Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 72, Ayat: 16-22)

Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الضمير في قوله { استقاموا } قال أبو مجلز والفراء والربيع بن أنس وزيد ابن أسلم والضحاك بخلاف عنه : الضمير عائد على قوله { من أسلم } [ الجن : 14 ] ، و { الطريقة } طريقة الكفر ، لو كفر من أسلم من الناس { لأسقيناهم } إملاء لهم واستدراجاً . وقال قتادة وابن جبير وابن عباس ومجاهد الضمير عائد على " القاسطين " . والمعنى على طريقة الإسلام والحق لأنعمنا عليهم ، وهذا المعنى نحو قوله : { ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم } [ المائدة : 65 ] ، وقوله { لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم } [ المائدة : 66 ] . وهذا قول أبين لأن استعارة الاستقامة للكفر قلقة . وقرأ الأعمش وابن وثاب " وأن لوُ " بضم الواو . وقال أبو الفتح هذا تشبيه بواو الجماعة اشتروا الضلالة ، والماء الغدق : هو الماء الكثير . وقرأ جمهور الناس " غدَقاً " بفتح الدال ، وقرأ عاصم في رواية الأعشى عنه بكسرها . وقوله تعالى : { لنفتنهم } إن كان المسلمون فمعناه لنختبرهم ، وإن كان القاسطون فمعناه لنمتحنهم ونستدرجهم ، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : حيث يكون الماء فثم المال ، وحيث يكون المال فثم الفتنة ، ونزع بهذه الآية ، وقال الحسن وابن المسيب وجماعة من التابعين : كانت الصحابة سامعين مطيعين ، فلما فتحت كنوز كسرى وقيصر وثب بعثمان فقتل وثارت الفتن . و { يسلكه } معناه يدخله ، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي بفتح الياء أي " يسلكه " الله ، وقرأ بعض التابعين " يُسلكه " بضم الياء من أسلك وهما بمعنى ، وقرأ باقي السبعة " نسلكه " بنون العظمة ، وقرأ ابن جبير " نُسلِكه " بنون مضمومة ولام مكسورة . و { صعداً } معناه شاقاً ، تقول فلان في صعد من أمره أي في مشقة ، وهذا أمر يتصعدني ، وقال عمر : ما تصعدني شيء كما تصعدني خطبة النكاح ، وقال أبو سعيد الخدري وابن عباس : صعد جبل في النار ، وقرأ قوم " صُعُوداً " بضم الصاد والعين ، وقرأ الجمهور بفتح الصاد والعين ، وقرأ ابن عباس والحسن بضم الصاد وفتح العين ، وقال الحسن : معناه لا راحة فيه ، ومن فتح الألف من { أن المساجد لله } جعلها عطفاً على قوله { قل أوحي إلي أنه } [ الجن : 1 ] ، ذكره سيبويه ، و { المساجد } قيل أراد بها البيوت التي هي للعبادة والصلاة في كل ملة . وقال الحسن : أراد كل موضع سجد فيه كان مخصوصاً لذلك أو لم يكن ، إذ الأرض كلها مسجد لهذه الأمة . وروي أن هذه الآية نزلت بسبب تغلب قريش على الكعبة ، حينئذ فقيل لمحمد صلى الله عليه وسلم : المواضع كلها لله فاعبده حيث كان وقال ابن عطاء : { المساجد } : الآراب التي يسجد عليها ، واحدها مسجد بفتح الجيم ، وقال سعيد بن جبير : نزلت الآية لأن الجن قالت يا رسول الله : كيف نشهد الصلاة معك على نأينا عنك : فنزلت الآية يخاطبهم بها على معنى أن عبادتكم حيث كنتم مقبولة . وقال الخليل بن أحمد : معنى الآية ، ولأن { المساجد لله فلا تدعوا } أي لهذا السبب ، وكذلك عنده { لإيلاف قريش } [ قريش : 1 ] { فليعبدوا } [ قريش : 3 ] وكذلك عنده { وأن هذه أمتكم أمة } [ الأنبياء : 92 ، المؤمنون : 52 ] . و { المساجد } المخصوصة بينة التمكن في كونها لله تعالى فيصح أن تفرد للصلاة والدعاء وقراءة العلم ، وكل ما هو خالص لله تعالى ، وأن لا يتحدث بها في أمور الدنيا . ولا يتخذ طريقاً ، ولا يجعل فيها لغير الله نصيب ، ولقد قعدت للقضاء بين المسلمين في المسجد الجامع بالمرية مدة ، ثم رأيت فيه من سوء المتخاصمين وأيمانهم وفجور الخصام وعائلته ودخول النسوان ما رأيت تنزيه البيت عنه فقطعت القعود للأحكام فيه . وقوله عز وجل : { وأنه لما قام عبد الله } يحتمل أن يكون خطاباً من الله تعالى ، ويحتمل أن يكون إخباراً عن الجن ، وقرأ بعض القراء على ما تقدم " وأنه " بفتح الألف ، وهذا عطف على قوله { أنه استمع } [ الجن : 1 ] ، والعبد على هذه القراءة قال قوم : هو نوح ، والضمير في { كادوا } لكفار قومه ، وقال آخرون ، هو محمد ، والضمير في { كادوا } للجن . المعنى أنهم { كادوا } يتقصفون عليه لاستماع القرآن ، وقرأ آخرون منهم " وإنه لما قام " بكسر الألف ، والعبد محمد عليه السلام ، والضمير في { كادوا } يحتمل أن يكون للجن على المعنى الذي ذكرناه ، ويحتمل أن يكون لكفار قومه وللعرب في اجتماعهم على رد أمره ، ولا يتجه أن يكون العبد نوحاً إلا على تحامل في تأويل نسق الآية ، وقال ابن جبير : معنى الآية ، إنما قول الجن لقومهم يحكون ، والعبد محمد صلى الله عليه وسلم . والضمير في { كادوا } لأصحابه الذين يطوعون له ويقتدون به في الصلاة ، فهم عليه لبد . واللبد الجماعات شبهت بالشيء المتلبد بعضه فوق بعض ، ومنه قول عبد بن مناف بن ربع : [ البسيط ] @ صافوا بستة أبيات وأربعة حتى كأن عليهم جانياً لبدا @@ يريد الجراد سماه جانياً لأنه يجني كل شيء ، ويروى جابياً بالباء لأنه يجبي الأشياء بأكله ، وقرأ جمهور السبعة وابن عباس : " لِبداً " بكسر اللام جمع لِبدة ، وقال ابن عباس : أعواناً . وقرأ ابن عامر بخلاف عنه وابن مجاهد وابن محيصن : " لُبَداً " بضم اللام وتخفيف الباء المفتوحة وهو جمع أيضاً . وروي عن الجحدري : " لُبُدا " بضم اللام والباء . وقرأ أبو رجاء : " لِبداً " بكسر اللام ، وهو جمع لا بد فإن قدرنا الضمير للجن فتقصفهم عليه لاستماع الذكر ، وهذا تأويل الحسن وقتادة و { أدعو } معناه أعبده ، وقرأ جمهور السبعة وعلي بن أبي طالب : " قال إنما " ، وهذه قراءة تؤيد أن العبد نوح ، وقرأ عاصم وحمزة بخلاف عنه : " قال إنما " وهذه تؤيد بأنه محمد عليه السلام وإن كان الاحتمال باقياً من كليهما . واختلف القراء في فتح الياء من { ربي } وفي سكونها . ثم أمر تعالى محمداً نبيه عليه السلام بالتبري من القدرة وأنه لا يملك لأحد { ضراً ولا رشداً } ، بل الأمر كله لله . وقرأ الأعرج " رُشُداً " بضم الراء والشين ، وقرأ أبيّ بن كعب " لكم غياً ولا رشداً " . وقولهم { من دونه } أي من عند سواه . و " الملتحد " : الملجأ الذي يمال إليه ويُركَن ، ومنه الإلحاد الميل ، ومنه اللحد الذي يمال به إلى أحد شقي القبر .