Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 164-166)
Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قال جمهور المفسرين : إن بني إسرائيل افترقت ثلاث فرق ، فرقة عصت وصادت ، وفرقة نهت وجاهرت وتكلمت واعتزلت ، وفرقة اعتزلت ولم تعص ولم تنه ، وإن هذه الفرقة لما رأت مجاهرة الناهية وطغيان العاصية وعتوها قالت للناهية { لم تعظون قوماً } يريدون العاصية { الله مهلكهم أو معذبهم } على غلبة الظن وما عهد من فعل الله حينئذ بالأمم العاصية ، فقالت الناهية موعظتنا معذرة إلى الله ، ثم اختلف بعد هذا فقالت فرقة إن الطائفة التي لم تعص ولم تنه هلكت مع العاصية عقوبة على ترك النهي ، قاله ابن عباس ، وقال أيضاً : ما أدري ما فعل بهم ، وقالت فرقة بل نجت مع الناهية لأنها لم تعص ولا رضيت قاله عكرمة والحسن وغيرهما ، وقال ابن الكلبي فيما أسند عنه الطبري إن بني إسرائيل لم تفترق إلا فرقتين ، فرقة عصت وجاهرت وفرقة نهت وغيرت واعتزلت ، وقالت للعاصية إن الله يهلكهم ويعذبهم ، فقالت أمة من العاصين للناهين على جهة الاستهزاء لم تعظون قوماً قد علمتم أن الله مهلكهم أو معذبهم . قال القاضي أبو محمد : والقول الأول أصوب ، وتؤيده الضمائر في قوله : { إلى ربكم ولعلهم } فهذه المخاطبة تقتضي مخاطِباً ومخاطباً ومكنياً عنه ، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي " معذرةٌ " بالرفع ، أي موعظتنا ، معذرة أي إقامة عذر ، وقرأ عاصم في بعض ما روي عنه وعيسى بن عمر وطلحة بن مصرف " معذرةً " بالنصب أي وعظنا معذرة ، قال أبو علي حجتها أن سيبويه قال : لو قال رجل لرجل معذرة إلى الله وإليك من كذا لنصب . قال القاضي أبو محمد : الرجل القائل في هذا المثال معتذر عن نفسه وليس كذلك الناهون من بني إسرائيل فتأمل ، ومعنى { مهلكهم } في الدنيا { أو معذبهم } في الآخرة ، وقوله : { لعلهم يتقون } يقتضي الترجي المحض ، لأنه من قول آدميين . والضمير في قوله : { نسوا } للمنهيين وهو ترك سمي نسياناً مبالغة إذ أقوى منازل الترك أن ينسى المتروك . و { ما } في قوله : { ما ذكروا به } معنى الذي ، ويحتمل أن يراد به الذكر نفسه ، ويحتمل أن يراد به ما كان فيه الذكر ، و { السوء } لفظ عام في جميع المعاصي إلا أن الذي يختص هنا بحسب قصص الآية صيد الحوت ، و { الذين ظلموا } هم العاصون ، وقوله : { بعذاب بئيس } معناه مؤلم موجع شديد ، وقرأ نافع وأهل المدينة أبو جعفر وشيبة وغيرهما " بَيْسٍ " بكسر الباء وسكون الياء وكسر السين وتنوينها ، وهذا على أنه فعل سمي به كقوله صلى الله عليه وسلم " أنهاكم عن قيل وقال " وقرأ الحسن بن أبي الحسن " بيس " كما تقول بيس الرجل وضعّفها أبو حاتم ، قال أبو عمرو : وروي عن الحسن " بئس " بهمزة بين الباء والسين ، وقرأ نافع فيما يروي عنه خارجه " بَيْسٍ " بفتح الباء وسكون الياء وكسر السين منونة ، وروى مالك بن دينار عن نصر بن عاصم " بَيَس " بفتح الباء والياء منونة على مثل جمل وجيل ، وقرأ أبو عبد الرحمن المقري " بَئِس " بفتح الباء وهمزة مكسورة وسين منونة على وزن فعل ، ومنه قول عبد الله بن قيس الرقيات : [ المديد ] @ ليتني ألقى رقية في خلوة من غير ما بئس @@ قال أبو عمرو الداني هي قراءة نصر بن عاصم وطلحة بن مصرف ، وروي عن نصر " بِيس " بباء مكسورة من غيرهم ، قال الزهراوي وروي عن الأعمش " بئِّسٍ " الباء مفتوحة والهمزة مكسورة مشددة والسين مكسورة منونة ، وقرأت فرقة " بئس " كالتي قبل إلا فتح السين ، ذكرها أبو عمرو الداني عما حكى يعقوب ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي ونافع في رواية أبي قرة عنه وعاصم في رواية حفص عنه " بئيسٍ " بباء بعد الهمزة المكسورة والسين المنونة على وزن فعيل ، وهذا وصف بالمصدر كقولهم عذير الحي والنذير والنكير ، ونحو ذلك ، وهي قراءة الأعرج ومجاهد وأهل الحجاز وأبي عبد الرحمن ونصر بن عاصم والأعمش وهي التي رجح أبو حاتم ، ومنه قول ذي الأصبع العدواني : [ مجزوء الكامل ] @ حنقاً عليّ ولا أرى لي منهما نشراً بئيسا @@ وقرى أهل مكة " بئيس " كالأول إلا كسر الباء على وزن فعيل قال أبو حاتم : هما لغتان ، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر عنه " بَيْئسَ " بفتح الباء وسكون الياء وفتح الهمزة على وزن فيعَل ومعناه شديد ، ومنه قول امرىء القيس بن عابس الكندي : [ الرجز ] @ كلاهما كان رييساً بَيْئَسا يضرب في يوم الهياج القونسا @@ فهي صفة كضيغم وحيدر ، وهي قراءة الأعمش ، وقرأ عيسى بن عمر والأعمش بخلاف عنه " بَيْئِس " كالتي قبل إلا كسر الهمزة على وزن فيعِل ، وهذا شاذ لأنه لا يوجد فعِل في الصحيح وإنما يوجد في المعتل مثل سيد وميت ، وقال الزهراوي : روى نصر عن عاصم " بيْس " على مثال ميت وهذا على أنه من البوس لا أصل له في الهمز ، قال أبو حاتم زعم عصمة أن الحسن والأعمش قرءا " بِئْيَس " الباء مكسورة والهمزة ساكنة والياء مفتوحة على مثال خِدْيَم ، وضعفها أبو حاتم ، وقرأ ابن عامر من السبعة " بِئْسٍ " بكسر الباء وسكون الهمزة وتنوين السين المكسورة وقرأت فرقة " بَأْس " بفتح الباء وسكون الألف ، وقرأ أبو رجاء " بائِس " على وزن فاعِل ، وقرأ فرقة " بَيَسَ " بفتح الباء والياء والسين على وزن فَعَلَ ، وقرأ مالك بن دينار " بَأْسَ " بفتح الباء والسين وسكون الهمزة على وزن فَعْلَ غير مصروف ، وقرأت فرقة " بأس " مصروفاً ، وحكى أبو حاتم " بيس " قال أبو الفتح هي قراءة نصر بن عاصم ، وحكى الزهراوي عن ابن كثير وأهل مكة " بِيِس " بكسر الباء وبهمز همزاً خفيفاً . قال القاضي أبو محمد : ولم يبين هل الهمزة مكسورة أو ساكنة ، وقوله : { بما كانوا يفسقون } أي لأجل ذلك وعقوبة عليه ، و " العتو " الاستعصاء وقلة الطواعية ، وقوله : { قلنا لهم } يحتمل أن يكون قولاً بلفظ من ملك أسمعهم ذلك فكان أذهب في الإغراب والهوان والإصغار ، ويحتمل أن يكون عبارة عن المقدرة المكونة لهم قردة ، و { خاسئين } خبر بعد خبر ، هذا اختيار أبي الفتح ، وضعف الصفة وكذلك هو ، لأن القصد ليس التشبيه بقردة مبعدات . قال القاضي أبو محمد : ويجوز أن يكون { خاسئين } حالاً من الضمير في { كونوا } ، والصفة أيضاً متوجهة مع ضعفها ، وروي أن الشباب منهم مسخوا قردة والرجال الكبار مسخوا خنازير ، وروي أن مسخهم كان بعد المعصية في صيد الحوت بعامين وقال ابن الكلبي إن إهلاكهم كان في زمن داود ، وروي أن الناهين قسموا المدينة بينهم وبين العاصين بجدار ، فلما أصحبوا ليلة أهلك العاصون لم يفتح مدينة العاصين حتى ارتفع النهار فاستراب الناهون لذلك فطلع أحد الناس على السور فرآهم ممسوخين قردة تتوالب ، فصاح ، فدخلوا عليهم يعرف الرجل قرابته ويعرف القرد أيضاً كذلك قرابته ، وينضمون إلى قرابتهم فيتحسرون ، قال الزجاج : وقال قوم : يجوز أن تكون هذه القردة من نسلهم . قال القاضي أبو محمد : وتعلق هؤلاء بقول النبي صلى الله عليه وسلم : إن أمة من الأمم فقدت وما أراها إلا الفأر إذا قرب لها لبن لم تشرب ، وبقوله صلى الله عليه وسلم في الضب ، وقصص هذا الأمر أكثر من هذا لكن اختصرته واقتصرت على عيونه .