Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 67-69)
Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذه الآية تتضمن عندي معاتبة من الله عز وجل لأصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم ، والمعنى ما كان ينبغي لكم أن تفعلوا هذا الفعل الذي أوجب أن يكون للنبي أسرى قبل الإثخان ، ولهم هو الإخبار ولذلك استمر الخطاب بـ { تريدون } ، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر باستبقاء الرجال وقت الحرب ولا أراد قط عرض الدنيا ، وإنما فعله جمهور مباشري الحرب ، وجاء ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في الآية مشيراً إلى النبي صلى الله عليه وسلم في العتب حين لم ينه عن ذلك حين رآه من العريش ، وأنكره سعد بن معاذ ولكنه صلى الله عليه وسلم شغله بغت الأمر وظهور النصر فترك النهي عن الاستبقاء ولذلك بكى هو وأبو بكر حين نزلت هذه الآية ، ومر كثير من المفسرين على أن هذا التوبيخ إنما كان بسبب إشارة من أشار على النبي صلى الله عليه وسلم بأخذ الفدية ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما جمع أسرى بدر استشار فيهم أصحابه ، فقال أبو بكر الصديق يا رسول الله هم قرابتك ولعل الله أن يهديهم بعد إلى الإسلام ففادهم واستبقهم ويتقوى المسلمون بأموالهم ، وقال عمر بن الخطاب لا يا رسول الله بل نضرب أعناقهم فإنهم أئمة الكفر ، وقال عبد الله بن رواحة بل نجعلهم في وادٍ كثير الحطب ثم نضرمه عليهم ناراً ، وقد كان سعد بن معاذ قال وهو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في العريش وقد رأى الأسر لقد كان الإثخان في القتل أحب إليَّ من استبقاء الرجال ، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول أبي بكر ومال إليه ، فنزلت هذه الآية مخبرة أن الأولى والأهيب على سائر الكفار كان قتل أسرى بدر ، قال ابن عباس نزلت هذه الآية والمسلمون قليل ، فلما كثروا واشتد سلطانهم نزل في الأسر { فإما منّاً بعد وإما فداء } [ محمد : 47 ] وذكر الطبري وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تكلم أصحابه في الأسرى بما ذكر دخل ولم يجبهم ثم خرج ، فقال : إن الله تعالى يلين قلوب رجال ويشدد قلوب رجال حتى تكون أشد من الحجارة ، وإن مثلك يا أبا بكر مثل إبراهيم قال { فمن يتبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم } [ إبراهيم : 36 ] ومثل عيسى قال : { إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم } [ المائدة : 118 ] ومثلك يا عمر مثل نوح قال : { رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً } [ نوح : 26 ] ومثل موسى قال : { ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم } [ يونس : 88 ] ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، " أنتم اليوم فلا يفلتن منهم رجل إلا بفدية أو ضرب عنق " وفي هذا الحديث قال عمر : فهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر ولم يهو ما قلت . قال القاضي أبو محمد : وهذه حجة على ذكر الهوى في الصلاح ، وقرأت فرقة " ما كان للنبيّ " معرفاً ، وقرأ جمهور الناس " لنبي " ، وقرأ أبو عمرو بن العلاء وحده " أن تكون " على التأنيث العلامة مراعاة للفظ الأسرى ، وقرأ باقي السبعة وجمهور الناس " أن يكون " بتذكير العلامة مراعاة لمعنى الأسرى ، وقرأ جمهور الناس والسبعة " أسرى " ، وقرأ بعض الناس " أسارى " ورواها المفضل عن عاصم ، وهي قراءة أبي جعفر ، والقياس والباب أن يجمع أسير على أسرى ، وكذلك كل فعيل بمعنى مفعول وشبه به فعيل وإن لم يكن بمعنى مفعول كمريض ومرضى ، إذا كانت أيضاً أشياء سبيل الإنسان أن يجبر عليها وتأتيه غلبة ، فهو فيها بمنزلة المفعول ، وأما جمعه على أسارى فشبيه بكسالى في جمع كسلان وجمع أيضاً كسلان على كسلى تشبيهاً بأسرى في جمع أسير ، قاله سيبويه : وهما شاذان ، وقال الزجّاج : أسارى جمع أسرى فهو جمع الجمع ، وقرأ جمهور الناس " يثْخن " بسكون الثاء ، وقرأ أبو جعفر ويحيى بن يعمر ويحيى بن وثاب " يَثخّن " بفتح الثاء وشد الخاء ، ومعناه في الوجهين يبالغ في القتل ، والإثخان إنما يكون في القتل والجارحة وما كان منها ، ثم أمر مخاطبة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال { تريدون عرض الدنيا } أي مالها الذي يعن ويعرض ، والمراد ما أخذ من الأسرى من الأموال ، { والله يريد الآخرة } أي عمل الآخرة فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه ، وقرأ ابن جماز " الآخرةِ " بالخفض على تقدير المضاف ، وينظر ذلك لقول الشاعر : [ المتقارب ] @ أكل امرىء تحسبين امرأً ونار توقّدُ بالليلِ نارا @@ على تقدير وكل نار ، وذكر الطبري وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للناس : " إن شئتم أخذتم فداء الأسرى ويقتل منكم في الحرب سبعون على عددهم ، وإن شئتم قتلوا وسلمتم " فقالوا نأخذ المال ويستشهد منا سبعون ، وذكر عبد بن حميد بسنده أن جبريل نزل على النبي صلى الله عليه وسلم بتخيير الناس هكذا . قال القاضي أبو محمد : وعلى الروايتين فالأمر في هذا التخيير من عند الله فإنه إعلام بغيب ، وإذا خيروا فكيف يقع التوبيخ بعد بقوله تعالى : { لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم } والذي أقول في هذا إن العتب لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بقوله { ما كان لنبي } إلى قوله { عظيم } إنما هو على استبقاء الرجال وقت الهزيمة رغبة في أخذ المال منهم وجميع العتب إذا نظر فإنما هو للناس ، وهناك كان عمر يقتل ويحض على القتل ولا يرى الاستبقاء ، وحينئذ قال سعد بن معاذ : الإثخان أحب إليَّ من استبقاء الرجال ، وبذلك جعلهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ناجيين من عذاب أن لو نزل ، ومما يدل على حرص بعضهم على المال قول المقداد حين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل عقبة بن أبي معيط : أسيري يا رسول الله ، وقول مصعب أين عمير للذي يأسر أخاه شد يدك عليه فإن له أماً موسرة إلى غير ذلك من قصصهم ، فلما تحصل الأسرى وسيقوا إلى المدينة وأنفذ رسول الله صلى الله عليه وسلم القتل في النضر وعقبة والمنّ في أبي عزة وغيره ، وجعل يرتئي في سائرهم نزل التخيير من الله تعالى فاستشار رسول الله صلى الله عليه وسلم حينئذ ، فمر عمر رضي الله عنه على أول رأيه في القتل ، ورأى أبو بكر رضي الله عنه المصلحة في قوة المسلمين بمال الفداء ، ومال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رأي أبي بكر ، وكلا الرأيين اجتهاد بعد تخيير ، فلم ينزل على شيء من هذا عتب ، وذكر المفسرون أن الآية نزلت بسبب هذه المشورة والآراء ، وذلك معترض بما ذكرته ، وكذلك ذكروا في هذه الآيات تحليل المغانم لهذه الأمة ولا أقول ذلك ، لأن حكم الله تعالى بتحليل المغنم لهذه الأمة قد كان تقدم قبل بدر وذلك في السرية التي قتل فيها عمرو بن الحضرمي وإنما المبتدع في بدر استبقاء الرجال لأجل المال ، والذي منَّ الله به فيها إلحاق فدية الكافر بالمغانم التي قد تقدم تحليلها ، ووجه ما قال المفسرون أن الناس خيروا في أمرين ، أحدهما غير جيد على جهة الاختبار لهم ، فاختاروا المفضول فوقع العتب ، ولم يكن تخييراً في مستويين ، وهذا كما أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء بإناءين فاختار الفاضل ، و { عزيز حكيم } صفتان من قبل الآية لأن بالعزة والحكمة يتم مراده على الكمال والتوفية ، وقال أبو عمرو بن العلاء : الأسرى هم غير الموثقين عندما يؤخذون ، والأسارة هم الموثقون ربطاً . قال القاضي أبو محمد : وحكى أبو حاتم أنه سمع هذا من العرب ، وقد ذكره أيضاً أبو الحسن الأخفش ، وقال : العرب لا تعرف هذا وكلاهما عندهم سواء ، وقوله تعالى : { لولا كتاب من الله سبق } الآية ، قالت فرقة : الكتاب السابق هو القرآن ، والمعنى لولا الكتاب الذي سبق فآمنتم به وصدقتم لمسكم العذاب لأخذكم هذه المفاداة ، وقال سعيد بن جبير ومجاهد والحسن أيضاً وابن زيد : الكتاب السابق هو مغفرة الله لأهل بدر ما تقدم من ذنوبهم أو تأخر ، وقال الحسن وابن عباس وأبو هريرة وغيرهم : الكتاب هو ما كان الله قضاه في الأزل من إحلال الغنائم والفداء لمحمد صلى الله عليه وسلم وأمته وكانت في سائر الأمم محرمة ، وقالت فرقة : الكتاب السابق هو عفو الله عنهم في هذا الذنب معيناً ، وقالت فرقة : الكتاب هو أن الله عز وجل قضى أن لا يعاقب أحداً بذنب أتاه بجهالة ، وهذا قول ضعيف تعارضه مواضع من الشريعة ، وذكر الطبري عن محمد بن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب أن الكتاب السابق هو أن لا يعذب أحداً بذنب إلا بعد النهي عنه ولم يكونوا نهو بعد ، وقالت فرقة : الكتاب السابق هو ما قضاه الله من محو الصغائر باجتناب الكبائر ، وذهب الطبري إلى دخول هذه المعاني كلها تحت اللفظ وأنه يعمها ، ونكب عن تخصيص معنى دون معنى ، واللام في { لمسكم } جواب { لولا } ، و { كتاب } رفع بالابتداء والخبر محذوف ، وهكذا حال الاسم الذي بعد لولا ، وتقديره عند سيبويه لولا كتاب سابق من الله تدارككم ، وما من قوله { فيما } يراد بها إما الأسرى وإما الفداء ، وهي موصولة ، وفي { أخذتم } ضمير عائد عليها ، ويحتمل أن تكون مصدرية فلا تحتاج إلى العائد ، وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لو نزل في هذا الأمر عذاب لنجا منه عمر بن الخطاب ، وفي حديث آخر وسعد بن معاذ ، وذلك أن رأيهما كان أن يقتل الأسرى ، وقوله تعالى : { فكلوا مما غنمتم } الآية ، نص على إباحة المال الذي أخذ من الأسرى وإلحاق له بالغنيمة التي كان تقدم تحليلها ، قوله { حلالاً طيباً } حال في قوله ، ويصح أن يكونا من الضمير الذي في { غنمتم } ويحتمل أن يكون { حلالاً } مفعولاً بـ " كلوا " ، { واتقوا الله } معناه في التشرع حسب إرادة البشر وشهوته في نازلة ، أخرى ، وجاء قوله { واتقوا الله } اعتراضاً فصيحاً في أثناء الكلام ، لأن قوله { إن الله غفور رحيم } هو متصل بالمعنى بقوله { فكلوا مما غنمتم حلالاً طيباً } .