Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 45-47)

Tafsir: al-Muḥarrar al-waǧīz fī tafsīr al-kitāb al-ʿazīz

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذه الآية تنص على أن المسأذنين إنما هم مخلصون للنفاق ، { وارتابت قلوبهم } معناه شكّت ، والريب نحو الشك ، { يترددون } أي يتحيرون لا يتجه لهم هدى ، ومن هذه الآية نزع أهل الكلام في حد الشك أنه تردد بين أمرين ، والصواب في حده أنه توقف بين أمرين ، والتردد في الآية إنما هو في ريب هؤلاء المنافقين إذ كانوا تخطر لهم صحة أمر النبي صلى الله عليه وسلم أحياناً ، وأنه غير صحيح أحياناً ، ولم يكونوا شاكين طالبين للحق لأنه كان يتضح لهم لو طلبوه ، بل كانوا مذبذبين لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء كالشاة الحائرة بين الغنمين ، وأيضاً فبين الشك والريب فرق ما ، وحقيقة الريب إنما هو الأمر يستريب به الناظر فيخلط عليه عقيدته فربما أدى إلى شك وحيرة وربما أدى إلى علم ما في النازلة التي هو فيها ، ألا ترى أن قول الهذلي : @ كأني أريته بريب @@ لا يتجه أن يفسر بشك قال الطبري : وكان جماعة من أهل العلم يرون أن هاتين الآيتين منسوختان بالآية التي ذكرنا في سورة النور ، وأسند عن الحسن وعكرمة أنهما قالا في قول { لا يستأذنك الذين يؤمنون } [ التوبة : 44 ] إلى قوله { فهم في ريبهم يترددون } نسختها الآية التي في النور ، { إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله } [ الآية : 62 ] إلى { إن الله غفور رحيم } [ النور : 62 ] . قال القاضي أبو محمد : وهذا غلط وقد تقدم ذكره ، وقوله تعالى { ولو أرادوا الخروج } الآية ، حجة على المنافقين ، أي ولو أرادوا الخروج بنياتهم لنظروا في ذلك واستعدوا له قبل كونه ، و " العدة " ما يعد للأمر ويروى له من الأشياء ، وقرأ جمهور الناس " عُدة " بضم العين وتاء تأنيث ، وقرأ محمد بن عبد الملك بن مروان وابنه معاوية بن محمد " عُدة " بضم العين وهاء إضمار يريد " عدته " فحذفت تاء التأنيث لما أضاف ، كما قال " وأقام الصلاة " يريد إقامة الصلاة ، هذا قول الفراء ، وضعفه أبو الفتح ، وقال إنما خذف تاء التأنيث وجعل هاء الضمير عوضاً منها ، وقال أبو حاتم : هو جمع عدة على عد ، كبرة وكبر ودرة ودر ، والوجه فيه عدد ولكن لا يوافق خط المصحف ، وقرأ عاصم فيما روى عنه أبان وزر بن حبيش " عِده " بكسر العين وهاء إضمار وهو عندي اسم لما يعد كالريح والقتل لأن العدو سمي قتلاً إذ حقه أن يقتل هذا في معتقد العرب حين سمته ، { انبعاثهم } نفوذهم لهذه الغزوة ، و " التثبيط " التكسيل وكسر العزم ، وقوله { وقيل } ، يحتمل أن يكون حكاية عن الله تعالى أي قال الله في سابق قضائه { اقعدوا مع القاعدين } ، ويحتمل أن يكون حكاية عنهم أي كانت هذه مقالة بعضهم لبعض إما لفظاً وإماً معنى ، فحكي في هذه الألفاظ التي تقتضي لهم مذمة إذ القاعدون النساء والأطفال ، ويحتمل أن يكون عبارة عن إذن محمد صلى الله عليه وسلم عبارة عن التخلف والتراخي كما هو في قول الشاعر : @ واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي @@ وليس للهيئة في هذا كله مدخل ، وكراهية الله انبعاثهم رفق بالمؤمنين وقوله تعالى : { لو خرجوا فيكم } الآية ، خبر بأنهم لو خرجوا لكان خروجهم مضرة ، وقولهم { إلا خبالاً } استثناء من غير الأول ، وهذا قول من قدر أنه لم يكن في عسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم خبال ، فيزيد المنافقون فيه ، فكأن المعنى ما زادوكم قوة ولا شدة لكن خبالاً ، ويحتمل أن يكون استثناء غير منقطع وذلك أن عسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، في غزوة تبوك كان فيه منافقون كثير ولهم لا محالة خبال ، فلو خرج هؤلاء لالتأموا مع الخارجين فزاد الخبال ، والخبال الفساد في الأشياء المؤتلفة الملتحمة كالمودات وبعض الأجرام ، ومنه قول الشاعر : [ الكامل ] @ يا بني لبينى لستما بيدِ إلاّ يداً مخبولة العضدِ @@ وقرأ ابن أبي عبلة " ما زادكم " بغير واو ، وقرأ جمهور الناس { لأوضعوا } ومعناه لأسرعوا السير ، و { خلالكم } معناه فيما بينكم من هنا إلى هنا يسد الموضع الخلة بين الرجلين ، والإيضاع سرعة السير ، وقال الزجّاج { خلالكم } معناه فيما يخل بكم . قال القاضي أبو محمد : وهذا ضعيف ، وماذا يقول في قوله : { فجاسوا خلال الديار } [ الاسراء : 5 ] وقرأ مجاهد فيما حكى النقاش عنه ، " ولأوفضوا " وهو أيضاً بمعنى الإسراع ومنه قوله تعالى : { إلى نصب يوفضون } [ المعارج : 43 ] ، وحكي عن الزبير أنه قرأ " ولأرفضوا " قال أبو الفتح : هذه من رفض البعير إذا أسرع في مشيه رقصاً ورقصاناً ، ومنه قول حسان بن ثابت : [ الكامل ] @ رقص القلوص براكب مستعجل @@ ووقعت " ولا أوضعوا " بألف بعد " لا " في المصحف ، وكذلك وقعت في قوله { أو لأذبحنه } [ النمل : 21 ] ، قيل وذلك لخشونة هجاء الأولين قال الزجّاج : إنما وقعوا في ذلك لأن الفتحة في العبرانية وكثير من الألسنة تكتب ألفاً . قال القاضي أبو محمد : ويحتمل أن تمطل حركة اللام فيحدث بين اللام والهمزة التي من أوضع ، وقوله : { يبغونكم الفتنة } أي يطلبون لكم الفتنة ، وقوله { وفيكم سماعون } قال سفيان بن عيينة والحسن ومجاهد وابن زيد معناه جواسيس يستمعون الأخبار وينقلونها إليهم ، ورجحه الطبري ، قال النقاش : بناء المبالغة يضعف هذا القول ، وقال جمهور المفسرين معناه وفيكم مطيعون سامعون لهم ، وقوله { والله عليم بالظالمين } توعد لهم ولمن كان من المؤمنين على هذه الصفة .