Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 48-49)

Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

التقدير واذكروا إذ ، والضمير في { لهم } عائد على الكفار ، و { الشيطان } إبليس نفسه ، وحكى المهدوي وغيره أن التزيين في هذه الآية وما بعده من الأقوال هو بالوسوسة والمحادثة في النفوس . قال القاضي أبو محمد : ويضعف هذا القول أن قوله { وإني جار لكم } ليس مما يلقى بالوسوسة ، وقال الجمهور في ذلك بما روي وتظاهر أن إبليس جاء كفار قريش ففي السير لابن هشام أنه جاءهم بمكة ، وفي غيرها أنه جاءهم وهم في طريقهم إلى بدر ، وقد لحقهم خوف من بني بكر وكنانة لحروب كانت بينهم ، فجاءهم إبليس في صورة سراقة بن مالك بن جعشم وهو سيد من ساداتهم ، فقال لهم " إني جار لكم " ولن تخافوا من قومي وهم لكم أعوان على مقصدكم ولن يغلبكم أحد ، فسروا عند ذلك ومضوا لطيتهم وقال لهم أنتم تقاتلون عن دين الآباء ولن تعدموا نصراً . فروي أنه لما التقى الجمعان كانت يده في يد الحارث بن هشام ، فلما رأى الملائكة نكص فقال له الحارث أتفر يا سراقة فلم يلو عليه ، ويروى أنه قال له ما تضمنت الآية . وروي أن عمرو بن وهب أو الحارث بن هشام قال له أين سراقة ؟ فلم يلو ومثل عدو الله فذهب ووقعت الهزيمة ، فتحدث أن سراقة فر بالناس ، فبلغ ذلك سراقة بن مالك ، فأتى مكة فقال لهم : والله ما علمت بشيء من أمركم حتى بلغتني هزيمتكم ولا رأيتكم ولا كنت معكم ، وحكى الطبري عن ابن عباس أنه قال : جاء إبليس يوم بدر في جند من الشياطين معه رأيته في صورة رجل من بني مدلج ، فقال { لا غالب لكم اليوم } الآية ، و { اليوم } ظرف ، والعمل فيه معنى نفي الغلبة ، ويحتمل أن يكون العامل متعلق { لكم } وممتنع أن يعمل { غالب } لأنه كان يلزم أن يكون لا غالباً ، وقوله { إني جار لكم } معناه فأنتم في ذمتي وحماي ، و { وتراءت } تفاعلت من الرؤية أي رأى هؤلاء هؤلاء ، وقرأ الأعمش وعيسى بن عمر " ترأت " مقصورة ، وحكى أبو حاتم عن الأعمش أنه أمال والراء مرققة ثم رجع عن ذلك ، وقوله { نكص على عقيبه } معناه رجع من حيث جاء ، وأصل النكوص في اللغة الرجوع القهقرى ، وقال زهير : @ هم يضربون حبيك البيض إذ لحقوا لا ينكصون إذا ما استلحموا وحموا @@ كذا أنشد الطبري ، وفي رواية الأصمعي إذا ما استلأموا وبذلك فسر الطبري هذه الآية ، وفي ذلك بعد ، وإنما رجوعه في هذه الآية مشبه بالنكوص الحقيقي ، وقال اللغويون : النكوص ، الإحجام عن الشيء ، يقال أراد أمراً ثم نكص عنه ، وقال تأبَّطَ شرّاً : [ البسيط ] @ ليس النكوصُ على الأدبار مكرمةً إن المكارم إقدامٌ علىالأسَل @@ قال القاضي أبو محمد : فليس هنا قهقرى بل هو فرار ، وقال مؤرج : نكص هي رجع بلغة سليم . قال القاضي أبو محمد : وقوله { على عقبيه } يبين أنه إنما أراد الانهزام والرجوع في ضد إقباله ، وقوله { إني بريء منكم } هو خذلانه لهم وانفصاله عنهم ، وقوله { إني أرى ما لا ترون } يريد الملائكة وهو الخبيث إنما شرط أن لا غالب من الناس فلما رأى الملائكة وخرق العادة خاف وفرَّ ، وفي الموطأ وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما ريء الشيطان في يوم أقل ولا أحقر ولا أصغر منه في يوم عرفة ، لما يرى من نزول الرحمة إلا ما رأى يوم بدر ، قيل وما رأى يا رسول الله ؟ قال : رأى الملائكة يزعمها جبريل " . وقال الحسن : رأى إبليس جبريل يقود فرسه بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو معتجر ببردة وفي يده اللجام ، وقوله { إني أخاف الله } قيل إن هذه معذرة منه كاذبة ولم تلحقه قط مخافة ، قاله قتادة وابن الكلبي ، وقال الزجّاج وغيره : بل خاف مما رأى من الأمر وهوله وأنه يومه الذي أنظر إليه ، ويقوي هذا أنه رأى خرق العادة ونزول الملائكة للحرب ، وحكى الطبري بسنده أنه لما انهزم المشركون يوم بدر حين رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبضة من التراب وجوه الكفار أقبل جبريل صلى الله عليه وسلم إلى إبليس ، فلما رآه إبليس وكانت يده في يد رجل من المشركين انتزع يده ثم ولى مدبراً ، فقال له الرجل أي سراقة تزعم أنك لنا جار ؟ فقال { إني أرى ما لا ترون } الآية ، ثم ذهب ، وقوله تعالى : { إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض } الآية ، العامل في { إذ } { زين } أو { نكص } لأن ذلك الموقف كان ظرفاً لهذه الأمور كلها ، وقال المفسرون إن هؤلاء الموصوفين بالنفاق ومرض القلوب إنما هم من أهل عسكر الكفار لما أشرفوا على المسلمين ورأوا قلتهم وقلة عددهم ، قالوا مشيرين إلى المسلمين { غرَّ هؤلاء دينهم } أي اغتروا فأدخلوا نفوسهم فيما لا طاقة لهم به . قال القاضي أبو محمد : والنفاق أخص من مرض القلب لأن مرض القلب مطلق على الكافر وعلى من اعترضته شبهة وعلى من بينهما ، وكني بالقلوب عن الاعتقادات إذ القلوب محلها ، وروي في نحو هذا التأويل عن الشعبي أن قوماً ممن كان الإسلام داخل قلوبهم خرجوا مع المشركين إلى بدر ، منهم من أكره ومنهم من داجى وداهن ، فلما أشرفوا على المسلمين ورأوا قلتهم ارتابوا واعتقدوا أنهم مغلوبون ، فقالوا { غر هؤلاء دينهم } ، قال مجاهد : منهم قيس بن الوليد بن المغيرة وأبو قيس بن الفاكه بن المغيرة ، والحارث بن زمعة بن الأسود ، وعلي بن أمية بن خلف ، والعاصي بن أمية . قال القاضي أبو محمد : ولم يذكر أحد ممن شهد بدراً بنفاق إلا ما ظهر بعد ذلك من معتب بن قشير أخي بني عمرو بن عوف ، فإنه القائل يوم أحد { لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ها هنا } [ آل عمران : 154 ] وقد يحتمل أن يكون منافقو المدينة لما وصلهم خروج قريش في قوة عظيمة قالوا عن المسلمين هذه المقالة ، فأخبر الله بها نبيه في هذه الآية ، ثم أخبر الله عز وجل بأن من توكل على الله واستند إليه ، فإن عزة الله تعالى وحكمته كفيلة بنصره وشد أعضاده ، وخرجت العبارة عن هذا المعنى بأوجز لفظ وأبلغه .