Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 4-7)
Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ كم } في موضع رفع بالابتداء والخبر { أهلكناها } ، ويصح أن يكون الخبر في قوله { فجاءها } و { أهلكناها } صفة ، ويصح أن تكون في موضع نصب بفعل مقدر بعدها تقديره وكم أهلكنا من قرية أهلكناها ، وقدر الفعل بعدها - وهي خبرية - تشبيهاً لها بالاستفهامية في أن لها في كل حال صدر الكلام ، وقالت فرقة المراد وكم من أهل قرية وحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقام المضاف ، وقالت فرقة إنما عبر بالقرية لأنها أعظم في العقوبة إذا هلك البشر وقريتهم ، وقد بين في آخر الآية بقوله { أوهم } أن البشر داخلون في الهلاك ، فالآية على هذا التأويل تتضمن هلاك القرية وأهلها جميعاً ، وعلى التأويل الأول تتضمن هلاك الأهل ولا معنى لذكر القرية ، والمراد بالآية التكثير ، وقرأ ابن أبي عبلة : " وكم من قرية أهلكناهم فجاءهم بأسنا " . وقوله { فجاءها } يقتضي ظاهره أن المجيء بعد الإهلاك ، وذلك مستحيل فلم يبق إلا أن يعدل على ظاهر هذا التعقيب فقيل الفاء قد تجيء بمنزلة الواو ولا تعطى رتبة . قال القاضي أبو محمد : وهذا ضعيف وقيل عبر عن إرادة الإهلاك بالإهلاك ، قال مكي في المشكل : مثل قوله { فإذا قرأت القرآن فاستعذ } [ النحل : 98 ] . قال القاضي أبو محمد : وهذا يحتج به في تأويل من قال الفاء في هذه الآية لتعقيب القول ، وقيل المعنى " أهلكناها " بالخذلان وقلة التوفيق فجاءها بأسنا بعد ذلك ، وقال الفراء وحكاه الطبري أن الإهلاك هو مجيء البأس ومجيء البأس هو الإهلاك فلما تلازما لم يبال أيهما قدم في الرتبة ، وقيل إن الفاء لترتيب القول فقط فكأنه أخبر عن قرى كثيرة أنه أهلكها ثم قال فكان من أمرها مجيء البأس . و { بياناً } نصب على المصدر في موضع الحال ، و { قائلون } من القائلة ، وإنما خص وقتي الدعة والسكون لأن مجيء العذاب فيهما أفظع وأهول لما فيه من البغت والفجأة ، و { أو } في هذا الموضع كما تقول : الناس في فلان صنفان حامد أو ذام ، فكأنه قال جاءهم بأسنا فرقتين بائتين أو قائلين ، وهذا هو الذي يسمى اللف ، وهو إجمال في اللفظ يفرقه ذهن المخاطب دون كلفة ، والبأس : العذاب ، وقيل : المراد أو وهم قائلون فكره اجتماع حرفي العطف فحذفت الواو وهذا تكلف لأن معنى اللف باق . وقوله تعالى : { فما كان دعواهم } الآية ، تبين في هذه الآية غاية البيان أن المراد في الآية قبلها أهل القرى ، والدعوى في كلام العرب لمعنيين ، أحدهما الدعاء قال الخليل : تقول اللهم أشركنا في صالح دعوى المسلمين ومنه قول عز وجل : { فما زالت تلك دعواهم } [ الأنبياء : 15 ] . ومنه قول الشاعر [ الطويل ] @ وإن مَذِلَتْ رجلي دعوتك أشتفي بدعواك من مذل بها فيهونُ @@ والثاني الادعاء ، فقال الطبري : هي في هذا الموضع بمعنى الدعاء . قال القاضي أبو محمد : ويتوجه أن يكون أيضاً بمعنى الادعاء ، لأن من ناله مكروه أو حزبه حادث فمن شأنه أن يدعو كما ذهب إليه المفسرون في فعل هؤلاء المذكورين في هذه الآية ، ومن شأنه أيضاً أن يدعي معاذير وأشياء تحسن حاله وتقيم حجته في زعمه ، فيتجه أن يكون هؤلاء بحال من يدعي معاذير ونحوها ، فأخبر الله عنهم أنهم لم تكن لهم دعوى ثم استثنى من غير الأول ، كأنه قال لم يكن دعاء أو ادعاء إلا الإقرار والاعتراف ، أي هذا كان بدل الدعاء أو الادعاء ، وتحتمل الآية أن يكون المعنى فما آلت دعواهم التي كانت في حال كفرهم إلا إلى اعتراف ، ونحو من الآية قول الشاعر : [ الفرزدق ] @ وقد شهدت قيس فما كان نصرها قتيبة إلا عضها بالأباهم @@ واعترافهم وقولهم { إنا كنا ظالمين } هو في المدة بين ظهور العذاب إلى إتيانه على أنفسهم ، وفي ذلك مهلة بحسب نوع العذاب تتسع لهذه المقالة وغيرها ، وروى ابن مسعود عن النبي عليه السلام أنه قال " ما هلك قوم حتى يعذروا من أنفسهم " وفسر عبد الملك بن ميسرة هذا الحديث بهذه الآية . و { دعواهم } خبر كان ، واسمها { إلا أن قالوا } وقيل بالعكس . وقوله تعالى : { فلنسئلن الذين أرسل إليهم } الآية وعيد من الله عز وجل لجميع العالم ، أخبر أنه يسأل الأمم أجمع عما بلغ إليهم عنه وعن جميع أعمالهم ويسأل النبيين عما بلغوا . قال القاضي أبو محمد : وقد نفي السؤال في آيات وذلك هو سؤال الاستفهام الحقيقي وقد أثبت في آيات كهذه الآية وهذا هو سؤال التقرير ، فإن الله قد أحاط علماً بكل ذلك قبل السؤال فأما الأنبياء والمؤمنون فيعقبهم جوابهم رحمة وكرامة ، وأما الكفار ومن نفذ عليه الوعيد من العصاة فيعقبهم جوابهم عذاباً وتوبيخاً ، فمن أنكر منهم قص عليه بعلم ، وقرأ ابن مسعود ابن عباس " فلنسألن الذين أرسلنا إليهم قبلك رسلنا ولنسألن المرسلين " . وقوله تعالى : { فلنقصن } أي فلنسردن عليهم أعمالهم قصة قصة ، { بعلم } أي بحقيقة ويقين ، قال ابن عباس : يوضع الكتاب يوم القيامة فيتكلم بما كانوا يعملون . قال القاضي أبو محمد : يشبه أن يكون الكلام هنا استعارة إذ كل شيء فيه مقيد ، { وما كنا غائبين } أي ما كنا من لا يعلم جميع تصرفاتهم كالغائب عن الشيء الذي لا يعرف له حالاً .