Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 122-123)

Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قالت فرقة : سبب هذه الآية أن المؤمنين الذين كانوا بالبادية سكاناً ومبعوثين لتعليم الشرع لما سمعوا قول الله عز وجل : { ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب } [ الكهف : 62 ] أهمهم ذلك فنفروا إلى المدينة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خشية أن يكونوا مذنبين في التخلف عن الغزو فنزلت هذه الآية في نفرهم ذلك ، وقالت فرقة : سبب هذه الآية أن المنافقين لما نزلت الآيات في المتخلفين قالوا هلك أهل البوادي فنزلت هذه الآية مقيمة لعذر أهل البوادي . قال القاضي أبو محمد : فيجيء قوله تعالى : { ما كان لأهل المدينة ومن حولهم } [ الكهف : 62 ] عموم في اللفظ والمراد به في المعنى الجمهور والأكثر ، وتجيء هذه الآية مبينة لذلك مطردة الألفاظ متصلة المعنى من قوله تعالى : { ما كان لأهل المدينة } إلى قوله { يحذرون } بين في آخر الآية العموم الذي في أولها إذ هو معرض أن يتأول فيه ألا يتخلف بشر ، و " التفقه " هو من النافرين ، و " الإنذار " هو منهم ، والضمير في { رجعوا } لهم أيضاً ، وقالت فرقة : هذه الآية ليست في معنى الغزو وإنما سببها أن قبائل من العرب لما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على مضر بالسنين أصابتهم مجاعة وشدة ، فنفروا إلى المدينة لمعنى المعاش فكادوا أن يفسدوها ، وكان أكثرهم غير صحيح الإيمان وإنما أضرعه الجوع فنزلت الآية في ذلك ، فقال وما كان من صفته الإيمان لينفر مثل هذا النفر أي ليس هؤلاء المؤمنين ، وقال ابن عباس ما معناه : إن هذه الآية مختصة بالبعوث والسرايا ، والآية المتقدمة ثابتة الحكم مع خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغزو ، وهذه ثابتة الحكم مع تخلفه أي يجب إذا تخلف ألا ينفر الناس كافة فيبقى هو منفرداً وإنما ينبغي أن تنفر طائفة وتبقى طائفة لتتفقه هذه الباقية في الدين ، وينذروا النافرين إذا رجع النافرون إليهم ، وقالت فرقة : هذه الآية ناسخة لكل ما ورد من إلزام الكافة النفير والقتال ، والضمير في قوله { ليتفقهوا } عائد أيضاً على هذا التأويل على الطائفة المتخلفة مع النبي صلى عليه وسلم ، وهو القول الأول في ترتيبنا هذا عائد على الطائفة النافرة ، وكذلك يترتب عوده مع بعض الأقوال على هذه ومع بعضها على هذه ، والجمهور على أن " التفقه " إنما بمشاهدة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبته ، وقالت فرقة يشبه أن يكون " التفقه " في الغزو في السرايا لما يرون من نصرة الله لدينه وإظهاره العدد القليل من المؤمنين على الكثير من الكافرين وعلمهم بذلك صحة دين الإسلام ومكانته في الله تعالى ، ورجحه الطبري وقواه ، والآخر أيضاً قوي ، والضمير في قوله { لينذروا } عائد على المتفقهين بحسب الخلاف ، و " الإنذار " عام للكفر والمعاصي والحذر منها أيضاً كذلك ، وقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار } الآية ، قيل هذه الآية نزلت قبل الأمر بقتال الكفار كافة فهي من التدريج الذي كان في أول الإسلام . قال القاضي أبو محمد : وهذا قول يضعفه هذه الآية من آخر ما نزل ، وقالت فرقة : إنما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ربما تجاوز قوماً من الكفار غازياً لقوم آخرين أبعد منهم ، فأمر الله تعالى بغزو الأدنى فالأدنى إلى المدينة ، وقالت فرقة : الآية مبينة صورة القتال كافة وهي مترتبة مع الأمر بقتال الكفار كافة ، ومعناها أن الله تبارك وتعالى أمر فيها المؤمنين أن يقاتل كل فريق منهم الجنس الذي يصاقبه من الكفرة ، وهذا هو القتال لكلمة الله ورد الناس إلى الإسلام ، وأما إذا مال العدو إلى صقع من أصقاع المسلمين ففرض على من اتصل به من المسلمين كفاية عدو ذلك الصقع وإن بعدت الدار ونأت البلاد ، وقال قائلو هذه المقالة : نزلت الآية مشيرة إلى قتال الروم بالشام لأنهم كانوا يومئذ العدو الذي يلي ويقرب إذ كانت العرب قد عمها الإسلام وكانت العراق بعيدة ، ثم لما اتسع نطاق الإسلام توجه الفرض في قتال الفرس والديلم وغيرهما من الأمم ، وسأل ابن عمر رجل عن قتال الديلم فقال : عليك بالروم ، وقال الحسن : هم الروم والديلم . قال القاضي أبو محمد : يعني في زمنه ذلك ، وقاله علي ابن الحسين ، وقال ابن زيد : المراد بهذه الآية وقت نزولها العرب ، فلما فرغ منهم نزلت في الروم وغيرهم { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر } [ التوبة : 29 ] إلى قوله { حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون } [ التوبة : 29 ] ، وقرأ جمهور الناس " غِلظة " بكسر الغين ، وقرأ المفضل عن عاصم والأعمش " غَلظة " بفتحها ، وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي وأبان بن ثعلبة وابن أبي عبلة " غُلظة " بضمها ، وهي قراءة أبي حيوة ورواها المفضل عن عاصم أيضاً ، قال أبو حاتم رويت الوجوه الثلاثة عن أبي عمرو ، وفي هاتين القراءتين شذوذ وهي لغات ، ومعنى الكلام وليجدوا فيكم خشونة وبأساً ، وذلك مقصود به القتال ، ومنه { عذاب غليظ } [ إبراهيم : 17 ، لقمان : 24 ، فصلت : 50 ، هود : 58 ] و { غليظ القلب } [ آل عمران : 129 ] و { غلاظ شداد } [ التحريم : 6 ] في صفة الزبانية ، وغلظت علينا كبده في حفر الخندق إلى غير ذلك ، ثم وعد تعالى في آخر الآية وحض على التقوى التي هي ملاك الدين والدنيا وبها يلقى العدو ، وقد قال بعض الصحابة : إنما تقاتلون الناس بأعمالكم وأهلها هم المجدون في طرق الحق فوعد تعالى أنه مع أهل التقوى ومن كان الله معه فلن يغلب .