Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 78, Ayat: 24-37)
Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قال أبو عبيدة والكسائي والفضل بن خالد ومعاذ النحوي : " البرد " في هذه الآية : النوم ، والعرب تسمه بذلك لأنه يبرد سؤر العطش ، ومن كلامهم منع البرد البرد ، وقال جمهور الناس : " البرد " في الآية : مسر الهواء البارد وهو القر ، أي لا يمسهم منه ما يستلذ ويكسر غرب الحر ، فالذوق على هذين القولين مستعار ، وقال ابن عباس : " البرد " : الشراب المستلذ ، ومنه قول حسان بن ثابت : [ الكامل ] @ يسقون من ورد البريص عليهمُ بردى يصفق بالرحيق السلسل @@ ومنه قول الآخر : [ الطويل ] @ أماني من سعدى حسان كأنما سقتني بها سعدى على ظمأ بردا @@ ثم قال تعالى : { ولا شراباً إلا حميماً } فالاستثناء متصل و " الحميم " : الحار الذائب وأكثر استعماله في الماء السخن والعرق ومنه الحمام ، وقال ابن زيد : " الحميم " : دموع أعينهم ، وقال النقاش : ويقال " الحميم " الصفر المذاب المتناهي الحر ، واختلف الناس في " الغساق " ، فقال قتادة والنخعي وجماعة : هو ما يسيل من أجسام أهل النار من صديد ونحوه ، يقال : غسق الجرح : إذا سال منه قيح ودم ، وغسقت العين : إذا دمعت وإذا خرج قذاها ، وقال ابن عباس ومجاهد : " الغساق " : مشروب لهم مفرط الزمهرير ، كأنه في الطرف الثاني من الحميم يشوي الوجوه ببرده ، وقال عبد الله بن بريدة : " الغساق " : المنتن ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع وابن عامر وعاصم وجماعة من الجمهور : " غسَاقاً " ، بتخفيف السين وهو اسم على ما قدمناه ، وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم وابن أبي إسحاق السبيعي والحكم بن عتبة وقتادة وابن وثاب : " غسّاقاً " مشددة السين وهي صفة أقيمت مقام الموصوف ، كأنه قال ومشروب غساق أي سائل من أبدانهم ، وقوله تعالى : { وفاقاً } معناه لأعمالهم وكفرهم أي هو جزاؤهم الجدير بهم الموافق مع التحذير لأعمالهم فهي كفر ، و " الجزاء " : نار ، و { يرجون } قال أبو عبيدة وغيره : معناه : يخافون ، وقال غيره : الرجاء هنا على بابه ، ولا رجاء إلا وهو مقترن بخوف ولا خوف إلا وهو مقترن برجاء ، فذكر أحد القسمين لأن المقصد العبارة عن تكذيبهم كأنه قال : إنهم كانوا لا يصدقون بالحساب ، فلذلك لا يرجونه ولا يخافونه ، وقرأ جمهور الناس : " كِذّاباً " بشد الذال وكسر الكاف وهو مصدر بلغة بعض العرب ، وهي يمانية ومنه قول أحدهم وهو يستفتي : @ ألحلق أحب إليك أم القصار ؟ @@ ومنه قول الشاعر : [ الطويل ] @ لقد طال ما ثبطتني عن صحابتي وعن حاجة قضاؤها من شفائيا @@ وهذا عندهم مصدر من فعّل ، وقال الطبري : لم يختلف القراء في هذا الموضع في { كذاباً } . قال القاضي أبو محمد : وأراه أراد السبعة ، وأما في الشاذ ، فقرأ علي بن أبي طالب وعوف الأعرابي وعيسى والأعمش وأبو رجاء : " كِذَاباً " بكسر الكاف وبتخفيف الذال ، وقرأ عبد الله بن عمر بن عبد العزيز : " كُذّاباً " بضم الكاف وشد الذال على أنه جمع كاذب ونصبه على الحال قاله أبو حاتم ، وقوله تعالى : { وكل شيء أحصيناه } ، يريد كل شيء شأنه أن يحضر في هذا الخبر وربط لآخر القصة بأولها أي هم مكذبون وكافرون ، ونحن قد أحصينا ، فالقول لهم في الآخرة { ذوقوا فلن نزيدكم إلا عذاباً } رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولما ذكر تعالى أمر أهل النار عقب بذكر أهل الجنة ليبين الفرق . و " المفاز " : موضع الفوز لأنهم زحزحوا على النار وأدخلوا الجنة . و " الحدائق " : البساتين التي عليها حلق وجدارات وحظائر . و { أتراباً } معناه : على سن واحدة ، والتربان هما اللذان مسا التراب في وقت واحد ، و " الدهاق " : المترعة فيما قال الجمهور ، وقال ابن جبير معناه : المتتابعة وهي من الدهق ، وقال عكرمة : هي الصفية ، وفي البخاري قال ابن عباس : سمعت أبي في الجاهلية يقول للساقي : اسقنا كأساً دهاقاً ، و " اللغو " : سقط الكلام وهو ضروب ، وقد تقدم القول في { كذاباً } إلا أن الكسائي من السبعة قرأ في هذا الموضع " كذَاباً " بالتخفيف وهو مصدر ، ومنه قول الأعشى : [ مجزوء الكامل ] @ فصدقتها وكذبتها والمرء ينفعه كذابه @@ واختلف المتألون : في قوله : { حساباً } ، فقال جمهور المفسرين واللغويين معناه : محسباً ، كافياً في قولهم أحسبني هذا الأمر أي كفاني ، ومنه حسبي الله ، وقال مجاهد معناه : إن { حساباً } معناه بتقسط على الأعمال لأن نفس دخول الجنة برحمة الله وتفضله لا بعمل ، والدرجات فيها والنعيم على قدر الأعمال ، فإذا ضاعف الله لقوم حسناتهم بسبعمائة مثلاً ومنهم المكثر من الأعمال والمقل أخذ كل واحد سبعمائة بحسب عمله وكذلك في كل تضعيف ، فالحساب ها هو موازنة أعمال القوم . وقرأ الجمهور " حِسَاباً " : بكسر الحاء وتخفيف السين المفتوحة ، وقرأ ابن قطب " حَسّاباً " : بفتح الحاء وشد الشين . قال أبو الفتح جاء بالاسم من أفعل على فعال ، كما قالوا أدرك فهو : دراك ، فقرأ ابن عباس وسراج : " عطاء حسناً " بالنون من الحسن وحكى عنه المهدوي أنه قرأ " حَسْباً " بفتح الحاء وسكون السين والباء ، وقرأ شريح بن يزيد الحمصي : " حِسَّاباً " بكسر الحاء وشد السين المفتوحة ، وقرأ نافع وأبو عمرو والأعرج وأبو جعفر وشيبة وأهل الحرمين : " ربُّ " بالرفع ، وكذلك " الرحمنُ " ، وقرأ ابن عامر وعاصم وابن مسعود وابن أبي إسحاق وابن محيصن والأعمش " رب " وكذلك " الرحمن " وقرأ حمزة والكسائي " ربِّ " : بالخفض و " الرحمنُ " بالرفع وهي قراءة الحسين وابن وثاب وابن محيصن بخلاف عنه ووجوه هذه القراءات بينة ، وقوله تعالى : { لا يملكون } الضمير للكفار أي { لا يملكون } من أفضاله وأجماله أن يخاطبوه بمعذرة ولا غيرها ، وهذا في موطن خاص .