاء وكسر السين وتخفيفها من أمسك ، وقرأ أبو عمرو وحده وابن جبير ومجاهد والأعرج والحسن بخلاف " ولا تمسّكوا " من مسك ، بالشد في السين ، وقرأ الحسن وابن أبي ليلى وابن عامر في رواية عبد المجيد : " تَمَسَّكوا " بفتح التاء والميم ، وفتح السين وشدها ، وقرأ الحسن : " تَمْسِكوا " بفتح التاء وسكون الميم وكسر السين مخففة . ورأيت لأبي علي الفارسي أنه قال : سمعت الفقيه أبا الحسن الكرخي يقول في تفسير قوله تعالى : { ولا تمسكوا بعصم الكوافر } ، إنه في الرجال والنساء ، فقلت له : النحويون لا يرون هذا إلا في النساء ، لأن كوافر : جمع كافرة ، فقال وايش يمنع من هذا أليس الناس يقولون : طائفة كافرة ، وفرقة كافرة ، فبهت ، وقلت هذا تأييد ، وأمر تعالى أن يسأل أيضاً الكافرون أن يدفعوا الصدقات التي أعطاها المؤمنون لمن فر من أزواجهم إلى الكفار ، وقرر الحكم بذلك على الجميع ، فروي عن ابن شهاب أن قريشاً قالت : نحن لا نرضى هذا الحكم ولا نلتزمه ولا ندفع لأحد صداقاً فنزلت بسبب ذلك هذه الآية الأخرى : { وإن فاتكم } الآية ، فأمر الله تعالى المؤمنين أن يدفعوا إلى من فرت زوجته ففاتت بنفسها إلى الكفار صداقه الذي أنفق ، قال ابن عباس في كتاب الثعلبي : خمس نسوة من نساء المهاجرين رجعن عن الإسلام ولحقن بالمشركين : أم الحكم بنت أبي سفيان كانت تحت عياض بن شداد ، وفاطمة بنت أبي أمية أخت أم سلمة ، كانت تحت عمر بن الخطاب ، وعبدة بنت عبد العزى كانت تحت هشام بن العاص ، وأم كلثوم بنت جرول كانت تحت عمر ، فأعطاهم النبي صلى الله عليه وسلم مهور نسائهم من الغنيمة . واختلف الناس في أي مال يدفع إليه الصداق ، فقال محمد بن شهاب الزهري : يدفع إليه من الصدقات التي كانت تدفع إلى الكفار بسبب من هاجر من أزواجهم ، وأزال الله تعالى دفعها إليهم حين لم يرضوا حكمه حسبما ذكرناه ، وهذا قول صحيح يقتضيه قوله تعالى : { فعاقبتم } وسنبين ذلك في تفسير اللفظة إن شاء الله تعالى . وقال مجاهد وقتادة : يدفع إليه من غنائم المغازي ، وقال هؤلاء التعقيب بالغزو والمغنم وتأولوا اللفظة بهذا المعنى ، وقال الزهري أيضاً : يدفع إليه من اي وجوه الفيء أمكن ، والعاقبة في هذه الآية ، ليست بمعنى مجازاة السوء بالسوء لكنها بمعنى فصرتم منهم إلى الحال التي صاروا إليها منكم وذلك بأن يفوت إليكم شيء من أزواجكم ، وهكذا هو التعقيب على الجمل والدواب أن يركب هذا عقبة ويركب هذا عقبة . وقرأ ابن مسعود : " وإن فاتكم أحد من أزواجكم " ويقال عاقب الرجل صاحبه في كذا ، أي جاء فعل كل واحد منهما بعقب فعل الآخر ، ومنه قول الشاعر [ الكميت ] : @ وحاردت النكد الجلاد ولم يكن لعقبة قدر المستعيرين معقب @@ ويقال : " عقّب " بشد القاف ، أي أصاب عقبى ، والتعقيب : غزو إثر غزو ، ويقال " عقَب " بتخفيفها ، ويقال : " عقِب " بكسرها كل ذلك بمعنى : يقرب بعضه من بعض وبجميع ذلك قرئ ، قرأ جمهور الناس : " عاقبتم " وقرأ الأعرج ومجاهد والزهري وعكرمة وحميد : " عقَّبتم " بالتشديد في القاف ، وقرأ الأعرج أيضاً وأبو حيوة والزهري أيضاً : " عقَبتم " بفتح القاف خفيفة ، وقرأ النخعي والزهري أيضاً : " عقِبتم " بكسر القاف وكلها بمعنى : غنمتم , وروي عن مجاهد : " أعقبتم " بألف مقطوعة قبل العين , وهذه الآية كلها قد ارتفع حكمها ، ثم ندب تعالى إلى التقوى وأوجبها ، وذكر العلة التي بها يجب التقوى وهي الإيمان بالله والتصديق بوحدانيته وصفاته وعقابه وإنعامه .