Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 86, Ayat: 1-10)
Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
أقسم الله تعالى بـ { السماء } المعروفة في قول جمهور المتأولين ، وقال قوم : { السماء } هنا ، المطر ، والعرب تسميه سماء ، لما كان من السماء ، وتسمي السحاب سماء ، ومن ذلك قول الشاعر [ جرير ] : [ الوافر ] @ إذا نزل السماء بأرض قوم رعيناه وإن كانوا غضابا @@ وقول النابغة : [ الكامل ] @ كالأقحوان غداة غب سمائه @@ { والطارق } الذي يأتي ليلاً ، وهو اسم جنس لكل ما يظهر ويأتي ليلاً ، ومنه نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس من أسفارهم أن يأتي الرجل أهله طروقاً ، ومنه طروق الخيال ، وقال الشاعر : [ البسيط ] @ يا نائم الليل مغتراً بأوله إن الحوادث قد تطرقن أسحاراً @@ ثم بين الله تعالى الجنس المذكور بأنه { النجم الثاقب } ، وقيل بل معنى الآية : { والسماء } وجميع ما يطرق فيها من الأمور والمخلوقات ، ثم ذكر تعالى بعد ذلك على جهة التنبيه أجل الطارقات قدراً وهو { النجم الثاقب } ، فكأنه قال : { وما أدراك ما الطارق } ، وحق الطارق ، واختلف المتأولون في { النجم الثاقب } ، فقال الحسن بن أبي الحسن ما معناه : إنه اسم للجنس ، لأنها كلها ثاقبة ، أي ظاهرة الضوء ، يقال ثقب النجم إذا أضاء ، وثقبت النار ، كذلك ، وثقبت الرائحة إذا سطعت ، ويقال للموقد اثقب نارك ، أي اضئها ، وقال ابن زيد : أراد نجماً مخصوصاً : وهو زحل ، ووصفه بالثقوب ، لأنه مبرز على الكواكب في ذلك ، وقال ابن عباس : أراد الجدي ، وقال بعض هؤلاء يقال : ثقب النجم ، إذا ارتفع فإنما وصف زحلاً بالثقوب لأنه أرفع الكواكب مكاناً . وقال ابن زيد وغيره : { النجم الثاقب } : الثريا ، وهو الذي يطلق عليه اسم النجم معرفاً ، وجواب القسم في قوله : { إن كل نفس } الآية ، وقرأ جمهور الناس : " لما " مخففة الميم ، قال الحذاق من النحويين وهم البصريون : مخففة من الثقيلة ، واللام : لام التأكيد الداخلة على الخبر ، وقال الكوفيون : { إن } ، بمعنى : ما النافية ، واللام بمعنى : إلا ، فالتقدير ما كان نفس إلا { عليها حافظ } ، وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي والحسن والأعرج وأبو عمرو ونافع بخلاف عنهما وقتادة : " لمّا " بتشديد الميم ، وقال أبو الحسن الأخفش : " لمّا " بمعنى : إلا ، لغة مشهورة في هذيل وغيرهم ، يقال : أقسمت عليك لمّا فعلت كذا ، أي إلا فعلت كذا ، ومعنى هذه الآية فيما قال قتادة وابن سيرين وغيرهما : إن كل نفس مكلفة فعليها حافظ يحصي أعمالها ويعدها للجزاء عليها ، وبهذا الوجه تدخل الآية في الوعيد الزاجر ، وقال الفراء ، المعنى : { عليها حافظ } يحفظها حتى يسلمها إلى القدر ، وهذا قول فاسد المعنى لأن مدة الحفظ إنما هي بقدر ، وقال أبو أمامة : قال النبي صلى الله عليه وسلم في تفسير هذه الآية " إن لكل نفس حفظة من الله تعالى يذبون عنها كما يذب عن العسل ، ولو وكل المرء إلى نفسه طرفة عين لاختطفته الطير والشياطين ، " وقوله تعالى : { فلينظر الإنسان مم خلق } ، توقيف لمنكري البعث على أصل الخلقة ، أي أن البعث جائز ممكن ، ثم بادر اللفظ إلى الجواب اقتضاباً وإسراعاً إلى إقامة الحجة ، إذ لا جواب لأحد إلا هذا ، و { دافق } ، قال كثير : هو بمعنى : مدفوق ، وقال الخليل وسيبويه : هو على النسب أي ذي دفق ، والدفق : دفق الماء بعضه إلى بعض ، تدفق الوادي والسيل ، إذا جاء يركب بعضه بعضاً ، ويصح أن يكون الماء دافقاً ، لأن بعضه يدفع بعضاً ، فمنه { دافق } ومنه مدفوق . وقوله تعالى : { يخرج من بين الصلب والترائب } ، قال قتادة والحسن وغيره : معناه من بين صلب كل واحد من الرجل والمرأة وترائبه ، وقال سفيان وقتادة أيضاً وجماعة : من بين صلب الرجل وترائب المرأة ، والضمير في { يخرج } يحتمل أن يكون للإنسان ، ويحتمل أن يكون للماء ، وقرأ الجمهور : " الصلب " ، وقرأ أهل مكة وعيسى : " الصلُب " بضم اللام على الجميع ، والتريبة من الإنسان : ما بين الترقوة إلى الثدي ، وقال أبو عبيدة ، معلق الحلي على الصدر ، وجمع ذلك : ترائب ومنه قول الشاعر [ المثقب العبدي ] : [ الوافر ] @ ومن ذهب يسن على تريب كلوان العاج ليس بذي غضون @@ وقال امرؤ القيس : [ الطويل ] @ ترائبها مصقولة كالسجنجل @@ فجمع التريبة وما حولها فجعل ذلك ترائب ، وقال مكي عن ابن عباس : إن الترب أطراف المرء ورجلاه ويداه وعيناه ، وقال معمر : { الترائب } ، جمع تريبة ، وهي عصارة القلب ، ومنه يكون الولد ، وفي هذه الأقوال تحكم على اللغة ، وقال ابن عباس : { الترائب } موضع القلادة ، وقال أيضاً : هي ما بين ثدي المرأة ، وقال ابن جبير : هي أضلاع الرجل التي أسفل الصلب ، وقال مجاهد : هي الصدر ، وقال هي التراقي ، وقيل هي ما بين المنكبين والصدر . وقوله تعالى : { إنه على رجعه لقادر } الضمير في { إنه } لله تعالى ، واختلف المفسرون في الضمير في { رجعه } : فقال قتادة وابن عباس : هو على { الإنسان } أي على رده حياً بعد موته ، وقال الضحاك : هو عائد على { الإنسان } لكن المعنى يرجعه ماء كما كان أولاً ، وقال الضحاك أيضاً : يرد من الكبر إلى الشباب ، وقال عكرمة ومجاهد : هو عائد على الماء ، أي يرده في الإحليل ، وقيل في الصلب ، والعامل في { يوم } على هذين القولين الأخيرين فعل مضمر تقديره اذكر { يوم تبلى السرائر } ، وعلى القول الأول ، وهو أظهر الأقوال وأبينها ، اختلفوا في العامل في { يوم } ، فقيل : العامل { ناصر } ، من قوله تعالى : { ولا ناصر } ، وقيل العامل الرجع في قوله تعالى : { على رجعه } ، قالوا وفي المصدر من القوة بحيث يعمل وإن حال خبر ان بينه وبين معموله ، وقال الحذاق العامل فعل مضمر تقديره : { إنه على رجعه لقادر } ، فرجعه { يوم تبلى السرائر } ، وكل هذه الفرق فسرت من أن يكون العامل " قادر " ، لأن ذلك يظهر منه تخصيص القدرة في ذلك اليوم وحده ، وإذا تؤمل المعنى وما يقتضيه فصيح كلام العرب ، جاز أن يكون العامل " قادر " ، وذلك أنه قال : { إنه على رجعه لقادر } ، أي على الإطلاق أولاً وآخراً وفي كل وقت ، ثم ذكر تعالى وخصص من الأوقات الوقت الأهم على الكفار لأنه وقت الجزاء والوصل إلى العذاب ليجتمع الناس إلى حذره والخوف منه ، و { تبلى السرائر } معناه : تختبر وتكشف بواطنها ، وروى أبو الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم : أن { السرائر } التي يبتليها الله تعالى من العباد : التوحيد والصلاة والزكاة والغسل من الجنابة . قال القاضي أبو محمد : هذه عظم الأمر ، وقال قتادة : الوجه في الآية ، العموم في جميع السرائر ، وليس يمتنع في الدنيا من المكاره إلا بأحد الوجهين : إما بقوة في ذات الإنسان ، وإما بناصر خارج عن ذاته ، فأخبره الله تعالى عن الإنسان أنه يعدمها يوم القيامة ، فلا يعصمه من أمر الله شيء .