Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 72, Ayat: 1-5)

Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قرأ جمهور الناس " قل أوحي إلي " من أوحى يوحي . وقرأ أبو أُناس جوية بن عائذ : " قل أوحى إلي " ، من وحى يحي ووحى وأوحى ، بمعنى واحد ، وقال العجاج : " وحى لها القرار فاستقرت " . وقرأ أيضاً جوية فيما روى عنه الكسائي ، " قل أحي " أبدلت الواو همزة كما أبدلوها في وسادة وإسادة ، وغير ذلك وكذلك قرأ ابن أبي عبلة ، وحكى الطبري عن عاصم أنه كان يكسر كل ألف في السورة من " أن " و " إن " إلا قوله تعالى : { وأن المساجد لله } [ الجن : 18 ] . وحكي عن أبي عمرو أنه يكسر من أولها إلى قوله { وإن لو استقاموا على الطريقة } [ الجن : 16 ] فإنه كان يفتح همزة وما بعدها إلى آخر السورة . فعلى ما حكي يلزم أن تكون الهمزة مكسورة في قوله " إنه استمع " ، وليس ما ذكر بثابت . وذكر أبو علي الفارسي أن ابن كثير وأبا عمرو فتحا أربعة أحرف من السورة وكسرا غير ذلك { أنه استمع } ، { وإن لو استقاموا } [ الجن : 16 ] ، { وإن المساجد } [ الجن : 18 ] ، { وإنه لما قام } [ الجن : 19 ] ، وأن نافعاً وعاصماً في رواية أبي بكر والمفضل وافقا في الثلاثة وكسرا { وإنه لما قام } [ الجن : 19 ] مع سائر ما في السورة . وذكر أن ابن عامر وحمزة والكسائي كانوا يقرأون كل ما في السورة بالفتح إلا ما جاء بعد قول أو فاء جزاء ، وكذلك حفص عن عاصم ، فترتب إجماع القراء على فتح الألف من { أنه استمع } و " أن لو استقاموا " " وأن المساجد " . وذكر الزهراوي عن علقمة أنه كان يفتح الألف في السورة كلها . واختلف الناس في الفتح من هذه الألفات وفي الكسر اختلافاً كثيراً يطول ذكره وحصره وتقصي معانيه . قال أبو حاتم : أما الفتح فعلى { أوحي } ، فهو كله في موضع رفع على ما لم يسم فاعله . وأما الكسر فحكاية وابتداء وبعد القول . وهؤلاء النفر من الجن هم الذين صادفوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ ببطن نخلة في صلاة الصبح وهو يريد عكاظ . وقد تقدم قصصهم في سورة الأحقاف في تفسير قوله تعالى : { وإذ صرفنا إليك نفراً من الجن } [ الأحقاف : 29 ] . وقول الجن : { إنا سمعنا } الآيات ، هو خطاب منهم لقومهم الذين ولوا إليهم منذرين ، و { قرآناً عجباً } معناه ذا عجب ، لأن العجب مصدر يقع من سامع القرآن لبراعته وفصاحته ومضمناته ، وليس نفس القرآن هو العجب . وقرأ جمهور الناس " إلى الرُّشْد " بضم الراء وسكون الشين . وقرأ عيسى الثقفي " إلى الرَّشَد " بفتح الراء والشين . وقرأ عيسى " إلى الرُّشد " ومن كسر الألف من قوله " وإنه تعالى " فعلى القطع ويعطف الجملة على قوله { إنا سمعنا } ، ومن فتح الألف من قوله " وأنه تعالى " اختلفوا في تأويل ذلك ، فقال بعضهم هي عطف على { إنه استمع } ، فيجيء على هذا قوله { تعالى } مما أمر أن يقول إنه أوحي إليه وليس يكون من كلام الجن ، وفي هذا قلق . وقال بعضهم بل هي عطف على الضمير في { به } فكأنه يقول فآمنا به وبأنه تعالى . وهذا القول ليس في المعنى ، لكن فيه من جهة النحو العطف على الضمير المخفوض دون إعادة الخافض وذلك لا يحسن . وقرأ جمهور الناس " جدُّ ربنا " بفتح الجيم وضم الدال وإضافته إلى الرب ، وقال جمهور المفسرين معناه عظمته . وروي عن أنس أنه قال : كان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران ، جد في أعيننا أي عظم . وقال أنس بن مالك والحسن : { جد ربنا } معناه ، فهذا هو من الجد الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم : " ولا ينفع ذا الجد منك الجد " ، وقال مجاهد : ذكره كله متجه لأن الجد هو حظ المجدود من الخيرات والأوصاف الجميلة ، فجد الله تعالى هو الحظ الأكمل من السلطان الباهر والصفات العلية والعظمة ، ومن هذا قول اليهودي حين قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة : " يا بني قيلة هذا جدكم الذي تنتظرون " أي حظكم من الخيرات وبختكم . وقال علي بن الحسين رضي الله عنه وأبو جعفر الباقر وابنه جعفر والربيع بن أنس ليس لله جد ، وهذه مقالة قوم جهلة من الجن ، جعلوا الله جداً أبا أب . قال كثير من المفسرين هذا قول ضعيف . وقوله : { ولن نشرك بربنا أحداً } يدفعه ، وكونهم فيما روي على شريعة متقدمة وفهمهم للقرآن . وقرأ محمد بن السميفع اليماني " جِد ربنا " وهو من الجد والنفع . وقرأ عكرمة " جَدٌّ ربُّنا " بفتح الجيم وضم الدال وتنوينه ورفع الرب كأنه يقول تعالى عظيم هو ربنا فـ " ربنا " بدل والجد العظيم في اللغة . وقرأ حميد بن قيس " جُد ربنا " بضم الجيم . ومعناه ربنا العظيم حكاه سيبويه وبإضافته إلى الرب فكأنه قال عظيم ، وهذه إضافة تجديد يوقع النحاة هذا الاسم إذا أضيفت الصفة إلى الموصوف ، كما تقول جاءني كريم زيد تريد زيداً الكريم ويجري مجرى هذا عند بعضهم . قول المتنبي [ البسيط ] @ عظيم الملك في المقل @@ أراد الملك العظيم قال بعض النحاة ، وهذا المثال يعترض بأنه أضاف إلى جنس فيه العظيم والحقير ، وقرأ عكرمة أيضاً " جَداً ربُّنا " بفتح الجيم والدال وتنوينها ورفع الرب ونصب " جداً " على التمييز كما تقول تفقأت شحماً وتصببت عرقاً ، وقرأ قتادة " جِداً ربُّنا " بكسر الجيم ورفع الباء وشد الدال ، فنصب جداً على الحال ومعناه تعالى حقيقة ومتمكناً . وهذا معنى غير الأول ، وقرأ أبو الدرداء " تعالى ذكر ربنا " ، وروي عنه " تعالى جلال ربنا " . وقوله تعالى : { وإنه كان يقول } لا خلاف أن هذا من قول الجن ، وكسر الألف فيه أبين وفتحها لا وجه له إلا اتباع العطف على الضمير . كأنهم قالوا الآن بأن { سفيهنا } كان قوله { شططاً } . والسفيه المذكور قال جميع المفسرين هو إبليس لعنه الله . وقال آخرون هو اسم جنس لكل سفيه منهم . ولا محالة أن إبليس صدر في السفهاء وهذا القول أحسن . والشطط : التعدي وتجاوز الحد بقول أو فعل ومنه قول الأعشى : [ البسيط ] @ أتنتهون ولا ينهى ذوي شطط كالطعن يذهب فيه الزيت والفتل @@ وقوله تعالى : { وإنا ظننا } هو كلام أولئك النفر لا يحتمل غير ذلك ، وكسر الألف فيه أبين . والمعنى : إنا كنا نظن قبل إيماننا أن الأقوال التي تسمع من إبليس وغواة الجن والإنس في جهة الآلهة وما يتعلق بذلك حق وليست بكذب ، لأنا كنا نظن بهم أنهم لا يكذبون على الله ولا يرضون ذلك . وقرأ جمهور الناس " تقول " . وقرأ الحسن والجحدري وابن أبي بكرة ويعقوب " تَقوَّلَ " بفتح القاف والواو وشد الواو ، والتقول خاص بالكذب ، والقول عام له وللصدق ، ولكن قولهم { كذباً } يرد القول هنا معنى التقول .