Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 64, Ayat: 1-4)

Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وهو على كل شيء قدير } عموم معناه التنبيه ، والشيء : الموجود ، وقوله : { هو الذي خلقكم } تعديد نعمة ، والمعنى { فمنكم كافر } لنعمته في الإيجاد حين لم يوجد كافر لجهله بالله تعالى ، { ومنكم مؤمن } بالله ، والإيمان به شكر لنعمته ، فالإشارة في هذا التأويل في الإيمان والكفر هي إلى اكتساب العبد ، هذا قول جماعة من المتأولين ، وحجتهم قول النبي صلى الله عليه وسلم : " كل مولود يولد على الفطرة " ، وقوله تعالى : { فطرة الله التي فطر الناس عليها } [ الروم : 30 ] ، وكأن العبارة في قوله تعالى : { فمنكم } تعطي هذا ، وكذلك يقويه قوله : { والله بما تعملون بصير } . وقيل : المعنى " خلقكم منكم مؤمن ومنكم كافر " في أصل الخلق فهي جملة في موضع الحال ، فالإشارة على هذا في الإيمان والكفر هي إلى اختراع الله تعالى وخلقه ، وهذا تأويل ابن مسعود وأبي ذر ، ويجري مع هذا المعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم : " إن أحدكم يكون في بطن أمه نطفة أربعين يوماً ، ثم علقة أربعين يوماً ، ثم مضغة أربعين يوماً ، ثم يجيء الملك فيقول يا رب : أذَكَر أم أنثى ؟ أشقي أم سعيد ؟ فما الرزق فما الأجل ؟ فيكتب ذلك في بطن أمه " ، فقوله في الحديث : " أشقي أم سعيد " هو في هذه الآية : { فمنكم كافر ومنكم مؤمن } ويجري مع هذا المعنى قوله في الغلام الذي قتله الخضر : إنه طبع يوم طبع كافراً ، وما روى ابن مسعود أنه عليه السلام قال : " خلق الله فرعون في البطن كافراً وخلق يحيى بن زكرياء مؤمناً " وقال عطاء بن أبي رباح : فمعنى الآية : { فمنكم كافر } بالله { مؤمن } بالكوكب ، ومؤمن بالله كافر بالكوكب ، وقدم الكافر لأنه أعرف من جهة الكثرة ، وقوله تعالى : { بالحق } أي حين خلقها محقوقاً في نفسه ليست عبثاً ولا لغير معنى . وقرأ جمهور الناس : " صُوركم " بضم الصاد ، وقرأ أبو رزين : " صِوركم " بكسرها ، وهذا تعديد النعمة في حسن الخلقة ، لأن أعضاء ابن آدم متصرفة لجميع ما تتصرف به أعضاء الحيوان ، وبزيادات كثيرة فضل بها ثم هو مفضل بحسن الوجه ، وجمال الجوارح ، وحجة هذا قوله تعالى : { لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم } [ التين : 4 ] ، وقال بعض العلماء : النعمة المعددة هنا إنما هي صورة الإنسان من حيث هو إنسان مدرك عاقل ، فهذا هو الذي حسن له حتى لحق ذلك كمالات كثيرة . قال القاضي أبو محمد : والقول الأول أحرى في لغة العرب ، لأنها لا تعرف الصور إلا الشكل ، وذكر تعالى علمه بما في السماوات والأرض ، فعم عظام المخلوقات ، ثم تدرج القول إلى أخفى من ذلك وهو جميع ما يقوله الناس في سر وفي علن ، ثم تدرج إلى ما هو أخفى ، وهو ما يهجس بالخواطر ، وذات الصدور : ما فيها من خطرات واعتقادات كما يقال : الذئب مغبوط بذي بطنه ، كما قال أبو بكر رضي الله عنه : إنما هو ذو بطن خارجة ، و { الصدور } هنا عبارة عن القلب ، إذ القلب في الصدر .