Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 68, Ayat: 46-52)
Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذه { أم } التي تتضمن الإضراب عن الكلام الأول لا على جهة الرفض له ، لكن على جهة الترك والإقبال على سواه ، وهذا التوقيف لمحمد صلى الله عليه وسلم ، والمراد به توبيخ الكفار لأنه لو سألهم أجراً فأثقلهم غرم ذلك لكان لهم بعض العذر في إعراضهم وقرارهم ، وقوله تعالى : { أم عندهم الغيب فهم يكتبون } معناه : هل لهم علم بما يكون فيدعون مع ذلك أن الأمر على اختيارهم جار ، ثم أمر تعالى نبيه بالصبر لحكمه ، وأن يمضي لما أمر به من التبليغ واحتمال الأذى والمشقة ، ونهى عن الضجر والعجلة التي وقع فيها يونس صلى الله عليه وسلم ، ثم اقتضبت القصة ، وذكر ما وقع في آخرها من ندائه من بطن الحوت { وهو مكظوم } ، أي غيظه في صدره . وحقيقة الكظم : هو الغيظ والحزن والندم فحمل المكظوم عليه تجوزاً ، وهو في الحقيقة كاظم ، ونحو هذا قول ذي الرمة : [ البسيط ] @ وأنت من حب مني مضمر حزناً عاني الفؤاد قريح القلب مكظوم @@ وقال النقاش : المكظوم ، الذي أخذ بكظمه وهو مجاري القلب ، ومنه سميت الكاظمة وهي القناة في جوف الأرض . وقرأ جمهور الناس : " لولا أن تداركه " أسند الفعل دون علامة تأنيث ، لأن تأنيث النعمة غير حقيقي وقرأ أبيّ بن كعب وابن مسعود وابن عباس : " تداركته " على إظهار العلامة ، وقرأ ابن هرمز والحسن : " تدّاركه " بشد الدال على معنى : تتداركه وهي حكاية حال تام ، فلذلك جاء الفعل مستقبلاً بمعنى : { لولا أن } ، يقال فيه تتداركه نعمة من ربه ونحوه ، قوله تعالى : { فوجد فيها رجلين يقتتلان } فهذا وجه القراءة ، ثم أدغمت التاء في الدال ، والنعمة : هي الصفح والتوب ، والاجتباء : الذي سبق له عنده ، والعراء : الأرض الواسعة التي ليس فيها شيء يوارى من بناء ولا نبات ولا غيره من جبل ونحوه ، ومنه قول الشاعر [ أبو الخراش الهذلي ] : [ الكامل ] @ رفعت رجلاً لا أخاف عثارها ونبذت بالأرض العراء ثيابي @@ وقد نبذ يونس عليه السلام { بالعراء } ولكن غير مذموم ، و { واجتباه } معناه : اختاره واصطفاه . ثم أخبر تعالى نبيه بحال نظر الكفار إليهم ، وأنهم يكادون من الغيظ والعداوة ، يزلقونه فيذهبون قدمه من مكانها ويسقطونه . وقرأ جمهور القراء : " يُزلقونك " بضم الياء من أزلق ، وقرأ نافع وحده : " يَزلقونك " . بفتح الياء من زلقت الرجل ، يقال : زلِق الرجل بكسر اللام وزلَقته بفتحها مثل : حزن وحزنته وشترت العين بكسر التاء وشترتها ، وفي مصحف عبد الله بن مسعود : " ليزهقونك " بالهاء ، وروى النخعي أن في قراءة ابن مسعود : " لينفدونك " ، وفي هذا المعنى الذي في نظرهم من الغيظ والعداوة قول الشاعر : [ الكامل ] @ يتقارضون إذا التقوا في مجلس نظراً يزيل مواطئ الأقدام @@ وذهب قوم من المفسرين إلى أن المعنى : يأخذونك بالعين ، وذكر أن الدفع بالعين كان في بني أسد ، قال ابن الكلبي : كان رجل يتجوع ثلاثة أيام لا يتكلم على شيء إلا أصابه بالعين ، فسأله الكفار أن يصيب النبي عليه السلام ، فأجابهم إلى ذلك ، ولكن عصم الله تعالى نبيه ، قال الزجاج : كانت العرب إذا أراد أحدهم أن يعتان شيئاً ، تجوع ثلاثة أيام ، وقال الحسن : دواء من أصابه العين أن يقرأ هذه الآية ، و { الذكر } في الآية القرآن ، ثم قرر تعالى أن هذا القرآن العزيز { ذكر للعالمين } من الجن والإنس ، ووعظ لهم وحجة عليهم ، فالحمد لله الذي أنعم علينا به وجعلنا أهله وحماته لا رب غيره . نجز تفسير سورة " ن والقلم " بحمد الله تعالى وعونه وصلى الله على محمد وآله وسلم .