Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 12-16)
Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ ما } استفهام والمقصود به التوبيخ والتقريع ، و { لا } في قوله " أن لا " قيل هي زائدة ، والمعنى ما منعك أن تسجد وهي كـ " لا " في قول الشاعر : [ الطويل ] @ أبى جودُه لا البخلَ واسْعْجَلَتْ به نَعَمْ من فتى لا يمنعُ الجود قاتله @@ وهذا على أحد الأقوال في هذا البيت فقيل " لا " فيه زائدة . وقال الزجّاج : مفعولة والبخل بدل منها ، وحكى الطبري عن يونس عن أبي عمرو بن العلاء : أن الرواية فيه لا البخل بخفض اللام لأن " لا " قد تتضمن جوداً إذا قالها من أمر بمنع الحقوق والبخل عن الواجبات . ومن الأبيات التي جاءت لا فيها زائدة قول الشاعر : [ الكامل ] @ افَعَنْكِ لا بَرْق كأنّ وميضه غاب تسنمه ضرام مثقبُ @@ وقيل في الآية ليست لا زائدة ، وإنما المعنى ما منعك فأحوجك أن تسجد ، وقيل : لما كان { ما منعك } بمعنى من أمرك ومن قال لك حسن أن يقول بعدها { ألا تسجد } . قال القاضي أبو محمد : وجملة هذا الغرض أن يقدر في الكلام فعل يحسن حمل النفي عليه ، كأنه قال ما أحوجك أو حملك أو اضطرك ، وجواب إبليس اللعين ليس عما سئل عنه ولكنه جاء بكلام يتضمن الجواب والحجة عليه ، فكأنه قال : منعني فضلي إذ أنا خير منه حين خلقتني من نار وخلقته من طين . وروي عن ابن عباس أنه قال : لا أسجد وأنا خير منه وأكبر سناً وأقوى خلقاً ، يقول إن النار أقوى من الطين وظن إبليس أن النار أفضل من الطين وليس كذلك بل هي في درجة واحدة من حيث هي جماد مخلوق ، فلما ظن إبليس أن صعود النار وخفتها يقتضي فضلاً على سكون الطين وبلادته قاس أن ما خلق منها أفضل مما خلق في النار من الطيش والخفة والاضطراب ، وفي الطين من الوقار والأناة والحمل والتثبيت . قال القاضي أبو محمد : وفي كلام الطبري نظر ، وروي عن الحسن وابن سيرين أنهما قالا : أول من قاس إبليس وما عبدت الشمس والقمر إلا بالمقاييس . قال القاضي أبو محمد : قال الطبري يعنيان الخطأ ولا دليل من لفظهما عليه ولا يتأول عليهما إنكار القياس ، وإنما خرج كلامهما نهياً عما كان في زمنهما من مقاييس الخوارج وغيرهم ، فأرادا حمل الناس على الجادة . وقوله تعالى : { فاهبط منها } الآية ، أمر من الله عز وجل لإبليس بالهبوط في وقت عصيانه في السجود ، فيظهر من هذا أنه إنما أهبط أولاً وأخرج من الجنة وصار في السماء ، لأن الأخبار تظاهرت أنه أغوى آدم وحواء من خارج الجنة ثم أمر آخراً بالهبوط من السماء مع آدم وحواء والحية . قال القاضي أبو محمد : وهذا كله بحسب ألفاظ القصة والله أعلم . وقوله { فما يكون لك } معناه فما يصح لك ولا يتم ، وليس يقتضي هذا اللفظ أن التكبر له في غيرها على ما ذهب إليه بعض المعترضين ، تضمنت الآية أن الله أخبر إبليس أن الكبرياء لا يتم له ولا يصح في الجنة مع نهيه له ولغيره عن الكبرياء في كل موضع وأما لو أخذنا { فما يكون } على معنى فما يحسن وما يجمل كما تقول للرجل ما كان لك أن لا تصل قرابتك لغير معنى الإغلاظ على إبليس ، وقوله : { إنك من الصاغرين } حكم عليه بضد المعصية التي عصى بها وهي الكبرياء فعوقب بالحمل عليه بخلاف شهوته وأمله ، والصغار الذل قاله السدي . ثم سأل إبليس ربه أن يؤخره إلى يوم البعث طمع أن لا يموت ، إذ علم أن الموت ينقطع بعد البعث ومعنى { أنظرني } أخرني فأعطاه الله النظرة إلى يوم الوقت المعلوم ، فقال أكثر الناس الوقت المعلوم هو النفخة الأولى في الصور التي يصعق لها من في السماوات ومن في الأرض من المخلوقين ، وقالت فرقة بل أحاله على وقت معلوم عنده عز وجل يريد به يوم موت إبليس وحضور أجله دون أن يعين له ذلك ، وإنما تركه في عماء الجهل به ليغمه ذلك ما عاش . قال القاضي أبو محمد : وقال بعض أهل هذه المقالة : إن إبليس قتلته الملائكة يوم بدر ورووا في ذلك أثراً ضعيفاً . قال القاضي أبو محمد : والأول من هذه الأقوال أصح وأشهر في الشرع ، ومعنى { من المنظرين } من الطائفة التي تأخرت أعمارها كثيراً حتى جاءت آجالها على اختلاف أوقاتها ، فقد عم تلك الفرقة إنظار وإن لم يكونوا أحياء مدة الدهر . وقوله : { فبما } يحتمل أن يريد به القسم كما تقول فبالله لأفعلن ، ويحتمل أن يريد به معنى المجازاة كما تقول فبإكرامك يا زيد لأكرمنك . قال القاضي أبو محمد : وهذا أليق المعاني بالقصة ، ويحتمل أن يريد فمع إغوائك لي ومع ما أنا عليه من سوء الحال لأتجلدن ولأقعدن ، ولا يعرض لمعنى المجازاة ويحتمل أن يريد بقوله { فبما } الاستفهام عن السبب في إغوائه ، ثم قطع ذلك وابتدأ الإخبار عن قعوده لهم ، وبهذا فسر الطبري أثناء لفظه و { أغويتني } قال الجمهور معناه أضللتني من الغي . وعلى هذا المعنى قال محمد بن كعب القرظي فيما حكى الطبري : قاتل الله القدرية لإبليس أعلم بالله منهم ، يريد في أنه علم أن الله يهدي ويضل ، وقال الحسن { أغويتني } لعنتني . وقيل معناه خيبتني . قال القاضي أبو محمد : وهذا كله تفسير بأشياء لزمت إغواءه ، وقالت فرقة { أغويتني } معناه أهلكتني ، حكى ذلك الطبري ، وقال : هو من قولك غوى الفصيل يغوي غوى إذا انقطع عنه اللبن فمات ، وأنشد : [ الطويل ] @ معطَّفةُ الأثناءِ لَيْسَ فَصيلُها بِرَازِئها دراً ولا ميت غوى @@ قال : وقد حكي عن بعض طيىء : أصبح فلان غاوياً أي مريضاً ، وقوله : { لأقعدن لهم صراطك } يريد على صراطك وفي صراطك وحذف كما يفعل في الظروف ، ونحوه قول الشاعر : [ ساعدة بن جؤية ] . @ لدن بهز الكف يعسل متنه فيه كما عسل الطريق الثعلب @@ وقال مجاهد : { صراطك المستقيم } يريد به الحق . وقال عون بن عبد الله : يريد طريق مكة . قال القاضي أبو محمد : وهذا تخصيص ضعيف وإنما المعنى لأتعرضن لهم في طريق شرعك وعبادتك ومنهج النجاة فلأصدنهم عنه . ومنه قوله عليه السلام : " إن الشيطان قعد لابن آدم بأطرقه ، نهاه عن الإسلام وقال تترك دين آبائك فعصاه فأسلم فنهاه عن الهجرة وقال تدع أهلك وبلدك فعصاه فهاجر ، فنهاه عن الجهاد وقال تقتل وتترك ولدك فعصاه فجاهد فله الجنة " الحديث .